أكد وزير الثقافة السعودي أهمية الأدب بوصفه قطاعا ثقافيا حيويا يحتاج إلى عناية خاصة، مشيرا إلى أن الوزارة تدعم الأدب السعودي بكل اتجاهاته الإبداعية عبر مبادرات متنوعة، كما تدعم المثقف السعودي وتحرص على توفير كل ما يحتاج إليه، لإثراء المكتبة السعودية بأعمال أدبية ذات قيمة ثقافية عالية تليق بمكانة المملكة. في هذا الاستطلاع، الذي قامت به “العرب”، يتساءل نخبة من المترجمين السعوديين حول مدى قدرة الوزارة على تبني المبادرات الخاصة بالترجمة، وتحويل مشاريعهم من أعمال فردية يقوم بها المترجم بجهده الشخصي إلى عمل مؤسساتي مدعوم من قبلها. ووسط ذلك يأمل المترجمون في أن تلتفت الوزارة إلى هذا الملف المهم القادر على تعريف المنجز الثقافي العالمي على المستوى الروائي والشعري والفكري والنقدي، وعلى مستوى المراجعات الدينية والاجتماعية والفلسفية المعاصرة التي أفرزتها النتائج الاقتصادية والسياسية في العالم، بحيث تلتفت الوزارة إلى ضرورة تدشين هيئات وأكاديميات ومراكز مختصة بالترجمة، وذلك عبر عقد الشراكات التي من الممكن أن تطلقها مع المراكز الثقافية والجمعيات والأندية على سبيل المثال. مساهمات شبابية يذهب المترجم راضي النماصي إلى أن سبل الدعم متوفرة باسم الوزارة على عدة أصعدة من خلال تمويل مشاريع تبدأ من ترجمة الكتب وليس انتهاء بالمدونات والمواقع الإبداعية الجماعية على الانترنت. ويقول “مؤخرا، قام الصندوق العربي للثقافة والفنون (آفاق) بإسداء منحة دعم مالي لموقع ‘كتب مملة‘، أحد أشهر منصات الكتابة الإبداعية على شبكة الأنترنت، والقائمة على مساهمات شبابية محضة. لدينا مثل هذه المواقع كثيرا في السعودية، مثل ‘ساقية‘ لأحمد بادغيش وفهد الحازمي، و‘سبيل‘ التي توقفت -للأسف- بعدد واحد لانشغال محررها، وكانت واعدة للغاية. كما أن فكرة المجلات المختصة بالآداب والفنون قائمة مثل ‘ذا نيويوركر‘، ‘باريس ريفيو‘، ‘لندن ريفيو أوف بوكس‘، وغيرها؛ حتى أنه يمكن استثمار رأس مال خاص بها والربح منها عبر الاشتراكات. ناهيكم عن فكرة مشروع وطني للترجمة بالتعاون ماليّا مع الأندية الأدبية، مما يخفف الكلفة المادية على جميع الجهات المعنية. ولا شك أن للدكتور محمد حسن علوان اطلاعًا كافيًا حول ما ساهمت به مشاريع الترجمة لدى الهيئات الحكومية ودور النشر الخاصة من فائدة في التثاقف بين الشعوب والأمم، ونرجو له التوفيق في مهمته القادمة“. من جانبه علّق المترجم أحمد العلي على الترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى قائلا “للأسف، صورة الاستشراق عن الجزيرة العربية هي البداوة، نحن لسنا ‘الشّرق‘، لسنا نقطة جاذبة مثل القاهرة ومراكش وإسطنبول، وإذًا، السؤال الكبير المطروح هو: كيف نتواجد ثقافيًّا في تصوّرات الشعوب الأخرى، موفّرين نوافذ لرؤيتنا غير أخبار السياسة والنفط؟ هنا تأتي الكتب بحمولاتها الأدبية والمعرفية للإسهام في ذلك. يرى المتابع العناية الفائقة التي يوليها المسؤولون مؤخّرًا لصورة المملكة في الخارج، مثلًا لقد حملوا المشاريع السينمائية الوليدة بصُنّاعها وطافوا بها من موسكو إلى كاليفورنيا، وكذلك فعلوا بالفنون التشكيليّة، لكن لم تزل الكتب تشكّل معضلة، فإن كانت السينما والتشكيل مجالين طازجين يُلتفت إليهما حديثا، فإن الكتب خاضت معارك كثيرة أثقلت صناعتها وأدخلت الرّيبة في جدوى دعمها والعمل عليها. لكن الحقيقة هي أنّه لابدّ من العودة إليها باحترافيّة عالية”. ويتابع “الصيغة التي تتواجد بها أغلب الدول في معارض الكتب العالمية، مثل بولندا وتركيا، وإندونيسيا التي كانت ضيفة شرف معرض لندن للكتاب هذا العام، هي أن تقوم جهة مختصّة بالكتاب وشؤونه بالمشاركة في المعرض باسم المملكة، وتخصّص مساحات في جناحها للناشرين السعوديين كي يعرضوا كتبهم ويبيعوا حقوق ترجمتها إلى أمثالهم بمختلف اللغات، بهذا فقط تتوفّر فرصة نقل كتاب ما من لغة إلى أخرى من داخل منظومة النشر ودوائره، بحيث يأخذ الكتاب حظّه من التواجد في الأسواق والمشاركة في الجوائز مثل بقيّة الكتب، على أن تُعلن تلك الجهة المختصّة عن برنامج دعم ترجمة الكتب السعوديّة بتحمّل تكلفة الترجمة”. دعم المشاريع ويلخص المترجم رائد الجشي مداخلته في ضرورة انصباب اهتمامات الوزارة على ثلاثة اتجاهات، الأول يدعم المشاريع الفردية الجادة التي تناسب المعايير، والثاني يسد الثغرات العلمية والثقافية والحاجة الأكاديمية وتوفير المعلومات باللغة العربية لطلاب الجامعات، والثالث في الاستفادة من الكتاب الأحياء في تعزيز وتطوير الترجمة وذلك باستضافتهم ضمن ورش الترجمة التي تقام لكتاباتهم بشكل مباشر أو عبر وسائل التواصل الرقمي بحيث يعدّ لجيل أكاديمي أكثر خبرة، ويسمح بمشاركة المترجمين المتطوعين في مراكز الثقافة بالمملكة. ويأمل الجشي أن يُنظر في مسألة تفريغ بعض المترجمين الفاعلين للمساهمة في تسريع هذه الحركة بالشكل الذي يحافظ في نفس الوقت على جدية المنتج، ويوفر للمترجم بيئة مناسبة تعينه على إتقان عمله بتوفير قواميس وكتب مرجعية، وإقامة دورات ومحاضرات وورش خاصة وعامة في المراكز الثقافية. من جانبها تؤكد المترجمة منى العبدلي على أنه يجب على الوزارة أن تضع ملف الترجمة على طاولة الأولويات لديها. وتقول “مع كامل الاحترام لكل المترجمين المحليين، فالترجمة ليست بالسهولة التي يعتقدون، وليست بالطريقة التي ينتهجونها لنبتلي نحن القراء بمنتج خارج من عباءة مترجم غوغل، أو يترجمون لنا كتبا لا يقرؤها أهل لغتها الأصلية. لرداءتها”. وتضيف “يجب على الوزارة الاستفادة من تجربة المنظمة العربية للترجمة التي آثرت المشهد العربي بتراجم لم نتوقع يوما أن تكون بين أيدينا. إبداع في نقل المحتوى للغة العربية، وإبداع في الإخراج النهائي للمنتج. آمل في استقطاب المترجمين العرب ذوي الخبرة لإقامة ورش عمل للترجمة للشباب المترجمين، ودعمهم، وصقل موهبتهم”. أفكار وتطلعات يتفق المترجم صالح الخنيزي مع معظم المترجمين في أن دعم الوزارة ضروري جدا، وأن المترجمين بأمسّ الحاجة إلى مبادراتها، وذلك لتعزيز العمل المؤسساتي الذي يفتقده الأفراد المترجمون. إذ سيساهم هذا العمل -حسب تعبيره- في تطوير الترجمة ضمن رؤية ستفتح فيها المملكة أبوابها على العالم كوجهة ثقافية وعلمية واقتصادية. ويلخص