اعتبرت مصادر دبلوماسية أميركية أن المفاجأة لا تكمن في إعلان الرئيس دونالد ترامب إلغاء قمة كانت مقررة سرا مع قادة حركة طالبان الأفغانية ووقف “مفاوضات السلام” الجارية معهم برعاية السلطات القطرية، وإنما في تجنب فخ قطري. واكتشف دبلوماسيون أميركيون أن المصالح القطرية في استضافة المفاوضات مع حركة طالبان تتناقض كليا مع المصلحة الأميركية. الأمر الذي دفع الرئيس الأميركي إلى إلغاء فكرة التفاوض من أصلها مع حركة إرهابية. ذكرت مصادر استخباراتية غربية أن قطر لم تقدم أي خدمة للولايات المتحدة أو لفكرة السلام في أفغانستان عبر رعايتها المفاوضات في الدوحة، بقدر ما كانت تفكر في تحسين صورتها كدولة حاضنة لمنظمات إرهابية. واعتبر يغال كارمون، الرئيس المؤسس لمعهد أبحاث الشرق الأوسط للإعلام، المفاوضات بين الولايات المتحدة وحركة طالبان فخا قطريا قاتلا، قائلا “حتى لو وافقت طالبان على اتفاق سلام برعاية قطرية، فإن التجارب السابقة تظهر مرارا أنه لا توجد وسيلة لضمان وفائها بوعودها”. وقال كارمون إن الإدارة الأميركية دخلت المفاوضات مع حركة طالبان في الدوحة على افتراض أن قطر التي تستضيف قاعدة القيادة المركزية الأميركية، هي حليف له مصالح مشتركة، وبالتالي يجب أن تكون توصياتها حسنة النية، لكن واشنطن توصلت في النهاية إلى أن قطر “عدو” تبدو من الخارج كحليف، ومصالحها تتناقض مع مصالح الولايات المتحدة. وأكد الرئيس الأميركي أن وفد طالبان “كان في طريقه إلى الولايات المتحدة هذا المساء” لكن “ألغيتُ الاجتماع على الفور”. وأوضح مبررا قراره “وضع حد لمفاوضات السلام” بأن طالبان “اعترفت للأسف باعتداء في كابول أسفر عن مقتل أحد جنودنا العظماء و11 شخصا آخرين، سعيا منهم لتكثيف الضغط”. وكان الاعتداء، الذي وقع الخميس، ثاني عملية خلال أيام في العاصمة الأفغانية تتبناها حركة طالبان رغم “الاتفاق المبدئي” الذي أعلن المفاوض الأميركي زلماي خليل زاد التوصل إليه معهم خلال مفاوضات الدوحة. وكان هذا اللقاء غير المسبوق سيعقد قبل أيام من الذكرى الثامنة عشرة لاعتداءات 11 سبتمبر 2001 التي أدت إلى الغزو الأميركي لأفغانستان بهدف إسقاط نظام طالبان لاتهام الحركة بإيواء تنظيم القاعدة. وشكك مراقبون في جدية الاتفاق بالنسبة إلى حركة طالبان مع واشنطن إن كان قد حصل فعلا، لأنه من السهولة على طالبان التملص منه، كما أنه يصعب على قطر ضمان الحركة التي تحظى برعاياها. ويعزو متابعون للشأن الأفغاني فشل إنجاز الاتفاق إلى أن قيادات طالبان لا تبدو متحمّسة لإنهاء معاناة الشعب الأفغاني، خاصة أن الحرب حولت قياداتها إلى نجوم إعلامية كما جلبت إليهم الكثير من الحظوة والأموال خاصة في قطر التي بادرت منذ 2013 إلى فتح مقر خاص للمكتب السياسي للحركة في الدوحة وتمكين أعضائه من مزايا كبيرة وخدمات نوعية. تدعم قطر منظمات مصنفة ضمن لوائح الإرهاب، بما فيها حركة طالبان. كما تدعم الحكومات الإسلامية المعادية للولايات المتحدة مثل إيران وحركة حماس والإخوان المسلمين. ووفقا لريتشارد كلارك، المنسق الوطني للأمن ومكافحة