رغم أن عملية الولادة مؤلمة ومتعبة للمرأة، إلا أنها أصبحت عذرا للتزيّن، حيث تتزين النساء حول العالم بالماكياج قبل الولادة رغم آلامهن، وذلك ضمن اتجاه جديد انتشر في الفترة الأخيرة، والحديث هنا لا ينطبق على مجرد لمسة خفيفة من الماسكارا أو بعض الكريمات المغذية أو المخفية للعيوب، بل تتألق الأمهات بتزيين وجهوهن بالكامل، كما لو كن يحضرن أنفسهن لنشر صورهن على إنستغرام مثلا. وقد يبدو هذا التوجه غريبا بالنسبة للبعض، فمن الذي يفكر في الاستعداد للكاميرا خلال هذا الوقت الحساس الذي يبعث على التوتر؟ وفي هذا السياق أظهرت دراسة نظمتها شركة “كوزميتيفاي” البريطانية خضوع 64 بالمئة من النساء اللاتي تتراوح أعمارهن بين 18 و31 سنة لعلاجات تجميلية قبل المخاض، بما في ذلك إزالة الشعر (65 بالمئة)، جلسة لوضع طلاء أظافر اليدين (57 بالمئة) أو طلاء أظافر القدمين (43 بالمئة) أو جلسة لتسمير البشرة (37 بالمئة) أو تصفيف الشعر وقصه (32 بالمئة). في حين يعتبر التألق قبل المناسبات المهمة أمرا مألوفا، تفعل النساء ذلك قبل الولادة لأسباب مختلفة تماما. وسئلت النساء اللاتي شملتهن الدراسة عن سبب قلقهن الشديد بشأن مظهرهن بعد الولادة، ومن بين الأسباب الرئيسية التي ذكرت، عبرت بعض النساء عن رغبتهن في الظهور متألقات في الصور (31 بالمئة)، وأرادت بعضهن أن يكن مستعدات لاستقبال الزوار الذين سيرغبون في تهنئتهن مباشرة بعد الولادة (26 بالمئة)، ورغبت أخريات في تجنب مظهر قد يدل على مرضهن أو تعبهن (22 بالمئة). ويرى البعض أن وضع المكياج يشتت انتباه المرأة، مما يجعلها أكثر تحملا لآلام المخاض. كما كشفت دراسة أخرى أن متوسط مدة وضع الماكياج لا يتجاوز ساعتين ونصف الساعة من الولادة. ومن المواقف التي انتشرت لغرابتها، تذكر حالة لي آن جاريل التي تداولها العديد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في سنة 2018، حيث “رفضت” أن تلد قبل الانتهاء من وضع ماكياجها كاملا. 64 بالمئة من النساء اللاتي أعمارهن بين 18 و31 سنة يضعن المكياج قبل المخاض وفي حين اعتبرت بعض النساء وضع الماكياج قبل الولادة وسيلة لإبعاد تركيزهن عن آلام تقلصات الرحم الطبيعية، اختارت أخريات وضعه بعد الولادة لالتقاط صورهن من أجل نشرها على إنستغرام. واشتهرت الفنانة المختصة في فن الماكياج في نيويورك، ألاها كريمي، بعد أن نشرت صورها وهي تضع الماكياج قبل الولادة في سنة 2016. ووفقا لمقابلتها في وقت لاحق مع قناة “آي.بي.سي نيوز”، قالت إن العملية مثلت محاولة لتشتيت انتباهها عن ألم تقلصات رحمها. وأضافت “ذهبت إلى المستشفى في الساعة 7:30 صباحا، واستمر المخاض لـ10 ساعات في ذلك اليوم. تم تخديري موضعيا في حوالي الساعة 8:30 أو 9:00 صباحا، ثم بدأ تأثير المخدر يتلاشى، فأصبحت في حاجة إلى فعل أي شيء لأبعد تركيزي عن الألم”. وتشتهر ألاها بتصميمات ماكياجها الخاصة بحفلات الزفاف. ومزحت قائلة إن دموع الزفاف لم تفسد الإطلالات مما جعلها على يقين بأن دموع المخاض لن تنجح في ذلك أيضا. ولفت مختصون إلى أن وضع الماكياج أثناء المخاض يمثل أحدث اتجاه في الولادة، حيث تستلقي النساء على أسرّتهن في المستشفى حيث يضعن طبقات من الماكياج على وجوههن بين آلام التقلصات وخلالها. وأشاروا إلى أن بعض النساء يردن أن يشعرن بالرضا عن مظهرهن خلال هذه المناسبة العائلية المهمة، في حين يرغب البعض الآخر في الترويج لمنتج وكسب الأموال لأن السوق لا يتوقف أبدا مما جرّد المجتمع من جميع مفاهيم الراحة والخصوصية. وبغض النظر عن أسبابه، أصبح هذا الاتجاه شائعا بين الأمهات في كل مكان، وكتبت ألاها “لم أقم بذلك لأتأكد من أنني سأبدو جميلة عند التقاط الصور، كنت أشعر بألم شديد وفي حاجة إلى أي شيء يشتت انتباهي وينسيني الآلام التي كنت أعاني منها!”