الإسلام وفر الحماية الكاملة للمال العام

  • 9/13/2019
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

د‮. ‬علي‮ ‬جمعة‮:‬د‮. ‬يوسف إبراهيم‮:‬ تؤكد التقارير الاقتصادية والأمنية في‮ ‬العديد من البلاد العربية أن مئات المليارات من المال العام تهدر سنوياً؛ بسبب ضعف الضمير الأخلاقي‮؛ ‬وشيوع الفساد بين فئات تفتقد الحس الديني‮ ‬والوطني،‮ الأمر الذي ‬يشكل خطورة داهمة على الاقتصاد، ويقف عقبة أمام‮ ‬اتجاه الدولة نحو التطور‮.إن مكافحة الفساد تتطلب نشر الوعي‮ ‬الديني‮ ‬بحرمة المال العام إلى جانب تشديد عقوبات الانحرافات المالية،‮ ‬وإساءة استغلال السلطة،‮ ‬لتحقيق مآرب شخصية،‮ وتجاوزات الموظف العام،‮ ‬وجميع صور الجرائم الاقتصادية المستحدثة،‮ ‬وتفعيل قوانين مكافحة جرائم‮ ‬غسل الأموال‮، وهذه القضية ذات الأهمية الكبرى تطرح سؤالاً مهماً عن عطاء الإسلام في‮ ‬مواجهة كل صور الفساد الاقتصادي‮ ‬وحماية المال العام وهو ما حاولنا الإجابة عنه من خلال ‬السطور التالية‮:‬في‮ ‬البداية‮ ‬يؤكد العالم الأزهري‮ ‬د‮. ‬علي‮ ‬جمعة،‮ ‬مفتي‮ ‬مصر السابق،‮ ‬عضو هيئة كبار العلماء،‮ ‬أن الشريعة الإسلامية وفرت حماية كاملة للمال العام، وأن شيوع الفساد بين بعض فئات المجتمع‮ ‬يرجع إلى ضعف الوازع الديني‮ ‬إلى جانب قصور إجراءات الحماية وضعف العقوبات‮.. ‬ويقول‮: ‬الإسلام قرر في‮ ‬تشريعاته المتعددة وأخلاقياته وآداب المعاملات حرمة المال العام، وحذر جميع المسلمين من أن تمتد أياديهم إلى شيء منه؛ ‬بل قرر عقوبات رادعة لكل من تسول له نفسه استحلال شيء من هذا المال لنفسه أو لغيره من دون وجه حق‮.‬والأهم من التحذيرات والعقوبات التي‮ ‬لا تكفي‮ ‬وحدها لحماية المال العام ما عنيت به شريعتنا الغراء من تربية أخلاقية لكل مسلم حتى‮ ‬يجد رادعاً‮ ‬داخلياً‮ ‬يمنعه من أن‮ ‬يتلاعب به الشيطان ويدفعه إلى العدوان أو السطو على المال العام‮.‬ خط الدفاع الأول ويضيف‮: ‬حرمة المال العام في‮ ‬الإسلام واضحة في‮ ‬آدابه وتشريعاته،‮ ‬والتحذير الشديد من العدوان عليه موجود في‮ ‬العديد من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية،‮ ‬والإسلام في‮ ‬مثل هذه الأمور الخطرة التي‮ ‬يضعف فيها الإنسان أمام شهواته وأطماعه‮ ‬يلجأ إلى أسلوب التربية لأن العقوبات الرادعة هنا لا تكفي‮ ‬وحدها لردع الطامعين في‮ ‬المال العام،‮ ‬ولنا أن نتأمل واقعنا في‮ ‬العالم العربي‮؛ ‬حيث‮ ‬يتعرض بعض لصوص المال العام إلى عقوبات رادعة،‮ ‬وما زالت رغم ذلك جرائم العدوان على المال العام مستمرة‮. ‬ويوضح مفتي‮ ‬مصر السابق أن الإسلام في‮ ‬سبيل حفاظه على المال العام‮ ‬يهتم بأن‮ ‬يغرس في‮ ‬الناس حرمته، ويجرم امتداد‮ ‬يد الإنسان إلى القليل منه؛ لأن من‮ ‬يستحل القليل‮ ‬يستحل الكثير،‮ ‬وهو في‮ ‬سبيل