من يتابع عن كثب المشهد الراهن في اليمن سيلحظ انه وعلى الرغم من أحداث العنف والحروب والاضطرابات التي يشهدها هذا البلد فإنها لم تحجب التحركات السياسية البعيدة عن الاضواء وهي التحركات التي تمخضت عن العديد من المبادرات التي اطلقتها مجموعة كبيرة من الاحزاب والمكونات والزعامات اليمنية بهدف الدفع بالحل السياسي بعد ان وصلت الاوضاع الانسانية الى منعطفات خطيرة تنذر بكارثة في هذا البلد الذي يعيش اكثر من 60% من سكانه تحت خط الفقر والفاقة والبطالة ناهيك عن افتقادهم للكثير من مقومات التنمية والتعليم والصحة ومتطلبات الحياة العصرية. وبغض النظر عن الافكار المتصادمة او المتعارضة في هذه المبادرات فإن اللافت فيها هو البيان الصادر قبل ايام عن الرئيس السابق علي عبدالله صالح والذي دعا فيه حركة (أنصار الله) الحوثية الى القبول بقرارات مجلس الامن وتنفيذها والانسحاب من المدن التي يسيطرون عليها بما فيها العاصمة صنعاء وتسليم السلاح لمؤسسات الدولة وتلبية الدعوة للحوار تحت سقف المبادرة الخليجية ومع كل ما في هذه المبادرات من الدلالات إلا انها جاءت متأخرة وان مثل هذا التأخير يفسر ضعف الرؤية الاستراتيجية لأصحابها الذين خانتهم تقديراتهم لتعقيدات اللحظة الصعبة التي يمر بها اليمن الان والتي ما كان له ان يقع في افخاخها الشائكة لولا تمترس كل طرف سياسي وراء اهدافه الضيقة ومصالحه الانانية دونما اعتبار لما قد يلحق بوطنه من المصائب والمحن والانكسارات التي ستنعكس بالضرورة على وضعه الداخلي وموقعه الاقليمي. ومع كل ما يحمله هذا الحراك السياسي من مؤشرات فهل يمكن اعتبار هذا الجنوح الى اعتماد الحلول السياسية للأزمة اليمنية من قبل العديد من الاحزاب والمكونات السياسية بمثابة محاولة للحصول على شهادة حسن سلوك لها من ابناء شعبها الذين يشعرون اليوم ان هذه المكونات قد خذلتهم في محطات عدة وان ما يتعرضون له اليوم من المآسي والويلات ليس اكثر من تحصيل حاصل لتراكمات كثيرة عملت على تعميق ثنائية (التوحد والتشظي) الى درجة بات فيها الركن الثاني من هذا الثنائي يطغى على ركنه الاول على خلفيات صراعات تلك الاحزاب على السلطة والثروة وسعي كل طرف منها الى التفرد والاستحواذ على مقدرات البلاد لنفسه وبعيدا عن مشاركة الاخرين وكرد فعل على ذلك فلم يعد المواطن اليمني واثقا من النوايا الحقيقية والأهداف التي تكمن وراء الواجهة او الصورة التي قدمت في كل تلك المبادرات التي طغت على المشهد الداخلي في الاونة الاخيرة. ومن هنا فان اعادة البحث في دور هذه الاحزاب والمكونات وتسليط الضوء على موقعها في كل الازمات والانحدارات والحروب المتنقلة التي عانى منها ولا يزال اليمن اصبحت مسألة ضرورية لفهم واستيعاب اهم معضلات الواقع السياسي في هذا البلد وبما يسمح باعادة الاعتبار (للمسؤولية الذاتية) بمعزل عن حالة التكاذب والتعامي والارتهان لمعطيات ومبررات غير مقنعة اذ لم يعد من المنطقي في ظل لعبة التذاكي على اليمنيين الاستمرار في اطلاق المبادرات والخطاب الوطني الجامع الذي يدعي الحرص على مستقبل اليمن ومصالحه العليا فيما تأتي الافعال والممارسات متناقضة مع ذلك الخطاب المعلن والذي يرتكز على ان القول شيء والممارسة شيء اخر. لهذه الاسباب وغيرها فان الاحزاب والمكونات السياسية في اليمن ستبقى هي المسؤولة بصورة مباشرة عن كل ما يعانيه هذا البلد حاضرا من توترات وحروب وتصدعات وما قد يصيبه في المستقبل من انقسامات وانفجارات عنيفة وربما اضرار نفسية واجتماعية ما لم تسارع تلك القوى والأطراف الى الانتصار لليمن والانتصار لوطنيتها بروح ايجابية تمهد لغلق ملفات جميع الازمات نهائيا ووقف مسار التدهور العبثي الذي اخذته تلك الازمات وإنقاذ ما يمكن انقاذه بإرادة صادقة لا مجال فيها لأي من المواقف المنفلتة او غير العاقلة او الممارسات اللامسؤولة او المشبوهة التي تستخف بأحلام وطموحات الملايين من اليمنيين الذين ينتظرون بصبر وجلد اليوم الذي يستعيد فيه وطنُهم نفسَه.
مشاركة :