تقدم مصر مثلا مضيئا للعالم في مواجهة إشكالية عالمية وهي "الأخبار الكاذبة والتضليل" في وقت باتت فيه تلك الإشكالية التي تدخل في سياق حروب المعلومات في العصر الرقمي موضع اهتمام ثقافي يتجلى في كتب جديدة.وفيما يقف المصريون على قلب رجل واحد عازمين على الانتصار ودحر قوى الشر والجماعات الإرهابية الظلامية التي تستخدم الأكاذيب كسلاح من أسلحتها القذرة جاء المؤتمر الوطني الثامن للشباب الذي عقد أمس الأول السبت في مركز المنارة للمؤتمرات الدولية بالقاهرة الجديدة ليشكل علامة مصرية مضيئة في مواجهة حروب الجيل الرابع ونشر الأكاذيب والأخبار المضللة وتزييف الوعي بطرق حديثة.وكما قال الرئيس عبدالفتاح السيسي في هذا المؤتمر الوطني الشبابي فإن الشائعات على مواقع التواصل الاجتماعي تستهدف إفقاد المصريين الثقة في أنفسهم.. لافتا إلى أن كل مشروع قومي "يتبعه إجراء مضاد للدولة أو تشكيك على وسائل التواصل الاجتماعي".وفي كلمته أمس الأحد بالمؤتمر الإسلامي الدولي الذي تنظمه وزارة الأوقاف والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية بعنوان "فقه بناء الدول..رؤية فقهية عصرية".. أكد مفتي الجمهورية الدكتور شوقي علام أن "مصر بلد الأزهر الشريف تتصدى لأكاذيب وأراجيف الجماعات والتنظيمات الإرهابية".. مشيرا إلى أن تلك الجماعات تبث الأكاذيب والشائعات "لنشر الفوضى والتشكيك في جهود بناء الدول".وفي سياق فعاليات الجلسة الثانية للمؤتمر الوطني الثامن للشباب التي جاءت بعنوان "تأثير نشر الأكاذيب على الدولة في ضوء حروب الجيل الرابع" أوضحت عميد كلية الإعلام بجامعة القاهرة الدكتورة هويدا مصطفى أن "الجماعات والتنظيمات الإرهابية تنتقل إلى الفضاء الإلكتروني".ومستندة لدراسات واستطلاعات.. قالت الدكتورة هويدا مصطفى إن نسبة تصل إلى 83 % من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي يتعرضون للأخبار الزائفة.. لافتة إلى أن مصر في مقدمة الدول المستهدفة بالأخبار المضللة.وأشارت إلى أن "مواقع التواصل الاجتماعي ليست مصدرا للمعلومات لكنها شبكات للتواصل الاجتماعي ونحن حملناها فوق ما تستطيع" فمن المثير للتأمل ما ذكرته هذه الأكاديمية المصرية المتخصصة في الإعلام من أن "سرعة انتشار الأخبار المضللة تزيد على انتشار الأخبار الصادقة بنسبة 70 % مما يؤكد خطورة تداول الأخبار الزائفة على مواقع التواصل الاجتماعي".ولأنها إشكالية عالمية فقد باتت موضع اهتمام باحثين في دول شتى وحاضرة في كتب جديدة تصدر في الغرب من أحدثها كتاب بعنوان:"إنها ليست دعاية" لبيتر بومارنتسيف وقد حظى هذا الكتاب الذي يتناول "الأخبار الكاذبة وأنصاف الحقائق وما يسعى له المنخرطون في تلك الممارسات من إثارة للفتن وهز الاستقرار المجتمعي" باهتمام واضح في الصحافة الثقافية الغربية.وبيتر بومارنتسيف الذي يبلغ من العمر 42 عاما هو كاتب وباحث وصحفي بريطاني منحدر من أصل روسي فيما جاء كتابه الجديد بمثابة دراسة معمقة لإشكالية الأخبار الكاذبة التي اعتبر أنها تهدد قيما عزيزة وتشكل خطرا على الديمقراطية.ويضع بومارنتسيف الظاهرة ككل ضمن "سياقات حروب المعلومات في العصر الرقمي".. معتبرا أن هذا النوع من الحروب الجديدة في الفضاء الإلكتروني قد يكون أخطر من الحروب التقليدية والمعارك المتعارف عليها بين الجيوش على الأرض.ويوضح هذا الكتاب الجديد أن "الحقيقة تضيع في خضم الأخبار الكاذبة وأنصاف الحقائق وعندما تظهر روايات متعددة ومتناقضة حول حقيقة واحدة فإن هناك من يختار الرواية التي تتفق مع أفكاره وتصوراته بصرف النظر عن مدى تطابقها مع الحقيقة الكاملة".