القاهرة تتصدى لوباء انتشار عربات التوك توك

  • 9/12/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

حسمت القاهرة ملف عشوائية مركبات التوك توك بعد صراع استمر لأكثر من 15 عاما، نتيجة سياسات مرتجلة، سمحت باستيراد مركبة تسير بثلاث عجلات على الطرق، ومنعت ترخيصها بدعوى وجود فجوة قانونية لا تسمح بذلك. ووجه رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، مصانع إنتاج هذا النوع من المركبات للتحول إلى إنتاج سيارات صغيرة آمنة “ميني فان” تعمل بالغاز الطبيعي، على غرار تجربة إحلال التاكسي الأبيض التي طبقتها القاهرة عام 2000. ونجحت الفكرة وتم استبدال سيارات التاكسي الأسود الذي كان يسير في شوارع القاهرة منذ الأربعينات بسيارات حديثة بيضاء. وقال محمد معيط وزير المالية لـ”العرب”، “مستعدون لتطبيق تجربة إحلال التاكسي الأبيض على مركبات التوك توك ولدينا إدارة متخصصة في الوزارة في هذا الشأن”. وكانت وزارة المالية تقوم بشراء سيارات التاكسي الأسود القديمة من أصحابها، وتمنحهم خطابات بموجبها يحصلون على سيارات تعمل بنظام “التاكسي الأبيض”، وسميت بهذا الاسم لأنها كانت تشترط أن يكون لون السيارة أبيض. كما تعاقدت مع عدد من البنوك وشركات التأمين لتقديم دعم لأصحاب السيارات الجديدة عبر ملصقات إعلانية على هياكلها، مقابل خصم قيمتها شهريا من الأقساط المدفوعة. وتسببت حالة الانفلات وعدم وجود سياسات حاسمة خلال السنوات الماضية في زيادة عدد مركبات التوك توك، ليتجاوز عددها نحو 3 ملايين مركبة. وزاد التوك توك من تضخم الاقتصاد غير الرسمي بعد أن انتشر كالجراد في المناطق العشوائية والريف وأصبح وسيلة الانتقال الرسمية نتيجة غياب المواصلات العامة في هذه المناطق. وحاولت مصلحة الضرائب مطلع هذا العام ضم منظومة التوك توك إلى القطاع الرسمي وأصدرت تعليمات لمحاسبة المركبات ضريبيا وبأثر رجعي بنحو 5 سنوات. وتشمل العملية حساب الإيراد اليومي للتوك توك الواحد بنحو 100 جنيه (6 دولارات) واعتماد عام 2014 سنة الأساس في الحساب، على أن يرتفع الإيراد سنويا بنحو 10 بالمئة سنويا، ومتوسط عمل يصل إلى نحو 300 يوم في السنة. ووفق التعليمات الضريبية الجديدة فإن متوسط الإيراد اليومي لهذا العام يصل إلى نحو 161 جنيها (9.75 دولار)، ويتم فرض ضريبة أرباح تجارية وصناعية على 25 بالمئة منه بنحو 22.5 بالمئة. وتصل الحصيلة الضريبة يوميا وفق ذلك إلى نحو 1.6 مليون دولار، وتلامس حاجز 480 مليون دولار سنويا. ورغم الاستخدام السيء، إلا أنه ساهم في توفير فرص عمل للشباب، وهجروا العمل في المصانع، نتيجة انخفاض معدلات الأجور، مقارنة بالعائد على هذه المركبات. واستطلعت “العرب” في جولة في منطقتي فيصل والهرم بمحافظة الجيزة القريبة من القاهرة آراء أصحاب مركبات، حيث رحبت فئة كبيرة منهم بقرار رئيس الوزراء بشرط أن لا تحملهم عملية الإحلال أعباء مالية. وطالبوا بإعفاءات ضريبية خلال فترة سداد أقساط السيارات الجديدة، فالوضع الحالي مربح ولا يحملهم أعباء، بجانب توفير مواقف للسيارات بدلا من مطاردات رجال المرور. وقال حسين مصطفى، مدير رابطة صناع السيارات السابق، إن “المركبات المرخصة حاليا من خلال الإدارات المحلية التابعة للمحافظات يصل