بعد أن عمّ الفرح، وانطلقت أهازيج الحبور وتناثرت الورود سعادةً وفرحا بنجاح أبنائنا وإخواننا وطلابنا ممن تخرجوا في المرحلة الثانوية، فإنه سرعان ما ينقلب الفرح إلى حيرة والسعادة إلى ضيق؛ لأن الطالب يعي أنه في مرحلة انتقالية ومفصلية في حياته، وعلى وشك اتخاذ قرار قد يكون أساس النجاح والفشل فيما هو قادم، وهذا القرار هو اختيار تخصص الدراسة الجامعية. اختيار التخصص الجامعي هو النقطة الفارقة في حياة كل شاب؛ فعليه يعتمد النجاح والفشل. كثير من طلاب الجامعة يكتشفون أثناء الدراسة أنهم أخطأوا في اختيار التخصص، ما يؤدي إلى يأس وضمور في الهمة على المواصلة والتميز، ونتيجة لهذا إما انحدار في التحصيل الأكاديمي وإما عدم إكمال المسيرة التعليمية وإما تغيير التخصص وهو الخيار الأفضل إن كان في الوقت المناسب. المحصلة النهائية لسوء الاختيار هو دخول أفواج من الموظفين غير المنتجين إلى ميدان العمل ممن يشعرون بالإحباط والضجر من أعمالهم. من خلال خبرتي في المجال الأكاديمي كعضو هيئة تدريس في جامعة البحرين، ومن خلال مناقشاتي المستمرة مع الطلاب، توصلت إلى أن من أهم أسباب سوء الاختيار هو قلة الوعي، وافتقاد الإرشاد في المراحل الدراسية المبكرة، بالإضافة إلى قلة وعي أولياء الأمور وقلة إدراكهم قدرات أولادهم وإجبار الأبناء على دخول مجالات مخالفة لرغبتهم. مما يدور في الذهن بعد كل ما قيل من صعاب في اختيار التخصص المناسب ومدى أثره السلبي على الطالب في المرحلة الجامعية وعليه كموظف في الحياة العملية هو: كيف السبيل إلى اتخاذ الخيار الأفضل؟ في البداية يجب أن يكون الاختيار بناءً على رغبة الطالب لا رغبة الأهل، فهو الأعلم بما يحب ويهوى. ثانيا على الطالب الاختيار بما يتوافق مع قدراته، فعلى سبيل المثال: من الصعب على من ليس عنده قدرة الحفظ أن يدخل تخصص الصيدلة لما يحتاج إليه هذا التخصص من مقدرة كبيرة في الحفظ لاستيعاب أسماء الأدوية وتركيبها وتوافقها وتضادها مع بعضها، بالإضافة إلى أن تخصصات مثل التخصصات الهندسية تحتاج إلى قدرة على استيعاب وحل المسائل الرياضية والفيزيائية، ولذلك فإن أهم أسس الاختيار هو معرفة الشخص قدراته. ومما يجب النظر إليه أيضا عند اختيار التخصص هو وفرة فرص العمل مستقبلاً للتخصص الذي اختاره، فليس من المجدي الدخول في مجال مستهلك ومشبع. فإذا توافرت الرغبة والقدرة بالإضافة إلى حاجة سوق العمل إلى هذا التخصص فلا يبقى على الشخص إلا استشارة أصحاب التخصص والأهل ومن ثم التوكل على الله. وعلى أولياء الأمور توجيه أولادهم ومساعدتهم على اكتشاف قدراتهم وعدم إجبارهم على ما لا يرغبون به، وذلك للتوجه إلى الاختيار الصحيح الذي سيكون أول عتبة على سلم النجاح والتميز في مستقبل الأولاد والحصاد المثمر للأهل بعد سنين الحرث والزرع في أرض الأبناء الخصبة. { مساعد بحث في قسم الهندسة المدنية - كلية الهندسة، جامعة البحرين
مشاركة :