آل الشيخ: المملكة واءمت بين الثبات على أصول دينها وبين التجديد

  • 9/15/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

أكد معالي وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد الشيخ الدكتور عبد اللطيف بن عبد العزيز آل الشيخ أن بناء الدول في الإسلام قائم على أركان كثيرة وقواعد عدة يأتي في مقدمتها الاهتداء والتمسك بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ففيهما الهدى والنور والحق والعدل والسعادة في الدنيا والآخرة. وقال معالي الوزير في كلمته بالجلسة الافتتاحية للمؤتمر الدولي الثلاثين للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الذي تنظمه وزارة الأوقاف المصرية بالقاهرة تحت عنوان "فقه بناء الدول، رؤية فقهية عصرية" أن المؤتمر يأتي في مرحلة حرجة ودقيقة من تاريخ أمتنا؛ بسبب الكم الهائل من المعلومات الخطأ والمغلوطة التي بثتها جماعات الغلو والإرهاب والتطرف بين المسلمين عن الدول وبنائها واستمراريتها، وكانت سببًا للثورات وإزهاق الأنفس البريئة من مدنيين وعسكريين من المسلمين وغير المسلمين وتدمير الأوطان وتشتيت الشعوب. وشدد على أن بناء الدول في الإسلام قائم على أركان كثيرة وقواعد عدة يأتي في مقدمتها الاهتداء والتمسك بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ففيهما الهدى والنور والحق والعدل والسعادة في الدنيا والآخرة. وأوضح أن من أهم قواعد بناء الدول التي اتفقت عليها كل الملل والحضارات وعززها الإسلام وأكد عليها إرساء قواعد العدل والتسامح والتعايش ومحاربة الفساد والمفسدين. وأشار معالي وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد إلى أن من أعظم الإفساد في الأرض بعد إصلاحها الفسادَ والإفساد العقدي والفكري الذي يتولد عنه كل فساد عملي وسلوكي" فكان الواجب على الخاصة من الولاة والعلماء محاربة هذا الفساد بكل صوره وأنواعه، ولا يمكن أن يكون ذلك إلا برد الناس إلى مناهج النبوة المعصوم الذي كان عليه نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -وأصحابه". وبين آل الشيخ أن نبينا محمداً - صلى الله عليه وسلم - بنى دولته على أسس الحق والعدل ومحاربة الظلم والفساد، وقال: إن بناء الدول جاء لتبقى متماسكة قوية، ولابد أن تقوم على حفظ الضرورات الخمس التي اتفق عليها عقلاء بنى آدم كافة، وشدد فيها الإسلام حفظًا للدين والنفس والعرض والعقل والمال. ونوه إلى أن بناء الدولة الحديثة اليوم لابد أن يراعى فيه ما كان من الثوابت والقطعيات فلا يغير ولا يبدل، وما كان قابلًا للاجتهاد وتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان، فهذا لا يحجر فيه واسع ولا ينبغي أن يبقى فيه ذوو الرأي والفتوى على رأي قديم، والفتوى يجب أن تتغير؛ لتغير الظروف والأحول كما فعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وقال: إن الفكر المتشدد الذي قام عليه" الإخوان المسلمون الإرهابيون" هو نشر هذا التشدد والتحجر بين الناس باسم الإسلام، وكأنه من القطعيات؛ مما أوغر الصدور وأثار الضغائن وصار غير المسلمين ينفرون عنه. وأكد أن بناء الدول وقوتها لا يكون بالتواكل والكسل، بل بالأخذ بالأسباب المادية والوسائل الحضارية في كل نواحي الحياة العسكرية والاقتصادية والعلمية والاجتماعية وغيرها، مشيرًا إلى أن الدين الإسلامي راعى هذه الجوانب أعظم رعاية. وأفاد بأن كل أسباب بناء الدول المادية والمعنوية لا يمكن أن تؤتي ثمارها إلا بالإتيان بصمام الأمان للدول والمجتمعات وهو الاجتماع والائتلاف ونبذ الفرقة والاختلاف، وذلك بالاجتماع في الدين بالتمسك بمنهاج النبوة الذي كان عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، مبيناً أن من تمام الاجتماع والائتلاف الواجب هو الاجتماع على من ولاه الله علينا من الحكم والسمع والطاعة لهم في المعروف. وأضاف: " لقد لفت انتباهي وشدني ما قاله أبو الحسن على بن محمد بن حبيب الماوردي في كتابه العظيم "أدب الدنيا والدين"، إذ يقول: " اعلم أن ما به تصلح الدنيا حتى تصير أحوالها منتظمة وأمورها ملتئمة سته أشياء هي قواعدها وإن تفرغت وهي دين متبع وسلطان قاهر وعدل شامل وأمن عام وخصب دائم وأمل فسيح ". وأشار إلى أن القاعدة الأولى وهي الدين المتبع فلأنه يصرف النفوس عن شهواتها ويعطف القلوب عن إرادتها حتى يصير قاهرًا للسرائر زاجرًا للضمائر رقيبًا على النفوس في خلوتها نصوحًا لها في ملماتها، مبينًا أن هذه الأمور لا يوصل بغير الدين إليها ولا يصلح الناس إلا عليها، فكان الدين أقوى قاعدة في صلاح الدنيا واستقامتها وأجدى الأمور نفعًا في انتظامها وسلامتها. وتابع آل الشيخ:" لم يخل الله - تعالى - خلقه منذ فطرهم