هل هي أعمال فنية أم مكاشفات ذاتية واجتماعية؟ سؤال يطرح نفسه على زائر معرض «المجتمع والنقد الفني»، الذي يضم أعمال المشاركين في الدفعة السادسة من برنامج منحة سلامة بنت حمدان للفنانين الناشئين، الذي افتتح، مساء أول من أمس، في «معرض 421» بميناء أبوظبي، ويستمر حتى 24 نوفمبر المقبل. رغم أن المشاركين في «المجتمع والنقد الفني» كانت لهم حرية اختيار موضوعات أعمالهم؛ إلا أن الزائر يمكنه أن يلمس خيطاً خفياً يجمع بين معظم هذه الأعمال، ويتمثل في محاولة الغوص في النفس البشرية انطلاقاً من الذات، وخلق مواجهات معها ومع المجتمع، عبر رحلات متعددة بين الماضي والحاضر، أو بين ذكريات طالما استقرت في خفايا العقل، ولكنها ترفض إلا أن تعود لتفرض نفسها على الحاضر والمستقبل من حين لآخر، فيأتي نتاج هذا الحراك الذاتي صادماً بشكل أو بآخر، مثل العنوان الذي اختارته فاطمة فرح للوحتها التي تتصدر مدخل المعرض: «أخبرتكم أنني لست بخير»، وهي لوحة أشبه بجدارية تضج، رغم خلفيتها البيضاء، بالوجوه المتألمة والرموز المتداخلة وعبارات الألم والمعاناة والمواساة باللغتين العربية والإنجليزية. وتعبر اللوحة عن تجربة الفنانة الشخصية مع المرض، عندما اكتشفت إصابتها بمرض متلازمة الألم العضلي الليفي، وحيرة الأطباء إذا ما كان المرض نتيجة لحالة نفسية سيئة، أم أن المرض هو الذي تسبب في مرض نفسي. من وحي الذكريات بينما استمدت روضة الكتبي فكرة عملها «نحاس» من تأثير الزمن في المعادن، إذ يكسوها بالصدأ، وما تحمله هذه الفكرة من معاني الاحتجاز والتقييد، بما يحيل إلى تأثير الذكريات، وما يرتبط بها من مشاعر، في الإنسان، لاسيما أن أعمالها السابقة تمحورت حول الذكريات المهملة وفكرة حضور أو غياب الروح. كذلك كانت الذكريات مصدر العمل الذي شارك به راشد الفلاسي في المعرض، ليعبر به عن المخاوف التي كانت تنتابه كلما أوى إلى فراشه في المساء، إذ يتخيل الظلام مثل لوحة سوداء فارغة، وليس هناك مهرب من استرجاع كل ذكرى مر بها من قبل. أيضاً الأرق الليلي كان الباعث لعائشة بن خديه، لتقديم عملها الذي يتكون من غرفة نوم بها أشياء شخصية، ويعبر عن رحلتها في اكتشاف الذات، ومراحل معاناتها مع الأرق، حتى اعتباره واحة تلوذ بها من العالم الخارجي. في حين يستدعي سلطان الرميثي في عمله «ذكريات الليالي» التي نقضيها مع الأصدقاء في حفلات موسيقية أو مهرجانات، أو تلك الذكريات المرتبطة بمقطوعة موسيقية معينة «غيرت حياتنا للأبد»، بحسب تعبيره، ليسعى من خلال هذا العمل لخلق تجربة غامرة تتضمن أربعة أقسام، هي: الصوت واللون والانعكاس والضوء. وركّزت ظبية الرميثي على كيفية ترجمة الذكريات في العقل البشري وانعكاساتها على البيئة. واستلهمت شمة البستكي من ذكرياتها حول الدمى، وارتباط والدتها وجدتها بها، أعمالاً فنية تحاول من خلالها استكشاف «نسلها الأمومي»، والتحقق منه شخصياً من خلال توارثها من والدتها صنع الدمى وجمعها وخشيتها وعشقها. أما عمل ود البياتي، الذي يتكون من غرفة تمتلئ بالأراجيح، فيتخذ من الذاكرة الشخصية نقطة انطلاق ليبحر في موضوعات مختلفة مثل الهوية والانتماء والاغتراب، والتجارب الإنسانية المشتركة. في حين تميل زينة القطان في أعمالها إلى دراسة تأثير الذكريات على سلوكيات البشر، إلى جانب تأثير المجتمعات التي ننشأ فيها، منطلقة في ذلك من منظور شخصي بالبحث في ذكرياتها الخاصة لتكوّن سيناريوهات جديدة يغلب عليها التهكم من قضايا يومية. وبينما استوحى كريستوفر بنتون عمله «قل لا للأحياء السكنية المزدحمة بالعزاب» من الفترة التي قضاها بحي السطوة في دبي، تناولت أروى السلامي في سلسلة لوحاتها «هم»، مشاعر الاغتراب والرهبة والتعامل مع القيود الاجتماعية، وتميزت اللوحات بألوانها المشرقة الصريحة مثل الأصفر والأحمر والبرتقالي. كذلك ضم المعرض أعمالاً خرجت عن دائرة الذكريات، مثل