يلقي فشل المفاوضات الأمريكية مع حركة طالبان حول خطة بناء سلام فى أفغانستان بظلال من الشك حول مصير الانتخابات العامة المقرر إجراؤها في أفغانستان في الثامن والعشرين من شهر سبتمبر الجاري، ويطرح الموقف الأمريكي تساؤلات مهمة حول مصير حالة العنف في أفغانستان التي صارت ساحة لعمل طالبان، والقاعدة، وداعش، ومستقبل استقرار الأوضاع والسياسة في هذا البلد المتماس مع منافسي واشنطن مثل إيران، وروسيا، والصين. وتبدو أهمية تلك التساؤلات بالنظر إلى توجه الإدارة الأمريكية صوب تخفيض وجودها العسكري في أفغانستان، وإعادة كل ما يمكن إعادته من العسكريين الأمريكيين منها، وهو ما كان أحد وعود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لناخبيه في عام 2016، وهو الرجل الذي يستعد لجولة انتخابية قادمة في العام القادم، مقدما كشف حساب لناخبيه ومنتقديه أيضا. وقد نبه دبلوماسيون أمريكيون سابقون من إمكانية انزلاق أفغانستان إلى "حرب أهلية" حقيقية، إذا خرجت منها القوات الأمريكية، ونفضت واشنطن يدها من هذا الملف، وهو ما سيجعل أفغانستان في هذه الحالة قاعدة جديدة للحرب على الولايات المتحدة وتهديد مصالحها. جاء ذلك التنبيه فى مؤتمر نظمه هذا الأسبوع مركز أبحاث الأطلنطي "the Atlantic Council think tank"، وتزامن انعقاده الذي استمر أربعة أيام مع مفاوضات فاشلة هذا الشهر بين زلماي خليل زاده ممثل الإدارة الأمريكية، وحركة طالبان حول التوصل لصيغ اتفاق محددة لبناء السلام في أفغانستان، ووقف العنف المنطلق من أراضي أفغانستان، تقوم بموجبها الولايات المتحدة بسحب خمسة آلاف من عسكرييها من الأراضي الأفغانية في غضون 135 يوما من تاريخ إبرام هذا الاتفاق، أي بحلول العام 2020؛ وذلك من أصل 14 ألف عسكري أمريكي يتنتشرون في أفغانستان منذ عام 2001. ونقلت شبكة "إن بى سى نيوز" الإخبارية الأمريكية عن دبلوماسيين أمريكيين سبق لهم العمل في أفغانستان، وباكستان – لم تسمهم – التأكيد على أن طالبان لا يمكن الاعتماد عليه كشريك مخلص في أية اتفاقات مع الولايات المتحدة، كما أنه لا يوجد لطالبان سجل سابق من مساعي التقارب أو بناء التفاهمات مع السلطات الأفغانية تضمن وفاءه بالتزاماته حال إبرام أي اتفاقات معه. وفي الثامن والعشرين من سبتمبر الجاري ستنطلق الانتخابات العامة والرئاسية في أفغانستان، وهو ما يعتبره المراقبون أمرا مرهونا بمدى إمكانية التوصل إلى اتفاقات بين حركة طالبان المسلحة، ورئيس أفغانستان أشرف غاني المصر على المضي قدما في إجراء الانتخابات، وتعزيز العملية الديمقراطية في البلاد، وفي المقابل تطالب طالبان بأن تكون شريكا في حكومة انتقالية، كمقدمه لإجراء أية انتخابات، وهو ما يرفضه الرئيس غاني. وتعد إعادة القوات الأمريكية من أفغانستان هي أحد الوعود الانتخابية التى قطعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على نفسه في حملة ترشحه الرئاسية في العام 2016، وهو الرجل الذى يستعد الآن لانتخابات قادمة في 2020، وتعد تلك القضية من القضايا المؤثرة على توجهات الرأي العام الأمريكي؛ نظرا لارتفاع عدد القتلى الأمريكيين على الأراضي الأفغانية إلى 2400 قتيل، منذ بدء العمليات هناك في العام 2001، وأعادت نعوشهم العائدة إلى أرض الوطن إلى الأذهان نعوش رفاق لهم من فيتنام منذ نصف قرن. وفي نوفمبر 2018 قال رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأمريكية الجنرال جوزيف دانفورد أمام أعضاء الكونجرس الأمريكي أن الحرب الأمريكية على الإرهاب في أفغانستان، وتحديدا على تنظيم طالبان "لم تحسم بعد"، وأنه برغم المكاسب التي حققتها القوات الأمريكية، ودعم أوضاع الحكم الشرعي في أفغانستان، فإنه من المبكر القول أن طالبان "قد أصابتها هزيمة كاملة". وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن الجنرال دانفورد هو الرجل الذى قاد قوات التحالف الدولي في أفغانستان من حلف شمال الأطلنطي "ناتو" عامي 2013 و2014، وبذلك تشكل ساحة العمل العسكري في أفغانستان صفحة مهمة من تاريخه العسكري، وفي العام 2014 قررت واشنطن وشركاؤها في حلف شمال الأطلنطى إنهاء عمل قواتهم في أفغانستان مع استبقاء 20 ألفا فقط منها على الأراضي الأفغانية لشن ضربات ضد معاقل تنظيمي داعش وطالبان وحلفائهما من المنظمات الإرهابية، وتوفير الحماية اللازمة للمقار الدبلوماسية الأمريكية والغربية في كابول، وتدريب القوات الوطنية التابعة للحكومة الأفغانية. وفي الثامن والعشرين من أغسطس الماضي وفي مؤتمر مشترك عقد بمقر وزارة الدفاع الأمريكية عاد الجنرال دانفورد، وإلى جانبه وزير الدفاع الأمريكى الجديد مارك آسبر، للتأكيد على أن مناقشة موضوع الانسحاب الأمريكي من أفغانستان هو "أمر سابق لأونه ومبكر جدا الخوض فيه"، وجاءت تصريحاته في وقت بدا فيه اقتراب المحادثات الأمريكية الطالبانية إلى إحراز اتفاق نهائي آنذاك، وهو ما لم يتحقق، في حين جدد وزير الدفاع الأمريكي الجديد استمرار دعم بلاده للسلطات الأفغانية لمكافحة الإرهاب، مؤكدا أن هذا هو النهج الصحيح الذي تسير الإدارة الأمريكية الحالية عليه بثقة تامة، حيث لا يجب أن تبقى أفغانستان "معمل تفريخ" للإرهابيين، مثلما كانت عليه قبل قدوم قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة إلى أراضيها في عام 2001، كما لا يجب أن تستمر أفغانستان حاضنة للإرهابيين ولمنظماتهم.
مشاركة :