. وتابعت “هذا أمر منطقي، وآمل ألا تشعر النساء بضغط يفرض عليهن التزين عند الولادة. أنت بالفعل بطلة لمرورك بآلام الولادة. ومن الطبيعي أن تشعري بكل أنواع الضغط والإرهاق خلال هذه العملية. إذا كنت على وشك الولادة، فضعي ماكياجك إذا كنت ترغبين في ذلك، ولا تجبري نفسك على شيء لا تريدينه. أنت على وشك الولادة، وهي عملية تتطلب قوة لا تصدق. مظهرك لا يهم. أنت بطلة مهما كانت هيئتك”. ولا تتمكن كل النساء من وضع الماكياج بأنفسهن قبل الولادة، وقالت فنانة الماكياج الأسترالية تيغان وودفورد “تلقيت مكالمة هاتفية من أخت زوجي في الساعة الثانية صباحا حيث أخبرتني بأنها ستلد، فتوجهت إليها مباشرة حتى أساعدها على تزيين وجهها”. وإذا كنت لا ترغبين في وضع ماكياجك أثناء المخاض، لكنك ترغبين في التزين لأول صور تلتقطينها مع رضيعك، فلا تقلقي. يوفر بعض فناني الماكياج ومصففي الشعر خدماتهم ليساعدوك بعد الولادة. وقالت إحدى النساء المقبلات على الولادة معارضة هذا التوجه “لن أضع المكياج قبل الولادة أو خلالها أو بعدها. في الواقع، أعتقد أنني سأحاول أن أبدو بشعة خلال التقاط الصور. وبعد سنوات، عندما أجلس مع طفلي وهو يتصفح الصور التي التقطت يوم ولادته، سأشير إلى وجهي القبيح وسأقول ‘انظر إلى هذا. هذا ما فعلته بي. أنت مدين لي إلى الأبد”. وشدد مختصون على ضرورة أن تعلم النساء أطباءهن بما يردن فعله حتى يتأكدن من سلامة المنتج وعدم تأثيره على سلاسة عملية الولادة، حيث أصرت المدونة الأميركية براينا لينش على وضع مكياجها بينما كان جهاز قيس ضغط الدم يقيّد حركاتها، وتطلب نجاح العملية موهبة حقيقية أثبتت أنها تملكها. وقالت فنانة الماكياج ماري إيروين “ستكون العناصر الـ3 الأولى المدرجة على لائحة المكونات الأكثر نشاطا. وكلّما كانت القائمة أصغر، كلما تقلص احتمال تعرضك للحساسية أو أي رد فعل آخر“. كما قالت الدكتورة شيلبي أغاروال، من واشنطن “أثناء الحمل، غالبا ما يتغير الجلد بسرعة أكبر، مما يزيد من تجمّع الجلد الميت ويتطلب المزيد من كريم الأساس”. كما بدأ هذا التوجه ينتشر في بعض البلدان العربية، مما جعل بعض الأطباء يشترطون على السيدات اللاتي يتابعون معهن حملهن، عدم وضع أي نوع من أنواع الماكياج قبل الدخول إلى غرفة العمليات. وأكدت تقارير إلكترونية أن الدكتور خالد أمين، أخصائي نساء وتوليد في مصر، اتخذ هذا القرار ويطبقه في عيادته. وصرح أمين قائلا “أنا أشترط على المرأة المقبلة على الولادة أن تأتي بحالتها الطبيعية، السيدات دائما يأتين في أحسن صورة، إلا أن ذلك لا فائدة ترجى منه داخل غرفة العمليات، وبالعكس يمكن أن يسبب ذلك ضررا لها ويزيف حالتها الصحية الحقيقية”. وأوضح قائلا “عند وضع المرأة الحامل على الأجهزة الطبية، فإن لون الوجه الطبيعى يعطي مؤشرات عن حالتها الصحية، ووضع الماكياج قد يحجب عنا رؤية المريضة في صورتها الطبيعية، نحن نريد طوال الوقت التأكد من أن الدم يصل إلى المرأة بشكل جيد، وهذا لن يظهر جليا إذا كانت تضع أحمر شفاه يغطي لون الشفاه الأصلي، الذي من الممكن أن يكون أبيض أو باهتا أو وصل إلى اللون الأزرق”. كما بين أن تغطية الوجه بالماكياج يحجب رؤية مستوى الأكسجين في الدم، مشيرا إلى أن “المرأة في ساعة الولادة والألم عيناها تدمعان، فلا فائدة من الرموش والأقلام التي تستخدم داخل العيون، والتي لا يمكن أن توضح ما إذا كان هناك إصفرار داخل العين”. ووفقا للخبراء، تعدّ جل منتجات الماكياج آمنة للاستخدام أثناء الحمل، لكن يجب تجنب المنتجات التي تحتوي على الريتينويدات أو حمض الساليسيليك.
مشاركة :