القوة الناعمة في أبسط عبارة هي القدرة على جعل الآخرين يتبعونك في شيء معين طواعية ودون إكراه، بل ويعجبون بك. فإذا ذكر الهمبرغر والجينز قفزت الولايات المتحدة كقوة ناعمة في هذا الأمر، لأنها استطاعت أن تخلق هذا الانطباع والإعجاب بهذا المنتج لدى جل أهل الأرض. وإذا ذكرت الدقة المتناهية كقوة ناعمة التفت العالم إلى اليابان، وحين يذكر العطر ودور الأناقة تشرئب الرقاب إلى الفرنسيين.. وهكذا. ولكن ألا توجد لدينا في المملكة العربية السعودية ونحن أبناء هذه الصحراء العريقة قوة ناعمة قابلة للتصدير الإيجابي إلى الخارج؟ الجواب: نعم، لدينا كثير من نواعم القوى التي ارتبطت بإنسان هذه البقعة من الأرض، والتي ستصبح أكثر تأثيرا في ظل النظامين السياسي والاقتصادي المتينين اللذين تعيشهما المملكة اليوم، وفي ظل الرؤية السعودية التي تعتبر العالمية (المنطلقة من بيتنا الداخلي) أساسا للتأثير وجذب الأنظار للعالم بأسره! حسنا، سأنطلق لذكر أهم القوى الناعمة لدى السعودية، والتي تأتي على رأسها القوة الدينية، حيث يندر أن تذكر السعودية في محيطها الخليجي أو العربي أو الإسلامي أو العالمي دون أن يشار إليها بشكل أو بآخر على أنها مهوى أفئدة أكثر من مليار مسلم وقبلتهم اليومية، ووجهتهم كل عام في مشهد مهيب يجمع كل بقاع الأرض في مكان واحد وعلى صعيد واحد في فريضة الحج. هذه القوة الدينية الناعمة ليست مكانا للتصدير لأنها مصدرة ومعلومة أصلا للعالم، لكنها كغيرها من القوى الناعمة محل للتطوير، بحيث يكون ابن هذه البلاد مثالا للإسلام المعتدل والتسامح مع المذاهب، والحوار مع الأديان واحتواء الآخرين بالحكمة واللين، وفتح قنوات الجدل الصحي مع الآخرين، حينها ستكون هذه القوة الناعمة في ذروة انتعاشها، وستكون محور تأثير إيجابي مضاعف ومضرب مثل لعالم يحتوي على نسيج متعايش من الأديان والطوائف. القوة الناعمة الثانية لدى ابن الصحراء هي الكرم والجود، وقد عرف أهل السعودية بكرمهم بحيث يندر أن يمر شخص ما في رحلة الابتعاث أو جولات السياحة الطويلة دون أن يناله شيء من هذا الإطراء في عالم أوغل في التقتير والترشيد المفرط، والانكفاء على ممتلكاته الخاصة إلى حد الانغلاق. هذه القوة بحاجة أيضا إلى التنقيح لتخرج بشكل أكثر تأثيرا للعالم، فمن المناسب أن يكون كرمنا متزنا بحيث يشمل العطاء الدائم للمحتاج دون إسراف، والتواجد لخدمة المتصل دون إضرار، والانخراط في أعمال البر والعطاء بمهنية والوصول الفوري لأهل الحاجة من القادمين إلى بلدنا الكريم، والقيام على خدمتهم وتقديم ما يحتاجونه، وهو الأمر الأكثر تأثيرا في مشهد العطاء والكرم، كما يتم كل عام في مواسم الحج والعمرة ورمضان وغيرها، الكرم أيضا سيشمل الجود بالوقت حين تطلب المساعدة، والجود بالمال حين يحتاج أحدهم لذلك، والجود بالمكان كإيواء المحتاج واستضافة المتقطع، وتقديم السكن للمعوز. ثالث القوى الناعمة لدى السعودي الأصيل، والتي شكلت صورة نمطية لدى الغرب هي النخوة والفزعة، وإن كانت هاتان الصفتان مما جبل عليه العربي الأصيل فارتباطهما بالسعودي محل إقرار كثير من الشعوب، وحين تذكر مثل هذه الصفات لسنا بعيدين عن مشاهد البطولة داخل الوطن وخارجه، والتي ضحى فيها أبناء السعودية الكرام بأرواحهم في سبيل إنقاذ غريق أو إخماد حريق أو نصرة مستغيث، وللأمانة فإن ابن هذه الأرض صدر هذه الثقافة بامتياز بحيث أصبحت وسائل التواصل والأخبار العالمية تطالعنا دوما بمواقف بطولية لشبابنا وهم يسطرون ملاحم في هذا الاتجاه الإنساني، ليشرفوا هذا البلد ويعمقوا أثر هذه القوة الناعمة في نفوس الشعوب الأخرى، والتي وصلت إلى حد الجود بأنفسهم، والجود بالنفس أقصى غاية الجود. هذه القوى الناعمة الثلاث دينا وجودا ونخوة لم تأت مصادفة، بل سرت في جينات هذا الشعب السعودي العريق، وباستمرارها مع العمل على تنقيحها حين يلزم فإنها ستكون في أبهى صورة، وسيستمر العالم في ضرب المثل بروعتها وجمالها وستتناقلها الأجيال من بعدنا، لتستمر سلالة الطيب في زمن الرخاء وفي الزمن العصيب.
مشاركة :