في بيت صغير وُلد هذا الإنسان الضعيف. كان أبواه من عامة الناس لا مال ولا جاه ولا صيت ولا صدى. أمه أمية لا تقرأ ولا تكتب، وأبوه موظف بسيط بمرتبة هزيلة يسابق الأيام ليستلم راتبه الشهري حتى يسد رمق أهل بيته. وبالكاد إن أراد الترفيه عنهم أخذهم نحو الخلاء ليفرش فرشته البالية متوسدا الرمال متلحفا ضوء القمر. حيث لا طائرة تُقِله إلى لندن ولا احتفال يجلجل به في باريس. كل هذا يدور والطفل الصغير يضحك ببراءة وكأنه ملك الدنيا وما فيها، فوالداه حوله وذرات التراب ألعابه. والطين طوعا بين يديه لا يخالف له أمرا! كبُر الابن وقد تشرب كل أخلاق البسطاء. حيث الكذب جريمة، والسرقة تنافي الأخلاق، والعزة بالنفس كنز، والستر من الله رصيد لا ينقطع. يوما بعد يوم يجتاز ابن الفقير محطات الحياة. فالتفوق ديدنه لأن العلم يأخذ كل وقته، فيتخرج سريعا ويبدأ مشواره العملي متسلحا بأخلاقه قبل علمه. وفي أول المشوار يصطدم بالحقيقة المُرة، فزملاؤه ومن سبقوه يستسهلون الرشاوى ويستمتعون بالتضييق على الناس، ويختلقون الأعذار للانسحاب من العمل، ضاربين بمصلحة العميل عرض الحائط. لكنه يستمر كما هو ويجاهد ليكون صوت الحق وسط ضجيج الخطايا، حتى وإن قست سطوة المال تارة والوجاهة تارة أخرى، وكلما كان يقترب من لحظة قد يضعف فيها تذكر دمعة أمه حين مرض وعبرة أبيه حين عجز عن شراء ما يشتهيه بعد فقر قاهر وهو صغير، وكأنه يقول لنفسه: "ومن يتقِ الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب". رسالة إلى كل موظف أو مسؤول حمل الأمانة ثم خانها، تذكر أن الله شديد العقاب، وتذكر -إن زارك الشيطان- عنوان المقال مستشعرا قدرة الله. فالفاسدون مصيرهم جهنم.
مشاركة :