تحقيق هذا الهدف الديني‮ ‬والأخلاقي‮ ‬يهتم بأن‮ ‬يجعل الإنسان رقيباً‮ ‬على نفسه،‮ ‬يحاسبها قبل أن تحاسب،‮ ولذلك تجد نصوص الإسلام من قرآن وسنة نبوية صحيحة تؤكد للإنسان أن الله تعالى مطلع عليه،‮ ‬وأنه معه في‮ ‬كل وقت،‮ ‬يقول سبحانه‮: «‬ما‮ ‬يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ثم‮ ‬ينبئهم بما عملوا‮ ‬يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم‮»، (المجادلة: 7) ويقول عز وجل‮: «‬وما تكون في‮ ‬شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهوداً إذ تفيضون فيه وما‮ ‬يعزب عن ربك من مثقال ذرة في‮ ‬الأرض ولا في‮ ‬السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في‮ ‬كتاب مبين‮»، (يونس: 16). ‬فالإسلام من خلال هذه النصوص وغيرها‮ ‬يجعل الإنسان رقيباً على نفسه فهو مطالب شرعاً بمراقبتها وكبح جماحها،‮ ‬فإذا تحقق له ذلك،‮ ‬فإنه لن‮ ‬يحتاج إلى رقيب من المجتمع،‮ ‬أما إذا ألقى تعاليم دينه وراء ظهره، وغفل عن مراقبة خالقه له فإنه‮ ‬يحتاج إلى كل رقيب فإذا تربى الإنسان على قيمة المحافظة على المال العام،‮ ‬ونشأ في‮ ‬تكوينه على أن المحافظة عليه عبادة من أهم العبادات،‮ ‬وأن تبديده والعبث به معصية من أكبر المعاصي،‮ ‬كان ذلك الشعور وهذا الإحساس خط الدفاع الأول عن المال العام‮. ‬أي‮ ‬أن الإسلام‮ ‬يعمد إلى تربية الفرد تربية تجعله‮ ‬يقظ الضمير،‮ ‬مراقباً لربه في‮ ‬كل سلوكاته،‮ ‬ثم‮ ‬يقيمه بعد ذلك حارساً على تعاليم الشريعة في‮ ‬كل مجال،‮ ‬ومنها مجال المال العام‮.‬ رقابة ذاتية أستاذ الاقتصاد الإسلامي‮ ‬بجامعة الأزهر،‮ ‬د‮. ‬يوسف إبراهيم،‮ ‬يرى أن التسلح بتعاليم الإسلام وآدابه وأخلاقياته في‮ ‬التعامل مع المال العام يوفر له أفضل حماية،‮ ‬ويقول‮: ‬الإسلام‮ ‬غرس في‮ ‬نفوس المسلمين قيمة المحافظة على المال العام، وهناك وسائل كثيرة ومتنوعة تحقق هذا الهدف الكبير حتى إنه جعل العبادات المختلفة وسائل لتربيتهم أخلاقياً،‮ ‬وتهذيب ضمائرهم،‮ ‬وربطهم بربهم آناء الليل وأطراف النهار،‮ ‬وجعل من سلوك الفرد في‮ ‬حياته مع الناس عنواناً على صحة أدائه لهذه العبادات،‮ ‬ورسول الله صلى الله عليه وسلم‮ ‬يقول في‮ ‬الحديث الصحيح‮: «‬من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم‮ ‬يزدد من الله إلا بعدا‮ً»‬،‮ ‬فالهدف من العبادات الإسلامية تزكية النفوس،‮ ‬وتقوية مراقبتها لله تعالى،‮ ‬ومن ثم امتثالها لأوامره في‮ ‬حماية المال العام‮.