المحتوى الإسلامي في الترجمات الإنجليزية الكلاسيكية لحكايات ألف ليلة وليلة

  • 9/14/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تعدّ حكايات ألف ليلة وليلة من أشهر المدونات الأدبية العربية القديمة التي لاقت حظوة كبيرة من الدراسة، والترجمة والانتشار خارج المحيط البيئي الشرقي الذي انبثقت منه. فلم تحظ هذه المدونة في المجتمع الشرقيّ بالعناية ذاتها التي حظيت بها على أيديّ المستشرقين الغربيين، والذين كان لهم دور بارز في تلقي المخطوطات الأصلية للحكايات والاستمرار في التنقيب عنها، ومن ثم ترجمتها إلى اللغات الغربية وتمكين المتلقي الغربي، والعربي أيضا، من الاطلاع عليها والاستمتاع بمحتواها الفنيّ، والعجائبي والمتخيّل، وتشكيل رؤية خاصة عن المجتمع الشرقي الذي تدور حوله الحكايات. ففي الوقت الذي وُهبت فيه الليالي العربية حياة أخرى لتعيش وتنتعش في الغرب، كان العرب مختلفين حول أهميتها وقيمتها الأدبية؛ فمنهم من وصفها بالانحطاط حين وضعها في ميزان المحاكمة مع الإنتاج العربي السردي القديم (1) فصرّح بأنها لا ترتقي إلى المستوى الرفيع الذي وصلت إليه كثير من الأعمال الأدبية العربية الأخرى مثل رسالة الغفران للمعريّ وقصّة حيّ بن يقظان لابن الطفيل وغيرهما من الأعمال الكلاسيكية العربية المميزة التي استحقت عناية الباحثين العرب ودراستهم. وعلى الرغم من تدني مستوى القيمة اللغوية والأخلاقية في حكايات ألف ليلة وليلة، فإنه جدير بالعرب ألّا يتجاهلوا، على الأقل، أهمية النظر إلى الأسباب الحقيقية وراء اهتمام الغرب بها ومدى تأثيرها الإيجابي على إنتاجهم الفني والأدبي بشكل خاص. فليست لغة الحكايات ولا مستواها الأخلاقي هما الدافعان الرئيسيان لاهتمام الغرب بالحكايات، وإنما المحتوى الديني، والإجتماعي والعجائبي والمتخيّل التي تضمّنته. أضف إلى ذلك الحبكة الفنيّة المتفردة التي بدت ملهمة وبديعية من أول سطر من سطورها؛ إذا تبدو وكأنها قصّة مجتمع قصيّ ذو قيم دينية واجتماعية محددة، يعيش النضال من أجل الحياة وتجسيد قناعاته ومواجهة معتقداته وميوله والتصدي لكل من يحيد عنها أو يتجاوزها. ينبغي إعادة قراءة الليالي العربية المترجمة للنظر في الأسباب التاريخية التي بعثت المستشرقين الغربيين للاهتمام بها وترجمتها إلى عدّة لغات، حيث إن الترجمات الإنجليزية وحدها قد تجاوزت الإثني عشرة ترجمة وما زال إصدار ترجمات ودراسات إنجليزية حول هذه المدونة مستمرا حتى اليوم. فأقدم ترجمة إنجليزية للحكايات، من النسخة العربية، قد صدرت عام 1838م بواسطة المستشرق البريطاني إدوارد وليام لين (1801-1876 (Edward William Lane وكانت نسخة غير مكتملة وصدرت عبر مراحل زمنية متفاوتة. أما أحدث ترجمة إنجليزية للحكايات فقد صدرت عام 2010م بواسطة المترجم لوينز مالكوليم ( Malcolm C. Lyons). وفي أشهر وأقدم ترجمتين إنجليزيتين للحكايات العربية وهما ترجمتا: المستشرق ادوارد ويلم لين، والمستشرق ريتشارد بورتن Richard F. Burton 1886-1890)) تجلى بوضوح سبب مهم من أسباب الاهتمام بترجمة حكايات ألف ليلة وليلة متمثلا في المضمون الإسلامي الذي تحتويه؛ فهذا المحتوى - وبرأي كثير من المستشرقين- يعدّ أحد الأسباب التي حفّزتهم إلى ترجمة الحكايات العربية؛ فمنهم من أشار في مقدمة ترجمته بأن القارئ الغربي، بقراءته لهذا العمل المترجم، سيتعرّف على دين الإسلام وأتباعه. يقول ريتشارد بورتن في مقدمة ترجمته: «هذا العمل الذي أترجمه من العربية إلى الإنجليزية سيساعد الطلاب على أن يتعلموا عادات المسلمين ودينهم وأسلوبهم في الحياة بشكل أكثر من أي عمل آخر» (2). ومن خلال النظر في المحتوى الإسلامي في حكايات ألف ليلة وليلة