د. سعاد صالح تتضمن كتب الفقه أبواباً مهمة تحمل أحكاماً شرعية ينبغي أن يدركها كل مسلم لكي يعيش مع زوجته وداخل أسرته وفق ما حددت له شريعته ليتجنب كل ما هو حرام ولتكون حياته الزوجية والأسرية على هدي الإسلام. ومن المصطلحات الشائعة في كتب الفقه وعلى ألسنة الفقهاء ورجال الفتوى مصطلح «الظهار»، فماذا يعني هذا المصطلح في منظور الشريعة الإسلامية؟ وما الأحكام الشرعية المتعلقة به؟الفقيهة الأزهرية د. سعاد صالح - أستاذة الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر - تقول: هذه المصطلحات تتعلق بأمور فقهية، من المهم أن يعلمها كل مسلم، لأن الجهل بها قد يترتب عليه ارتكاب محرم، أو فعل محظور. حكم الظهار والظهار في منظور الشرع هو: «تشبيه الرجل زوجته بأمه في الحرمة بأن يقول الزوج لزوجته أنت عليّ كظهر أمي»، وقد تضمن القرآن الكريم أربع آيات تروي لنا سبب نزول حكم الظهار وكفارته، حيث يقول الحق سبحانه: «قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير»، (المجادلة:1).وسبب نزول الآية كما يقول المفسرون أن خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها حدث بينها وبين زوجها نزاع، فقال لها: «أنت عليّ كظهر أمي»، ثم أراد أن يجامعها فامتنعت، وكان هذا التعبير طلاقاً إذا قاله الرجل لزوجته، فذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقصّت عليه ما حدث بينها وبين زوجها. فقال لها: «يا خولة لم ينزل في شأنك شيء، وما أراك إلا طالقاً». فأخذت تجادل النبي صلى الله عليه وسلم - وتقول له: إن زوجي لم يتلفظ بالطلاق، ثم رفعت يديها إلى السماء وأخذت تدعو الله وتقول: «اللهم إنك تعلم أن زوجي شيخ كبير، وأنا امرأة عجوز ولا غنى له عني ولا غنى لي عنه، وأن لي منه أولاداً إن تركتهم عنده ضاعوا، وإن أخذتهم معي جاعوا، اللهم فرج كربتي واحلل عقدتي»، فانزل الله - سبحانه وتعالى - هذه الآية ثم أتبعها بالآية الثانية: «الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكراً من القول وزوراً وإن الله لعفو غفور». ثم بين سبحانه كفارة الظهار فقال: «والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير».أي: والذين يحرمون نساءهم على أنفسهم عن طريق الظهار، بأن يقول الزوج لزوجته: أنت عليّ كظهر أمي، ثم يرجعون عن قولهم ويعزمون على جماع زوجاتهم فعلى الزوج في هذه الحالة قبل أن يجامع زوجته أن يعتق رقبة مؤمنة قبل أن يجامع زوجته التي ظاهر منها، ثم بين سبحانه حكم من لم يستطع عتق رقبة، فقال: «فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً...».أي: فمن لم يجد رقبة يعتقها فالواجب عليه أن يصوم شهرين متواليين من قبل أن يجامع زوجته، فمن لم يستطع صيام الشهرين لعذر شرعي فعليه أن يطعم ستين مسكيناً بما يشبعهم في الغداء والعشاء. شروط وضوابط والظهار لا يكون ولا يعتبر - كما تقول د. سعاد صالح - إلا إذا صدر من المسلم العاقل البالغ، لأنه محل التكليف، وصيغته الشرعية الواضحة هي: «أنت عليّ كظهر أمي»، أو ما يشبهها، وقد تكون عبارة الظهار غير صريحة، بمعنى أنها تحتمل الظهار وغيره، مثل قول الرجل لزوجته: «أنت عليّ حرام»، فهذا اللفظ إن قصد به الظهار من امرأته كان ظهاراً، وإن قصد به الطلاق كان طلاقاً، لأن هذا اللفظ من كنايات الطلاق، وإن قصد به اليمين كان يميناً، فإن حنث فيه كان عليه كفارة يمين بأن يطعم عشرة مساكين أو يكسوهم، فإن لم يستطع فعليه أن يصوم ثلاثة أيام، ومن الأفضل أن تكون متتابعات، وأن يستغفر الله مما وقع فيه من خطأ.ويترتب على الظهار - كما توضح أستاذة الشريعة الإسلامية بالأزهر - عدة أمور منها حرمة مباشرة الزوج زوجته، إلا بعد أن يكفر عن يمينه، كما يحرم على زوجته أن توافقه على ما يريد منها من جماع أو ما يشبههه.وهل يجوز للمرأة أن تظاهر زوجها بأن تحرمه على نفسها كما يباح له أن يفعل؟تقول د. سعاد صالح: ليس للنساء ظهار، لأن الله تعالى يقول: «الذين يظاهرون منكم من نسائهم»، فالخطاب هنا للرجال، فلو ظاهرت امرأة من زوجها لم يلزمها شيء، ويرى البعض أن عليها كفارة يمين، وقولها هذا لا يمنع زوجها من معاشرتها.وينبغي أن يدرك كل الرجال أن الظهار من الأقوال المحرمة، رغم ترتب الأحكام السابقة عليه، والله - سبحانه وتعالى - وصفه بأنه منكر من القول، وبأنه كلام زور، والكلام أو الفعل الذي يوصف بذلك واجب المسلم أن يتجنبه، وعلى الجميع أن يتذكر قول الحق سبحانه: «الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكراً من القول وزوراً وإن الله لعفو غفور».
مشاركة :