السيسي هو سادات آخر.. السادات ورث دولة مهزومة، وهناك جزء من أرضها محتل، ومؤسسة سياسية تحتاج لإعادة هيكلة، ونظاماً اقتصادياً يحتاج لتغيير.. نجح السادات في كل تحدياته، وحاول أن يراجع سياسة الدعم للسلع الأساسية ولكنه تراجع بعد الانتفاضة الشهيرة وقتذاك.. السيسي ورث دولة في ظروف حرجة، ووسط نظام اقتصادي وإداري معقد وعقيم يحتاج إلى إعادة نظر، ووسط جمهور إخواني نشيط ومتربص، ومؤامرات إرهابية على الحدود. قام السيسي بإصلاحات جريئة؛ حيث أعاد النظر نحو أسعار المحروقات المستوردة بالدولار وتباع بأسعار غير مجدية منذ عهد عبدالناصر، حيث كانت أحد أهم أسباب تآكل الاحتياطي النقدي الأجنبي المصري، وأيضاً أعاد النظر نحو سياسة دعم النشاط الزراعي الذي كان يُدعم بحدود 200 دولار للفدان مما أدى لنزول كمية إنتاج القطن أهم سلعة زراعية مصرية بحدود 75% بسبب ضعف الكفاءة الإنتاجية في ظل وجود الدعم، وآخر القرارات الجريئة كان إعادة سعر صرف الجنيه للدولار بسعر أرخص. الغريب أن الإعلام المصري لا يسلط الضوء على هذه القضايا المصيرية للاقتصاد المصري منذ عهد مبارك سوى حديث (المزايدات).. وقرارات السيسي الاقتصادية الجريئة حول إعادة تنظيم قوانين الدعم هي خيار مصر الوحيد في ظل المساومات الدولية، وأتوقع أن تنعكس على مصر إيجابياً نحو تقليص الاستيراد للمحروقات وزيادات الصادرات، بالإضافة إلى تغيير سعر صرف الجنيه الذي سوف يقضي على السوق السوداء للجنيه، وبالتالي نشاط أكثر للنظام النقدي وزيادة التدفقات في الاقتصاد العام وتحسن نسبة الاستثمارات الأجنبية. أعود لفكرة المقال وهي تشابه السيسي والسادات، جاء السادات للسلطة والكثير يرى عدم شرعيته وقدرة تحمله للإرث الناصري حتى انتصاره في حرب 73 بعد توليه الرئاسة بثلاث سنوات، حتى ثبّت قناعة العامة حوله برغم تسلمه السلطة بشكل شرعي، السيسي كذلك وخصومه يستغلون حجج الغرب حول عدم شرعيته بحجة أنه انقلاب على مرسي، على الرغم أن أميركا أدانت رئيس البيرو المنتخب (فمغوري) بسبب استغلاله لظروف بلاده بفرضه دستوراً يقوّي تياره، وبالتالي فقد الشرعية واعتبرت أميركا التدخل العسكري ضده شرعياً وقانونياً، وسوف تظل تحرشات الإخوان حول الشرعية تلاحق السيسي حتى يرد عليها بنهضة اقتصادية، كما رد السادات على الجمهور الناصري بحرب العبور. السيسي عليه أن يبقى لسنوات رئيساً، فالمثل الأوروبي يقول: "لا يتغير قبطان السفينة وسط العاصفة"، وأمامه هذه التحديات الاقتصادية والأمنية، ولكن أذكّر السيسي بآخر تحديات السادات التي لم يمهله العمر للمضي بها وهي الإصلاح السياسي عندما أعاد السادات الحياة السياسية والمشاركة الحزبية بشكل محدود، أتمنى من السيسي إحياء المؤسسات السياسية بأوجه جديدة وشابة قادرة على استلام السلطة من بعده وانتقالها بشكل ديمقراطي في بيئة حزبية متنوعة عندما يقرر اعتزال السياسة.
مشاركة :