التي تُرجمت بواسطة كل من إدوارد لين وريتشارد بورتن، وفي تعليقاتهما التي أُرفقت في العمل المترجم، تبيّن أن المحتوى الإسلامي في الليالي العربية في هذه الترجمتين قد تمّ محاولة اسناده إلى مصادر إسلامية رئيسة، وهما القرأن الكريم والسنة النبويّة، ولكنّ حضورهما في سياق الحكايات قد اعتمد على طبيعة المتلقي العاميّ للنصّ الديني الذي لا يحلل النصّ الديني ولا يفهمه إلا في سياق ضيّق جدا كالذي ساد منه بين عامة النّاس على أنه من تعاليم الدين وعادات ومعتقدات المجتمع الذي يعيشون فيه. وقد تبيّن أيضا أن استحضار السياق الديني في الحكايات جاء غالبا لخدمة السياق العام للحكاية وفي نسج الحبكة الفنيّة التي تتخذ من السياق الديني أو المعتقد الديني العام والشائع بشكل أدق وسيلة لإظهار خضوع البطل لموقف ما أو تلمّسه للعون والرحمة من خلال استحضار نصّ أخر أو حكاية أخرى مسلّم بها كقصص النبي سليمان عليه السلام وقصّة قوم عاد وثمود في القرآن الكريم واستلهام ما فيها من عبرة وحكمة في نسق حكائي محكم البنية. المحتوى الإسلامي في حكايات ألف ليلة وليلة هو محتوى يعكس بالأساس طبيعة تلقي الفرد المسلم العاميّ للمحتوى الديني الذي نصّ عليه الكتاب والسنة. وهذا الفرد (بطل الحكاية) ليس بالعالم الذي يضع النصوص موضعها ويفهمها فهمًا جيّدا كما ينبغي، لذا نجد أن المترجم في الغالب كان يكتب ملاحظاته عن ذلك المحتوى ويدرج تفسيرا وتعريفا مفصّلا عن كثير من المصطلحات والتعاليم الإسلامية الواردة في سياق النصّ الحكائي ليربط ذلك الحدث الحكائي بالنص الإسلامي. فضلا عن أن تلك التفسيرات والتوضيحات -في بعضها- لا تهتم بذكر المرجع الرئيس الذي استند عليه المترجم في توضيحه وشرحه. يلاحظ أيضا في شروحات الترجمتين خلوهما من أي تعليق أو رأي يسند للإسلام عن المحرمات التي يمارسها أبطال الحكاية والتي حُرمت نصّا في القرآن الكريم، كمزاولة شرب الخمر والزنا والكلام الفاحش مثلما اهتموا بشرح الاعتقادات والممارسات والتعاليم الإسلامية المشروعة والتي تمت ممارستها أو الإشارة إليها في المتن الحكائي. ولا شك أن في ذلك تناقض كبير لا يظهر حقيقة الدين الإسلامي ولا يجعل من الحكايات مصدرا أو وثيقة جيّدة ودقيقة يمكن الاستناد عليها في فهم الإسلام على حقيقته حسب الغاية المنشودة من ترجمة مثل هذا العمل. من الأمور الأخرى المهمة في هذا السياق ضرورة كشف ودراسة المرجعيّة المعرفية عن الإسلام لدى المترجمين. فمن المعلوم أن ادوارد وليام لين قد صدرت له ترجمات للقرآن الكريم، وله أيضا معجم خاص بالمفردات العربية ومعانيها. كما أن ريتشارد بورتن أيضا قد كان له اهتمام بالعربية ودراساتها والاطلاع على تراثها. وهذا يدل على اتّساع معرفتهما بالعربية ودراستهما لها. ولكن هذا لا يعدّ-برأيي- دليلا كافيا على سعة ودقّة فهمهما للنصوص الدينية، خاصة القرآن الكريم. فالنص الديني يحمل في سياقه تعليمات خاصة جاءت وفقا لمناسبة محددة قد اقتضت ذلك. لذا فإن مثل هذا الموضوع ينبغى أن يحضى بدراسة عربية جادّة وموسّعة، ولربما احتاج لجهود مؤسسيّة لدراسته دراسة تفصيلية تهتم بإعادة النظر في المحتوى الديني الإسلامي في الترجمات الإنجليزية لحكايات ألف ليلة وليلة خاصة تلك التي كانت غايتها من الترجمة غاية تعليمية وتثقيفية. ... ... ... 1 جمع الدكتور سامح كريم الخلافات التي حدثت حول جدوى إعادة ونشر طباعة الليالي العربية وآراء النقاد العرب القدامى والمعاصرين حولها في كتابه: محاكمة ألف ليلة وليلة، المجلس الأعلى للثقافة، ط1، 2016م 2 انظر مقدمة الترجمة الإنجليزية لحكايات ألف ليلة وليلة، ريتشارد بورتن، مطبعة ايستون، امريكا، 1994 ** **

مشاركة :