الإرهاب في إدارتي الرئيسين بيل كلينتون وجورج بوش، فإن أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، والد الأمير الحالي الشيخ تميم، نجح في حماية إرهابي رئيسي هو خالد شيخ محمد من ملاحقة الأميركيين، مما مكنه لاحقا من تدبير هجمات 11 سبتمبر بعد بضع سنوات. وقال كلارك “لو سلّمه القطريون إلينا كما طلبنا في عام 1996، لكان العالم الآن في مكان مختلف تماما”. وعلى عكس ما يعتقد الكثير من الأميركيين، لم تُسد قطر أي معروف للولايات المتحدة أثناء بناء قاعدة العديد في منتصف التسعينات من القرن الماضي. بل كانت بحاجة إلى قاعدة أميركية لحماية نفسها حسب كارمون الذي يرى أن الأميركيين يتجاهلون هذه الحقيقة. واعتبر كارمون أن الأمر الأكثر سوءا هو قدرة قطر على شراء الجيش الأميركي بثمن بخس من خلال توسيع قاعدة العديد لزيادة المساحة والسماح بإقامة عائلات الجنود؛ وحتى الآن، لم يظهر أي قائد أميركي ينتقد ثمن هذه العطايا القطرية والتي يدفعها الأميركيون من دمائهم وشرفهم. ونقل الرئيس المؤسس لمعهد أبحاث الشرق الأوسط للإعلام عن أحد كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية تأكيده تغاضي بلاده عن الأنشطة الشائنة في قطر مقابل ما تنفقه على القاعدة الأميركية في العديد. إلا أن الشكوك بدأت تراود مسؤولين أميركيين بأن قطر قد تعارض أي توجه أميركي عند المواجهة مع إيران، فسبق وأن تعهد الشيخ تميم إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني بأن تكون “الدول الواقعة على طول ساحل الخليج العربي فقط هي التي يجب أن تحافظ على الأمن في المنطقة”. وشككت لوريل ميلر مديرة قسم آسيا في مجموعة الأزمات الدولية، بأن سبب إلغاء اللقاء مع طالبان يعود إلى هجوم كابل وحده “لفترة أطول من الولايات المتحدة”. وقالت ميلر المسؤولة سابقا عن شؤون أفغانستان وباكستان في وزارة الخارجية الأميركية “لماذا يتم إلغاؤه بسبب هجوم دام الخميس في كابول في حين ضاعفت طالبان الاعتداءات مؤخرا؟ هذا غير واضح”. واعتبر مايكل كوغلمان من مركز ويلسون للدراسات أن المشكلة تكمن في أن “الحكومة الأميركية كانت على استعداد للتفاوض من موقع ضعف” وتساءل على تويتر “ترامب يريد مغادرة أفغانستان. فهل ينسحب حتى دون اتفاق؟” متوقعا استئناف المفاوضات. وقال ترامب في تغريدة “أي نوع من الناس يقتلون هذا العدد من الأشخاص من أجل تعزيز موقعهم التفاوضي؟ لم يحققوا ذلك، بل جعلوا الأمور أسوأ”. وختم “إن لم يكن باستطاعتهم قبول وقف إطلاق نار خلال مفاوضات السلام هذه بالغة الأهمية، وهم في المقابل قادرون على قتل 12 شخصا بريئا، فهم على الأرجح لا يملكون الوسائل للتفاوض على اتفاق مجد” متسائلا “على مدى كم من العقود يريدون الاستمرار في القتال؟”. وقال كارمون “بعض الأعداء ليست لديهم مصلحة في أي شيء سوى الانسحاب الأميركي ولن يدفعوا أي شيء مقابل هذا الانسحاب؛ ولكن على العكس من ذلك، سوف يدفعون مقابل كل يوم يبقى فيه الأميركيون حتى يخرجوا من أفغانستان. ويبدو أن الرئيس الأميركي وإدارته غير قادرين على رؤية هذا”.
مشاركة :