يعتبر مقر الأمم المتحدة مركزا للدبلوماسية العالمية، إلا أن طوابقه البالغ عددها 39، تعتبر أكثر من مجرد مكان لإجراء المفاوضات، حيث يضم المقر نحو 400 هدية مقدمة من الدول الأعضاء. وتحكي بعض هذه المقتنيات قصصا عن لحظات رئيسية في التاريخ، مثل قطعة فنية من النسيج، تبرعت بها بيلاروس (روسيا البيضاء)، توثق الكارثة النووية التي وقعت في محطة تشرنوبل في أوكرانيا. كما توجد قطعة أخرى عبارة عن لوح حجري كان يستخدم في وقت ما كجواز سفر دبلوماسي للإمبراطور المغولي جنكيز خان. أمّا قطعة “لا للعنف”، فتعد واحدة من أشهر هذه المقتنيات، وهي عبارة عن مسدس برونزي من عيار 45، كان هدية من لوكسمبورغ. وكان مصدر الإلهام بالنسبة للفنان الذي قام بصنع المسدس، قد بدر إليه من خلال حادث اغتيال المغني جون لينون، العضو السابق في فريق الرّوك الإنكليزي الشهير “بيتلز”، والذي قُتل في عام 1980 عن عمر ناهز 40 عاما، بالقرب من حديقة “سنترال بارك” لشهيرة، على مسافة ليست بعيدة من مقر الأمم المتحدة. وقال فيرنر شميت، الذي يعمل في قسم الإدارة بالأمم المتحدة، إنه من أوائل الهدايا هناك لوحتان مرسومتان على جدران قاعة الجمعية العامة وهي مكان عَقد اجتماعات الدول الأعضاء البالغ عددها 193. ولم يكن الفنان الفرنسي فرناند ليجيه قادرا على الذهاب إلى الولايات المتحدة لتنفيذ اللوحتين الجداريتين بنفسه، فقام بتصميمهما، وأرسل تلميذا سابقا له يدعى بروس جريجوري، مع رسم تمهيدي لتنفيذهما. وأطلق الرئيس الأميركي هاري ترومان، على واحدة من الرسمتين اسم “البيض المخفوق”. وأشار شميت إلى أن قبول الهدايا المجهولة هو أمر مرفوض حاليا، حيث يمكن للدول الأعضاء فقط التبرع بالأعمال الفنية. كما أن هناك حدودا لما هو مقبول، بسبب عدم وجود مساحة لوضع عدد غير محدود من الأعمال الفنية، موضحا “إننا لسنا متحفا”. وهناك أيضا بعض الدبلوماسية اللبقة المطلوبة في ما يخص التعامل مع تلك الهدايا، حيث لا يمكن أن تكون الهدايا سياسية بدرجة كبيرة، ويجب على لجنة الفنون المعيّنة التابعة للأمم المتحدة، أن تضع في اعتبارها ما إذا كانت جميع الدول الأعضاء ستكون سعيدة بوجود تلك الهدايا في مقر منظمة تقوم جميع تلك الدول بتمويلها. ويشار إلى أن هناك بعض القطع الفنية التي تبرعت بها دول لم تعد موجودة، فمن الاتحاد السوفييتي، هناك تمثال موضوع أمام نهر “إيست ريفر”، وهو مصنوع من البرونز لرجل يحمل في إحدى يديه مطرقة ويحمل في يده الأخرى سيفا. وتهيمن دول شمال أوروبا على التصميمات الداخلية هناك حيث تبرعت الدنمارك بغرفة مجلس الوصاية في عام 1953، كما تبرعت السويد بغرفة المجلس الاقتصادي والاجتماعي في عام 2016. وفي حين أن هناك بعض القطع التي تعتبر جزءا من أثاث المكان، والتي تكون غير ملاحظة إلى حد كبير، إلا أنه من المستحيل تجاهل بعض آخر من الهدايا. ويتم في بعض الأحيان استدعاء الهدايا واستبدالها لأسباب مختلفة، بحسب شميت. وكانت بكين استدعت إحدى القطع المفضلة لديها، وهي عبارة عن نموذج للسكك الحديدية الصينية، منحوتة بالكامل من العاج. وكانت الهدية “غير مناسبة بعض الشيء من حيث الفترة الزمنية” – وذلك بحسب ما يصفها شميت.
مشاركة :