د. عارف الشيخ النسيان وارد لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، لكن النسيان في بعض المواقف يجعلك تتحمل وزر غيرك إذا لم تصحح الخطأ في حينه.ومن تلك المواقف ما أخبرني به أحدهم أنه تقدم ذات مرة ليصلي بجماعة في البر إماماً، وفي الركعة الثانية تذكر فجأة أنه على غير طهارة، فارتبك ولم يدر ماذا يفعل، هل يستمر أو يخرج؟قرر بعد ذاك التردد أن يكمل الصلاة لأنه ما أراد أن يحرج نفسه أمام جماعته، فاستمر إماماً حتى الانتهاء من الصلاة ولم يعلم المأمومون عنه شيئاً.أقول: إن الإنسان يتعرض لمثل هذا الموقف، لكن العبادة لا يستهان بها لأنها وقوف مع الله، والله تعالى كما ورد في الحديث لا يقبل صلاة بغير طهور، وفي حديث آخر: «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ».نعم... هو أحد اثنين: إما أن يدخل الصلاة إماماً أو مأموماً وهو يعلم أنه محدث، فصلاته باطلة من البداية، وإما أن يدخل الصلاة وهو لا يعلم، فمتى علم، حرُم عليه الاستمرار، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه».وقد حدث للرسول عليه الصلاة والسلام أنه قام يوماً في صلاة الفجر ليصلي، فتذكر أنه على جنابة، فقال لهم: «مكانكم»، ثم ذهب وجاء وقد اغتسل. (رواه البخاري)وفي رواية أخرى أنه دخل في صلاة الفجر وهو على غير طهارة فصلى بهم ولما قال: «إني كنت جنباً فنسيت»، فقال: «مكانكم» وذهب ورجع ورأسه يقطر ماء.وكلتا الروايتين تفيد أن الصلاة لا تصح من غير طهارة، وإذا علم لا يصح له أن يستمر لا إماماً ولا مأموماً.وقد سئل الشيخ عبد العزير بن باز عن إمام لم يكن على وضوء عندما صلى ولكنه لم يعلم بذلك إلا بعد الركعة الثانية من الصلاة ولكنه أتم الصلاة، وبعدها ذهب وتوضأ، فما حكم صلاته وصلاة المأمومين؟فأجاب الشيخ: إذا تذكر الإمام في أثناء الصلاة بأنه على غير وضوء حرم عليه الاستمرار في الصلاة.وإذا استمر ولم يعلم المأمومون حتى انتهوا من الصلاة فإن صلاة المأمومين صحيحة على رأي الجمهور، وصلاته هو باطلة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «يصلّون لكم فإن أحسنوا فلكم ولهم، وإن أساؤوا فلكم وعليهم». (رواه البخاري)أما إذا علم المأمومون في أثناء الصلاة بأن الإمام على غير طهارة فلا يجوز لهم متابعة الإمام إذا استمر، وصلاة الكل باطلة.أقول: ورأي الجمهور أن الإمام إذا بدأ صلاته على طهارة، ثم انتقض وضوؤه في أثناء الصلاة فإن صلاته تفسد وصلاة المأمومين صحيحة عند جمهور الفقهاء.وعند بعض الحنابلة يستخلفون من يتم بهم الصلاة، أو يتمون لأنفسهم منفردين.ونقرأ في كتب الأحناف كما ورد في كتاب «اللباب في الجمع بين السنة والكتاب» للمنبجي: إمام صلى بقوم وهو على غير وضوء، قال: يعيدون جميعاً، والصحيح في الأثر والنظر ارتباط صلاة المأموم بصلاة الإمام، فإن الإمام جعل ليُؤتم به ويُقتدى بأفعاله، قال تعالى: «إني جاعلك للناس إماماً»، أي يأتمون بك وهذه حقيقة الإمام لغة وشرعاً، فمن خالف إمامه لم يكن متّبعاً له.
مشاركة :