عمل لطيفة سعيد الذي استلهمته من دورة تشييد الجزر، وعمل ليان عطاري الذي استمدت فكرته من نافورة دبي الراقصة، وصبا قيزيلباش التي قدمت رسومات تركز على الأراضي المقسمة، مستلهمة في ذلك سفرياتها للهند وباكستان. واتجهت شمسه الظاهري في عملها إلى نقد ظواهر اجتماعية، مثل التبذير والهدر في الطعام والمساحات. اختيارات شخصية من جانبها، قالت مديرة الثقافة والفنون والتراث في مؤسسة سلامة بنت حمدان آل نهيان، خلود خلدون العطيات، لـ«الإمارات اليوم» إن المعرض، الذي يستهل به «معرض 421» برنامجه لخريف 2019، يمثل نتاج عمل عام في برنامج منحة سلامة بنت حمدان للفنانين الناشئين، بمشاركة 15 فناناً. وأرجعت تكرار أفكار معينة، مثل العودة للذكريات الشخصية، في الأعمال الفنية المعروضة، إلى أن الفنانين المشاركين في البرنامج والمعرض مثل غيرهم من المبدعين، يميلون إلى تناول التجارب الشخصية والعائلية واليومية في أعمالهم، وغالباً ما تكون التجارب الأقل سعادة هي الأكثر تأثيراً في الإنسان، وتظل في الذاكرة، وبالتالي تظهر في الأعمال الفنية والإبداعية المختلفة، بل تعتبر الفنون والآداب وسيلة لتخطي الصعوبات والتجارب المؤلمة. وأضافت خلود: «بالنسبة لي أحسد الفنان لأنه يستطيع التعبير عن مشاعره المختلفة من خلال فنه، وبشكل عام نحرص في برنامج منحة سلامة بنت حمدان للفنانين الناشئين، على عدم التدخل في اختيار موضوعات الأعمال التي يقدمها المشاركون، ولكن نحثهم على التعبير عن مشاعرهم وأفكارهم عبر الأساليب والمواد الفنية المتاحة والتي يفضلونها». «خواء» وتزامن «المجتمع والنقد الفني» مع الكشف عن معرض «خواء» للفنانة ميثاء عبدالله، الذي يستمر حتى 13 أكتوبر المقبل في «معرض 421»، ويتناول الشعور بالفراغ، سواء من حيث المكان أو على مستوى الأحاسيس، وتحوله التدريجي نحو الخواء، ثم الذاكرة، وبعدها الانتظار وصولاً إلى البدايات الجديدة. وأوضحت ميثاء عبدالله لـ«الإمارات اليوم» أن المعرض يتكون من جزأين، الأول عرض فيديو بعنوان «خواء»، تقوم فيه بأداء مسرحي، والثاني يضم مجسمات ولوحة فنية، بعنوان الولادة من جديد، نفذتها بطريقة مسرحية، بحيث تقدم كل منها قصة معينة، لتصل في النهاية لفكرة إعادة الميلاد، وهو ما يشير إلى أن الخواء الداخلي قد يؤدي إلى ولادة جديدة أو ظهور هدف جديد في الحياة. وأضافت: «أؤمن بأن الخواء موجود في نفس كل منا، وأحياناً يصيب الإنسان من دون توقع، فيحتاج إلى فترة لاستيعاب الفكرة، واستجماع قواه ليستأنف الحياة مرة أخرى». وأشارت ميثاء إلى أن كل أعمالها تحمل الطابع المسرحي والأدائي، لافتة إلى إصرارها على تقديم العمل الأدائي بنفسها دون الاستعانة بشخص آخر، لأنها الأكثر قدرة على إيصال فكرتها، وأفادت بأن فترة إعداد العمل كانت قصيرة نسبياً، ولم تتجاوز الشهر تقريباً. 4 ركائز تتعاون مؤسسة سلامة بنت حمدان آل نهيان مع كلية رود آيلاند للتصميم، لتقديم برنامج منحة سلامة بنت حمدان للفنانين الناشئين، وهو برنامج تعليم وتطوير فريد مُصمم خصيصاً لتعزيز وتطوير المهارات الفنية على مدى 10 أشهر. ويتكون البرنامج من أربع ركائز تشمل: عملية التطوير الفني، وعملية النقد، والتطبيقات الفنية الغامرة في بيئة الاستوديوهات، والمجتمع الإلكتروني للفنانين المشاركين. ويتيح البرنامج للزملاء المشاركين تطوير مهاراتهم الفنية، وتكوين فهم أعمق حول أعمالهم الخاصة وتأثيراتها، بالإضافة إلى تعزيز قدرتهم على التعبير عن أفكارهم، وذلك من خلال جلسات التدريس في أبوظبي، والزيارات التعليمية إلى الولايات المتحدة، وأنشطة التوجيه والإرشاد، والمناقشات عبر الإنترنت، وإمكانية الدخول إلى الاستوديوهات المخصصة على مدار الساعة وطيلة أيام الأسبوع. 15 فناناً يشاركون في معرض «المجتمع والنقد الفني».ShareطباعةفيسبوكتويترلينكدينPin Interestجوجل +Whats App
مشاركة :