لفترة طويلة كانت شركات الإنترنت العملاقة في مواجهة اتهامات وانتقادات لا حصر لها بشأن مسؤولية منصاتها عن التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية والأوروبية، لكن اليوم تأتيها نفس الاتهامات من الضفة الأخرى، ما فسره البعض بأنه تمهيد لفرض قيود روسية على شركات الإنترنت الأميركية داخل البلاد. واتهمت الهيئة الروسية للرقابة على الاتصالات (روسكومنادزور) شركتي غوغل وفيسبوك بانتهاك تشريع روسي يحظر الإعلان السياسي خلال الانتخابات، من خلال سماحهما بنشر إعلانات سياسية أثناء الانتخابات، مضيفة أن ذلك قد يعد تدخلا. وأضافت “روسكومنادزور” في بيان أن “مثل هذه الأعمال يمكن اعتبارها تدخلا في شؤون السيادة الروسية وإعاقة للانتخابات الديمقراطية”. ووفقا لما نقلته وكالة “إنترفاكس” الروسية، ردت شركتا غوغل وفيسبوك الأميركيتان على هذه الاتهامات بنفي مزاعم موسكو بشأن تدخلهما في الانتخابات الروسية، وقال محرك البحث غوغل وشبكة فيسبوك للتواصل الاجتماعي في بيانين منفصلين إن المعلِنين هم المسؤولون عن هذا. وقالت شركة غوغل “نؤيد الإعلانات السياسية المسؤولة ونتوقع أن تمتثل لمقتضيات التشريعات المحلية بما في ذلك القوانين الخاصة بالانتخابات وحقوق التصويت و’الصمت الانتخابي’ الإلزامي بأي مناطق جغرافية تكون هذه الإعلانات موجهة إليها”. وأشارت فيسبوك إلى الأمر نفسه، وأوضحت ”عندما نتلقى إخطارا بأن أي إعلان ينتهك القانون المحلي، فإننا نفحصه ونتخذ الإجراءات المناسبة”.وأجرت روسيا انتخابات على مستوى الأقاليم والبلديات في أنحاء البلاد الأحد، وشهدت موجة من الاحتجاجات الموالية للمعارضة طوال فترة التصويت. وأفادت وكالة الإعلام الروسية الاثنين أن حزب روسيا المتحدة الحاكم، الذي يدعم الرئيس فلاديمير بوتين، خسر عددا كبيرا من المقاعد في برلمان المدينة. غوغل وفيسبوك ينفيان مزاعم موسكو بشأن تدخلهما في الانتخابات الروسية ويؤكدان في بيانين منفصلين أن المعلِنين هم المسؤولون عن هذا وقال مسؤولون روس إن قوى خارجية تدعم المحتجين. ولاحقا أعربت القيادة الروسية عن تأييدها لإجراء تحقيق في اتهامات بأن شركتي الإنترنت الأميركيتين غوغل وفيسبوك قد تدخلتا في الانتخابات الروسية. وذكرت وكالة “تاس” الروسية الحكومية للأنباء الاثنين أن التحقيق يخضع للإشراف من جانب لجنة برلمانية روسية، وذلك بعد يوم من إعلان هيئة مراقبة الاتصالات الاتحادية في روسيا هذه الاتهامات. وقال ديميتري بيسكوف، المتحدث باسم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، للصحافيين “تم تشكيل اللجنة للنظر في هذه القضايا بطريقة احترافية”. وأكد بيسكوف أهمية التحقيق وقال إن الكرملين ينتظر نتائجه. ويرى مراقبون أن هذه الخطوة الروسية قد تكون تمهيدا لفرض إجراءات مشددة على المنصات الرقمية الأميركية في روسيا، وفرض قيود عليها، إذ أنها تدرس منذ فترة إنشاء شبكة إنترنت داخلية، وهو المشروع الذي يواجه انتقادات شديدة. وتبنّى البرلمان الروسي في أبريل الماضي قانونا مثيرا للجدل لإنشاء “شبكة إنترنت مستقلة” في روسيا تكون معزولة عن الخوادم العالمية الرئيسة، اعتبره منتقدوه وسيلة للسلطات لتشديد رقابتها على الشبكة الإلكترونية. والنصّ الذي يحمل اسم “سلامة الشبكة المعلوماتية”، ينصّ على السماح للمواقع الروسية بالعمل من دون المرور عبر الخوادم الأجنبية. واعتبره المنتقدون محاولة لمراقبة محتويات الشبكة، ولعزل تدريجي للإنترنت في روسيا، في أجواء من ضغوط متنامية تمارسها السلطات لكبح الحريات. ويقضي النصّ بإنشاء بنية تحتية تتيح ضمان عمل موارد شبكة الإنترنت الروسية، إذا تعذّر على المشغلين الروس الاتصال بالخوادم الأجنبية. وتؤكد الجهات التي تقف وراء مشروع القانون أن الهدف منه هو إيجاد “آلية دفاعية لضمان استقرار مهمات شبكات الإنترنت في روسيا على المدى البعيد”، في حال اتخذت الولايات المتحدة أيّ تحرك إلكتروني لتهديدها.
مشاركة :