عقلاء من تكليف شرعي واعتقاد ديني ينقادون لحكمة فلا تختلف بهم الآراء ويستسلمون لأمره فلا تتصرف بهم الأهواء ". ولفت إلى أن القاعدة الثانية هي سلطان قاهر تتألف من رهبته الأهواء المختلفة وتجتمع لهيبته القلوب المتفرقة وتكف بسطوته الأيدي المتغالبة وتمنع من خوفه النفوس العادية؛ لأن في طباع الناس من حب المغالبة على ما آثروه والقهر لمن عاندوه ما لا ينكفون عنه إلا بمانع قوي ورادع ملي، وأن هذه العلة المانعة من الظلم لا تخلو من أحد أربعة أشياء وهي إما عقل زاجر أو دين حاجر أو سلطان رادع أو عجز صاد فإذا تأملتها لم تجد خامسًا يقترن بها ورهبة السلطان أبلغها؛ لأن العقل والدين ربما كانا مضعوفين أو بدواعي الهوى مغلوبين فتكون رهبة السلطان أشد زجرًا وأقوى ردعًا. وأوضح أن القاعدة الثالثة هي عدل شامل يدعو إلى الألفة ويبعث على الطاعة وتتعمر به البلاد وتنمو به الأموال ويكثر معه النسل ويأمن به السلطان، وأما القاعدة الرابعة في أمن عام تطمئن إليه النفوس وتنتشر فيه الهمم ويسكن إليه البريء ويأنس به الضعيف فليس لخائف راحة ولا لحاذر طمأنينة. ونوه معاليه بأن القاعدة الخامسة هي خصب دار تسع النفوس به في الأحوال وتشترك فيه ذو الإكثار والإقلال؛ فيقل في الناس الحسد وينتفي عنهم تباغض العدم وتتسع النفوس في التوسع وتكثر المواساة والتواصل وذلك من أقوى الدواعي لصلاح الدنيا وانتظام أحوالها ولأن الخصب يؤول إلى الغنى والغنى يورث الأمانة والسخاء. وأشار إلى أن القاعدة السادسة ،وهي أمل فسيح يبعث على اقتناء ما يقصر العمر عن استيعابه ويبعث على اقتناء ما ليس يؤمل في دركة بحياة أربابه ،ولولا أن الثاني يرتفق بما أنشأه الأول حتى يصير به مستغنيًا لافتقر أهل كل عصر إلى إنشاء ما يحتاجون إليه من منازل السكنى وأراضي الحرث وفي ذلك من الإعواز وتعذر الإمكان ما لا خفاء به. وقال ما أرفق الله - تعالى - خلقه باتساع الآمال إلا حتى عمر به الدنيا فعم صلاحها وصارت تنتقل بعمرانها إلى قرن بعد قرن فيتم الثاني ما أبقاه الأول من عمارتها ويرمم الثالث ما أحدثه الثاني من شعثها لتكون أحوالها على الأعصار ملتئمة وأمورها على ممر الدهور منتظمة. وتابع آل الشيخ: لو قصرت الآمال ما تجاوز الواحد حاجة يومه ولا تعدى ضرورة وقته ولكانت إلى من بعده خرابا لا يجد فيها بلغة ولا يدرك منها حاجة ثم تنتقل إلى من بعد بأسوأ من ذلك حالًا حتى لا ينمو بها نبت، ولا يمكن فيها لبث . وشدد على أن كثيراً ممن يسمع هذه القواعد التي جاءت في كتاب الله وسنه رسوله لبناء الدول والتي تجمع بين صلاح الدين وعمارة الدنيا يستبعد وقوعها على أرض الواقع ويحيل حصولها في القرن الحادي والشعرين مع طغيان النظرة المادية ،ولكن الله منّ على أهل الأرض في هذا الزمان بصور مشرقة تجمع بين الأصالة والحضارة وتؤلف بين الثبات والتجديد، ويأتي في مقدمة تلك الصور المملكة العربية السعودية التي جمع الله لها بين الأصالة المستمدة من كتاب الله وسنه رسوله الكريم وبين الأخذ بكل وسائل الحضارة والمدنية المشروعة. وقال " إن المملكة العربية السعودية استطاعت أن توائم بين الثبات على أصول دينها وبين التجديد في كل أمور دنياها حتى غدت بلاد الحرمين الشريفين المملكة مثالًا يحتذى للحضارة والمدنية مع تمسك بالأسس الدينية والإسلامية وأمست صخرة صلبة - ولله الحمد - يتكسر عليها مكر أعداء العروبة والإسلام؛ وما كان هذا ليكون لولا فضل الله أولًا ثم فضل قيادتها الحكيمة والرشيدة التي يقودها خادم الحرمين الشريفين الملك الصالح والإمام العادل سلمان بن عبد العزيز آل سعود وسمو ولي عهده الأمين الأمير الملهم والمسدد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود يحفظهما الله ويؤازرهما، ويقف معهما الشعب السعودي النبيل وكل نبلاء العالم وعقلائه" . وبين أن رؤية 2030 ومشروع التحول الوطني والمشاريع الحيوية التي تشهدها المملكة اليوم في المجالات كافة حتى صارت مؤسساتها ورش عمل دائمة مستعينة في ذلك بعد الله تعالى بأهل الخبرة من أنحاء العالم أجمع، وفتح المجال للذكر والأنثى على حد سواء للعمل الشريف والتنافس فيه، وما محاربة الفساد والمفسدين سواء كان إفسادا ماديًا أم فكريًا إلا دليل واضح لمنهج المملكة الحديث وهو المنهج الصحيح الذي تبنى عليه الدول. واختتم آل الشيخ كلمته بالتحية للقيادة المصرية بقيادة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وحكومته ومعالي وزير الأوقاف المصري على الحفاوة وحسن الاستقبال والتنظيم، منوها بجهود القيادة المصرية والشعب المصري للحفاظ على مصر، وإفساد مشروع التخريب فيها الذي قامت به حركات إرهابية حاولت استنزاف مصر كما حاولت في بعض البلدان العربية الأخرى.

مشاركة :