يبدو أن المناظرات التي أجريت خلال الأيام الماضية بين المرشحين للانتخابات الرئاسية التونسية لم تحقق غايتها وأهدافها المتمثلة أساسا في تبديد حيرة الناخبين بما يسهل عملية اختيار مرشحهم. ويرى مراقبون أن هذه المناظرات التلفزيونية بقدر ما مثّلت مشهدا إعلاميا مجسّدا للانتقال الديمقراطي الذي يضمن تكافؤ الفرص بين كل المرشحين، عمّقت ضبابية المشهد السياسي في أذهان الناخبين وضاعفت حيرتهم تجاه المشهد الانتخابي خاصة بعد أن التمسوا تشابها وتقاربا في برامج المتنافسين. وقال رئيس الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري نوري اللجمي “الكل يجمعون على القول إن ما حصل عزز الممارسة الديمقراطية وجرى بشكل جيد”، مضيفا “حتى لو أن كل الأمور لم تجر بشكل مثالي، فقد تصرف الصحافيون بشكل جيد، وكانت المتابعة قوية جدا”. وعاشت تونس نهاية الأسبوع المنقضي على وقع أول تنافس مباشر بين المرشحين للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها وذلك في مناظرات تلفزيونية جرت لأول مرة في تاريخ البلاد وتهدف إلى تفسير وتبسيط رؤى المتنافسين على الرئاسة للناخبين في إطار الحملات الانتخابية. وفي ظل حيرة شعبية تجاه المشهد السياسي وإزاء تعدد المرشحين للرئاسة، جرت ثلاث دورات للمناظرات التلفزيونية، شارك فيها 24 مرشحا وأُقصي منها اثنان، أحدهما في السجن (نبيل القروي) وآخر فار خارج البلاد (سليم الرياحي)، وذلك بعد إجراء عملية قرعة حددت ضوابط هذه المناظرات وأشرفت عليها هيئة الانتخابات بالشراكة مع الهيئة المختصة بالإعلام السمعي والبصري. وأفادت أرقام وزعتها شركة سيغما لسبر الآراء بأن نحو ثلاثة ملايين مشاهد تابعوا المناظرة الأولى السبت، فيما تابع 2.5 مليون مشاهد المناظرة الثانية الأحد. وقال الكاتب الصحافي المختص في الشأن السياسي، محمد صالح العبيدي، لـ”العرب” إن المناظرات التلفزيونية بين المرشحين للرئاسة التونسية وفي تجربتها الأولى “عمقت حيرة التونسيين ولم تمثل فرصة سانحة للناخبين للفرز ولاختيار المرشح الذي سيتم تفويضه عبر صندوق الاقتراع رئيسا لتونس نظرا لتشابه أطروحات المرشحين مع بعضها البعض في كل المسائل المتعلقة بالسياسة الخارجية التونسية وبملف الأمن القومي ومسألة حل الجهاز السري لحركة النهضة الإسلامية”. ورأى محمد صالح العبيدي أن دورات المناظرات التلفزيونية الثلاث اتسمت بكثرة المعطيات المقدّمة للناخبين وتشابهها خاصة وأن كل دورة شارك فيها ما بين 8 و9 مرشحين لسباق الرئاسة، وهو ما أربك الناخب التونسي، وفق تقديره. كما اعتبر العبيدي أن المناظرات التلفزيونية لم تكن فرصة لاختيار برامج انتخابية واضحة يتم على ضوئها الاقتناع بمرشح بقدر ما كانت فرصة لكشف ضعف الأداء الاتصالي لعدد كبير من المرشحين وفقدانهم لبرامج محددة ومخصصة لهذا الاستحقاق الانتخابي. ولاحظ أن تفاعلات التونسيين مع هذه المناظرات التلفزيونية تعلّقت أساسا بالحضور الذهني للمتناظرين أكثر من تعلقها بفحوى كلماتهم وبرامجهم الانتخابية. وقالت الأستاذة الجامعية المحاضرة في الإعلام والاتصال، سلوى الشرفي لـ”العرب” إن المناظرات التلفزيونية التي أجراها التلفزيون الرسمي التونسي بين المرشحين للاستحقاق الانتخابي الرئاسي مثلت نقطة اتصالية جديدة بالنسبة للجمهور التونسي الذي لم يتعوّد على الاستماع إلى المتنافسين على الرئاسة يطرحون أفكارهم وبرامجهم في فضاء إعلامي تنافسي. ولاحظت سلوى الشرفي أن طريقة التناظر لم تفسح للناخب مجال اختيار أو تحديد خياراته ونواياه الانتخابية لأنها لم تكن بمثابة منافسة مباشرة بين المرشحين في طرح البرامج حتى يميّز الناخب بينهم ويفرز من يراه أفضل لقيادة تونس. وفي المناظرات التلفزيونية للمرشحين لم تكن أسئلة الصحافيين الموجهة إلى المتناظرين نفس الأسئلة حيث وُجه إلى كل مرشح سؤال يختلف عن الأسئلة الموجهة إلى الآخرين، وهو ما يجعل الناخب يرتبك في تحديد خياراته الانتخابية، وفق تقدير الجامعية سلوى الشرفي. واعتبرت أن كثرة المتناظرين في كل دورة تناظرية تلفزيونية مثّلت سببا هاما في فقدان التركيز لدى الناخبين وعدم الاهتمام بفحوى مداخلة كل مرشح بعد أن أصبح تركيز التونسيين موجّها إلى الصورة أكثر من مضمون المداخلات. وشبّهت الشرفي المناظرات التلفزيونية بمناظرات الانتداب التي يكون فيها الشعب حاكما ولم تُبسط أو تفسر للتونسيين كل البرامج الانتخابية التي يمكن التصويت على ضوئها. ومن المحتمل أن يجري التلفزيون الرسمي التونسي مناظرة تلفزيونية ثانية في حال عدم الحسم في السباق الرئاسي من الدور الأول ومرور مرشحين اثنين إلى دور الحسم. وأعلن جميع المرشحين التزامهم المشاركة في مناظرة لاحقة في حال انتقالهم إلى الدورة الثانية من الانتخابات. وفي عام 2014 رفض الرئيس الراحل محمد الباجي قائد السبسي، خلال أول انتخابات ديمقراطية في تونس، إجراء مناظرة تلفزيونية مع منافسه المباشر محمد المنصف المرزوقي واعتبرها مسألة “تناطح” سياسي لن يضيف للناخب شيئا. وتعد المناظرات بين المرشحين للانتخابات الرئاسية تقليدا أميركيا يعود إلى سنة 1860 تاريخ أوّل مواجهة بين الجمهوري أبراهام لنكولن ومنافسه الديمقراطي ستيفن دوغلاس، ليتطوّر مع ظهور التلفزيون ويصبح سنة 1960 حدثا إعلاميا يتابعه عشرات الملايين من الأشخاص.
مشاركة :