‬ خلق الأمانة وإلى جانب عطاء العبادات الإسلامية‮ ‬يأتي‮ ‬العطاء الأخلاقي‮ ‬للإسلام؛ حيث‮ ‬يغرس خلق الأمانة في‮ ‬نفوس الناس بشتى الطرق،‮ ‬تارة بالترغيب في‮ ‬هذه الفضيلة،‮ ‬وأخرى بنفي‮ ‬الإسلام والإيمان عمن لم‮ ‬يحرص عليها،‮ ‬فنجد الأمانة قاسماً‮ ‬مشتركاً‮ ‬في‮ ‬صفات المؤمنين في‮ ‬معظم المواضع التي‮ ‬ذكرت فيها هذه الصفة في‮ ‬القرآن الكريم،‮ ‬فالصفة الخامسة للمؤمنين في‮ ‬سورة‮ (‬المؤمنون‮) ‬والصفة السادسة لهم في‮ ‬سورة‮ (‬المعارج‮) ‬تقول‮: «‬والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون‮»‬،‮ ‬كما أن عدم وجود صفة الأمانة‮ ‬ينفي‮ ‬عن الشخص الإيمان،‮ ‬يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم‮: «‬لا دين لمن لا أمانة له‮» ‬ويجعله في‮ ‬عداد المنافقين فيقول‮: «‬آية المنافق ثلاث‮: ‬إذا حدث كذب،‮ ‬وإذا وعد أخلف،‮ ‬وإذا أؤتمن خان‮»‬،‮ ‬والمسلم الحق‮ ‬يحرص أشد الحرص على اكتساب وصف الإيمان،‮ ‬والتخلص من النفاق‮.‬كما‮ ‬يحارب الإسلام جريمة الخيانة بشتى الصور؛ ‬حيث‮ ‬يقول الحق سبحانه‮: «‬إن الله لا‮ ‬يحب الخائنين‮»، (الأنفال: 85) ‬ويقول عز وجل‮: «‬يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون‮»‬،‮ (الأنفال: 72) ‬وقد توعد الحق سبحانه من‮ ‬يخون ويختلس شيئاً من المال العام بالعذاب الأليم فقال عز وجل‮: «‬ومن‮ ‬يغلل‮ ‬يأت بما‮ ‬غل‮ ‬يوم القيامة‮»‬،‮ (آل عمران: 161) ‬ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم‮: «‬ومن استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطا فما فوقه كان‮ ‬غلولا‮ ‬يأتي‮ ‬به‮ ‬يوم القيامة‮».‬ ‮‬واجب كل أسرة وينتهي‮ ‬أستاذ الاقتصاد الإسلامي‮ ‬بالأزهر إلى تأكيد أن التربية الإسلامية الصحيحة توفر الحماية للمال العام،‮ ‬ويقول‮: ‬علينا أن نربي أبناءنا تربية تجعلهم ذاكرين لربهم مراقبين له،‮ ‬وتجعل الأمانة صفة ملازمة للإيمان،‮ ‬والخيانة صفة مناقضة له،‮ ‬وعلينا أن ندرك أن الله عز وجل قد توعد من‮ ‬يختلس شيئاً من المال العام بالعذاب الشديد‮ ‬يوم القيامة؛ ‬حيث‮ ‬يقول سبحانه‮: «‬يوم لا‮ ‬ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم‮» (الشعراء: 88-98).ويقول‮: ‬نقل هذه المعاني‮ ‬الإسلامية إلى الناس، وغرسها في‮ ‬نفوسهم‮ ‬يحتاج إلى تربية، وهذا واجب الأسرة أولاً،‮ ‬وعلى المؤسسات التعليمية،‮ ‬والمؤسسات التثقيفية واجب كبير في‮ ‬ذلك،‮ ‬وأهم من ذلك القدوة التي‮ ‬يقدمها المسؤول في‮ ‬كل موقع من المواقع التي‮ ‬يتعامل فيها مع المال العام،‮ ‬وهو‮ ‬المجتمع كله بكل ساحاته‮. ‬وهنا علينا جميعاً أن نتذكر موقف سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع المسلمين الذين أرسلوا إليه بالمال العام الذي‮ ‬لم‮ ‬ير مثيلاً له عقب معركة القادسية، فقال‮: ‬إن قوماً أدوا هذا لذوو أمانة‮.. ‬فقال له سيدنا علي‮ ‬كرم الله وجهه‮: ‬عففت فعفوا،‮ ‬ولو رتعت لرتعوا‮. ‬فالقدوة التي‮ ‬يقدمها الحكام والمتصرفون في‮ ‬المال العام هي‮ ‬خير قناة تنتقل فيها قيم المحافظة على المال العام،‮ ‬والحرص على استخدامه في ما خصص له‮.‬

مشاركة :