عددها إلى نحو 225 ألفا وتعادل 13 بالمئة من مركبات التوك توك على الأرض”. وقامت الإدارات المحلية في عدة محافظات بمنح أصحاب التوك توك تراخيص تسيير مقابل رسوم بعد زيادة معدلات الجريمة، بهدف الحصول على موارد، لكن القرار غير ملزم لجميع المحافظات، حيث رفضه عدد كبير من المحافظين بتعلة أنه “من اختصاص قانون المرور”. وفي عام 2011، وافق مجلس الوزراء حينها برئاسة عصام شرف على تعديل قانون المرور يقضي بالسماح بمصادرة الدراجات النارية ومركبات التوك توك لكل من يقودها دون الحصول على رخصة تسيير أو رخصة قيادة. ويرى مصطفى أن الوضع الجديد يحتاج إلى سنوات لتنفيذه، في ظل انتشار حالات السرقة بين المركبات، ولا توجد أوراق أو سندات ملكية لمعظمها. ولا يقتصر التوك توك على نقل الأفراد فحسب، بل يستخدم في عمليات نقل البضائع وأصبح جزءا رئيسيا في سلاسل توزيع المنتجات. وأطلقت شركة “حالا” للنقل التشاركي تطبيقا عبر الهاتف المحمول لاستخدام التوك توك في عمليات نقل البضائع والأفراد، وتتبع مجموعة شركات غبور أتو، وهي المنتج الرئيسي لهذه المركبة في البلاد. والتحدي الذي يواجه المشروع الجديد هو تعريفة الركوب، فسر نجاح انتشار مركبة التوك توك، أنها وسيلة نقل رخيصة، الأمر الذي يجب مراعاته في سيارات ميني فان التي ستحل محله، لأن حمولتها 7 ركاب أما التوك توك فحمولته ثلاثة ركاب فقط. 480 مليون دولار، حصيلة الضرائب المتوقع جمعها هذا العام بعد فرض رسوم على التوك توك وزاد من انتشاره قدرته على السير في الشوارع الضيقة، وتمكنه من نقل البضائع والأفراد بانسيابية في الحارات المصرية التي يصل عرضها إلى متر ونصف المتر أو مترين. والتحدي الآخر هو الطاقات الإنتاجية للمصانع، التي تنتج سيارات ميني فان التي تعمل بالغاز، حيث تستحوذ شركة سوزوكي الهندية تصنيعها في مصر بطاقة تصل إلى نحو 25 ألف سيارة سنويا، ويمكن سد فجوة الطلب خلال المرحلة الأولى لخطة الإحلال من خلال فتح باب استيراد هذه السيارات. ويحقق عمل السيارات بالغاز التحكم في تعريفة الركوب والحفاظ عليها رخيصة عند مستوياتها الحالية نتيجة انخفاض أسعار الغاز مقارنة بالبنزين، والقضاء على بيع الوقود في السوق الموازية، وهي مرتبطة بعمل التوك توك منذ دخوله إلى مصر. وانتشرت هذه الظاهرة بشكل كبير، مع بيع بنزين أوكتين 80 في السوق الموازية الذي يعمل به التوك توك وعلى نواصي الشوارع في المناطق الشعبية. ولا تتسبب عمليات حرق الغاز الطبيعي صديق البيئة في انبعاثات ضارة مقارنة بعمليات حرق البنزين في محركات التوك توك. وقال محمد عبدالله، وكيل لجنة النقل في البرلمان، إن “عملية استبدال التوك توك بسيارات آمنة ومرخصة مثل سيارات مينى فان، تخفف من معاناة ملايين المصريين الذين يضطرون إلى اللجوء إلى هذه الوسيلة غير الحضارية وغير الآمنة”. وأشار في حديث مع “العرب” إلى أن نجاح هذا التوجه مرهون بتكاتف الجميع من وزارات ومجتمع مدني وشركات خاصة وتعظيم مسؤوليتهم المجتمعية تجاه هذه التجربة. وأوضح أن قرار رئيس الحكومة جاء استجابة لنداءات نواب البرلمان، والمواطنين الذين قاموا بمبادرات لمقاطعة التوك توك بعد تزايد معدلات الجريمة والخلاص من هذا الكابوس الجاثم فوق صدور المصريين.

مشاركة :