يعيش حزب العدالة والتنمية في المغرب على وقع سجال يشق صفوفه وذلك على خلفية عدم وضوح تصوراته بشأن ملف الحريات الفردية في المغرب والذي أثارته قضية الصحافية هاجر الريسوني المعتقلة بتهمتي الإجهاض وبربط علاقة خارج إطار الزواج. ودعت البرلمانية عن حزب العدالة والتنمية، أمينة ماء العينين، أعضاء حزبها، إلى التحلي بالشجاعة من أجل مراجعة موقفهم من القوانين التي تمس الحريات الفردية. ورفض الكثير من أعضاء حزب العدالة والتنمية الخوض في الموضوع، معتبرين أنه لا يحتاج إلى كل هذه الزوبعة، فيما اعتبر البعض من حركة التوحيد والإصلاح الذراع الدعوية للعدالة والتنمية أن البرلمانية ماء العينين غير مؤهلة للحديث في الموضوع. وانطلقت ماء العينين من قضية هاجر الريسوني، لإحياء نقاش عام حول العديد من مقتضيات القانون الجنائي المغربي، التي تعتبر مدخلا لانتهاك الحياة الخاصة للأفراد والتضييق على حرياتهم. واعتبر القيادي بالعدالة والتنمية سليمان العمراني، أن مطالبة البرلمانية حزبها بمراجعة مواقفه من الحريات لم يطرح في الحزب، وليس كل ما كتب هو مطروح للنقاش داخل العدالة والتنمية. وقال إدريس الكنبوري الباحث في الفكر الإسلامي، في تصريح لـ”العرب”، إن قضية الحريات الفردية من القضايا الصعبة التي لا تزال مطروحة على التيار الإسلامي ليس في المغرب فحسب بل في العالم العربي كله وحتى في أوروبا. وأكد عدد من قياديي العدالة والتنمية أن موضوع الحريات الفردية غير مطروح للنقاش داخل هياكل الحزب، لكن أمينة ماء العينين رفضت التقسيم التقليدي بين تيار يطالب بإلغاء القوانين التي تهدد الحقوق والحريات، وتيار آخر يرفض الاقتراب من هذه القوانين، باعتبار أن مرجعيته إسلامية. حزب العدالة والتنمية يرفض الخوض في ملف الحريات، معتبرا أن قضية هاجر الريسوني لا تحتاج إلى كل ما حصل من زوبعة وعلق إدريس الكنبوري، قائلا “هناك إسلاميون أصبحوا ينظرون إلى الموقف التقليدي من الحريات الفردية بوصفه عبئا عليهم يجعلهم يعيشون مفارقة بين سلوكهم الخاص والموقف العام للمدرسة الإخوانية”. ودخل المجلس الوطني لحقوق الإنسان على الخط بتأكيده أنه يتابع باهتمام النقاش حول مسألة الإجهاض الطوعي وأنه ينوي قريبا تقديم توصيات لتنقيح القانون الجزائي. وسبق لوزارة العدل أن طرحت مسودة لتعديل القانون الجزائي في عام 2015 في عهد وزيرها السابق مصطفى الرميد المنتمي إلى حزب العدالة والتنمية، لكن الأخير لم يستطع تمرير هذا القانون بسبب الانقسامات التي حصلت بسبب ملفات الحريات الفردية بما في ذلك العلاقات الجنسية. وكان أحمد الريسوني القيادي بحركة التوحيد والإصلاح، والذي يشغل منصب رئيس للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، قد أكد أن المجتمعات التي فتحت الأبواب للعلاقات الجنسية اللامسؤولة كلها تعاني، مضيفا أن الدفاع عن حرية الجسد هو “دفاع عن شهوة فردية لمن لها مشكلة مع الحمل غير المرغوب فيه”. وطالبت ماء العينين حزبها بفتح نقاش داخلي هادئ ومؤطر، بعيدا عن الرمي بالاتهامات، من قبيل تناقض الحريات مع الشريعة الإسلامية أو التشجيع على إشاعة الانحلال في المجتمع أو الابتعاد عن مرجعية الحزب. وترى نزهة الصقلي، البرلمانية والوزيرة السابقة عن حزب التقدم والاشتراكية حليف العدالة والتنمية، أن التنقيحات القانونية يجب أن تكون مبنية على أساس ضبط العلاقات داخل المجتمع لا على أساس القمع الجنسي. وصرح مصطفى الرميد، الوزير المكلف بحقوق الإنسان، عندما كان وزيرا للعدل، بأنه سيستقيل إن تم إلغاء تجريم العلاقات الجنسية الرضائية في المغرب. ويقول الكنبوري، “هناك تناقض عند الإسلاميين، فهم يرفضون الحريات الفردية لكن يدافعون عن أصحابها إذا كانوا منهم”.
مشاركة :