الخنيزي مداخلته في عدّة نقاط يأمل أن ترى النور، وهي “تأسيس قاعة مخصصة للترجمة تحت مظلة المؤسسة الرسمية، كالأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون، وتشكيل لجنة تضم عدة مترجمين، ممن لهم باع طويل في الترجمة من شتى الحقول، وأخرى تضم مراجعين ومدققين لغويين، حتى يخرج العمل بصيغة نهائية مرضية، وعقد ورشات عمل دورية يناقش فيها الأعضاء مختارات من أحد الأعمال المترجمة، بالإضافة إلى تنظيم مسابقة سنوية، وتوزيع الجوائز في مهرجان سنوي يقام في 30 سبتمبر من كل عام، وهو اليوم العالمي للترجمة، يستضاف فيه مترجمون من داخل المملكة وخارجها، وتقام فيه الندوات والورشات، وتوزع فيه الجوائز على الفائزين”. وفي هذا الشأن تقول المترجمة تركية العمري “من الضروري أن تلتفت الوزارة لحال الترجمة الأدبية في مشهدنا الثقافي كمسار ثقافي عالمي وكقوة ناعمة في الوقت ذاته، فالترجمة الأدبية تمثل جسرا بيننا وبين الثقافات والشعوب الأخرى، وهذا الجسر ينقل إبداعنا إلى الآخر، ويحزنني أنه إلي اليوم لا تزال الترجمة الأدبية جهودا فردية، متناثرة هنا وهناك”. وترى العمري أن “عملية تحويل الترجمة من عمل فردي إلى عمل مؤسسي يكون عبر تأسيس هيئة للترجمة الأدبية في وزارة الثقافة، حيث تقوم الوزارة باستقطاب المترجمين الأدبيين المتميزين لدينا وهم قلة، وتفريغهم إذا كانوا على رأس العمل، وإسناد رئاسة هذه الهيئة إلى مترجم فنان أو مترجمة فنانة، وإبعاد الأكدمة عن الهيئة، فالترجمة الأدبية هي فن وليست عملا مدرسيا أو جامدا، وتكوين الهيئة لا يستدعي وجود أشخاص كثر، يكفي أربعة مثلا، وهنا سوف يكون إنجازا، وخاصة في مرحلة التأسيس للهيئة”. يعوّل المترجم خلف سرحان القرشي على استراتيجية الوزارة وعلى رؤيتها، ويقول “كثيرة هي الآمال المعقودة على وزارة الثقافة الناشئة، وعلى استراتيجيتها المنتظر تفعيلها واقعا ملموسا، ونحن معشر المترجمين -إن صح التعبير- نعوّل كثيرا على تلك الاستراتيجية، وتفاءلنا ومازلنا بوجود قامة ثقافية فاعلة وواعية على هذا الأمر، وأعني بها الروائي الدكتور محمد حسن علوان رئيس قطاع الأدب والترجمة والنشر. كيف لا؟ وهو الآتي من أتون ميدان الأدب ومفازاته، العليم بقضاياه، والخبير بإشكالاته وتداخلاته وتقاطعاته. وتطرّق القرشي في مداخلته لمعاناة المترجم في السعي إلى نيل حقوق الطبع والنشر عندما يشرع في ترجمة عمل من اللغات الأجنبية إلى لغته العربية، حيث يطلب منه أصحاب حقوق تلك الأعمال مبالغ مالية طائلة أحيانا، يعجز عن توفيرها ودفعها بشكل شخصي. وفي الشأن نفسه تقول المترجمة أمينة الحسن “الترجمة باب العبور إلى الآخر، ومدخل الآخر لمعرفتنا، ووزارة الثقافة لديها المفتاح الآن. المترجمون بحاجة إلى أكاديمية متخصصة، تطرح دورات مهنية وتخصصية في مجالات الترجمة المختلفة، بالإضافة إلى مكتبة للمترجمين تضم أحدث الإصدارات العالمية وقواميس لغوية، وقناة تواصل رسمية بين المترجمين ودور النشر والمؤسسات العالمية. كما أن الورشات واللقاءات بين المترجمين سيكون لها تأثير كبير في جودة الترجمات ونوعيتها”.
مشاركة :