وعبر رحلة بحثية في عدة دول حول العالم.. يؤكد بيتر بومارنتسيف أن إشكالية الأخبار الكاذبة والتضليل تتفاقم مع تكاثر مواقع التواصل الاجتماعي لتكون تلك المواقع طرقا رئيسية في حروب المعلومات التي تدور رحاها "أون لاين"على المستوى الكوني.ويخلص بومارنتسيف في كتابه الجديد إلى أن ظاهرة استشراء الأخبار الكاذبة وخاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تفضي لاحتقانات واستقطابات بين البشر بينما تذهب الحقيقة وقيمة كالصدق ضحية لتلك الظاهرة.ومن الكتب التي تناولت هذه الإشكالية أيضا كتاب صدر في الولايات المتحدة بعنوان "تجار الحقيقة: بيزنس الأخبار والحرب من أجل الحقائق" لجيل ابرامسون الذي يرى أن تلك الإشكالية تفاقمت في القرن الواحد والعشرين.وتكتسب ظاهرة الأخبار الكاذبة المزيد من التركيب والتعقيد مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت وبعضها لايتورع عن "نشر الأخبار الملفقة وترويج الأكاذيب وتسويق الشائعات".وقد أمست مواقع التواصل الاجتماعي وما يعرف "بالسوشيال ميديا" جزءا لا يتجزأ من الإعلام الجديد في العصر الرقمي بما يثيره من تحديات وتساؤلات مثل انعكاسات هذا المشهد على الخلل القائم أصلا في النظام العالمي الإعلامي التقليدي وعدم التوازن بين الشمال والجنوب فإن الكتب الجديدة حول إشكالية الأخبار الكاذبة تتفق على وجه العموم في أن مواقع التواصل الاجتماعي تستخدم أحيانا بصورة تفضي لتصاعد الأكاذيب واستفحال الكذب والأخبار الملفقة في عالم اليوم".وفي كتاب صدر بعنوان "رؤية من النفق" لكيفن بريثناخ نوع من التركيز على تمزقات الإنسان المعاصر بين الحقائق و"الأكاذيب التي تجعل الإنسان المعاصر يهرم ويشيخ قبل الآوان" فيما ينوه هذا الكاتب الأيرلندي بأن قوة المعلومات الصحيحة تخدم الإنسان السوي الباحث عن الحقيقة ومن ثم فهي تخدم حريته. ورغم منجزات تقنية وثورات معلوماتية واتصالية في العصر الرقمي فالكائن الإنساني كما يرى مؤلف كتاب "رؤية من النفق" عليه أن يمضي بعقله في كثير من الدهاليز بحثا عن الحقائق "كقطار يمضي بين أنفاق لا تعد ولا تحصى".ولا ريب أن "سيول الأكاذيب في العصر الرقمي والفضاء الإلكتروني" كما يشير هذا الكتاب تشكل تحديات قاسية لكل الباحثين عن الحقيقة بل وكل من يتبنى قيم الحق والخير والجمال كما لا يمكن التغافل عن حقيقة أن "الإعلام المزيف والكاذب والمحرض حليف داعم للإرهاب وكل أيديولوجيات الشر".وفي دول شتى تتعرض صحف ووسائل الإعلام لمحاولات اختراق لنشر أخبار كاذبة على التصميمات المعتادة لصفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي فيما تمثل الفيديوهات والتسجيلات الصوتية المفبركة التي تتميز بالتزييف المحكم واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي أحد أخطر مظاهر التضليل.وفي مواجهة "ممارسات التزييف المحكم" يجتهد باحثون في تطوير تقنيات وابتكار طرق جديدة وداعمة لمواقع التواصل الاجتماعي لتحديد المقاطع المفبركة قبل أن تنتشر على منصات مواقع مثل "فيس بوك وتويتر".ورغم غلالات الدخان التي ترمى "لاصطناع أجواء من الحيرة وزعزعة الانتماء كسلاح من الأسلحة القذرة لقوى الشر وجماعات الإرهاب فإن شعب مصر العظيم يقدم للعالم مثلا مضيئا في مواجهة تلك الحرب الجديدة وينتصر للإنسانية كلها.. إنه شعب يمتلك بحسه التاريخي صولجان الحق والحقيقة.
مشاركة :