أزمة منتصف العمر.. وَهْمٌ!

  • 4/29/2015
  • 00:00
  • 14
  • 0
  • 0
news-picture

< الكثير يقع في حبال أزمة منتصف العمر، كما تسمى، وهي مرحلة كبقية المراحل التي يمر بها الإنسان، ولكل مرحلة جمالها وعمقها، لكن لن يشاهد ذلك كل بائس أو محبط أو صاحب نظرة سوداوية، أكثر ما يهلك الإنسان هو ذلك الخوف المتأصل بصوره المتعددة، التي لا تنتهي إلا إذا رغب هو في ذلك، واعترف أن الخوف وهْم كبير لا وجود له على أرض الواقع. هناك حقيقة تثبتها الأزمنة يوماً بعد يوم، أن الإنسان يمتلك بداخله جوهراً أشد لمعاناً من الألماس، وأكثر بريقاً من الذهب، متى ما تعرف عليه وآمن بقدراته الداخلية، هنا لا يهم في أي مرحلة يكون، هنا سيكون عميقاً ومحباً ومسالماً، لا يهاب ولا يخاف أي أزمة أو موقف؛ لأنه تعرف على العمق الوجودي في داخله. ثقافتنا -للأسف- تعزز ذلك بقوة، متى ما انتهت مرحلة وبدأت مرحلة الأربعين أو الخمسين بدأ الكل يتباكى وينسج القصص الهازمة للذات، والتوقف عن رؤية الحياة، وكأنه ينتظر الموت في أي لحظة، والمضحك أن الموت لن يأتي إلا كما قدَّره الله -عز وجل-، فيعيش بعضهم في متاهات الوهم والعجز وعدم القدرة على إنتاجية الفرح، والفرح والسعادة لا تنبع من الآخرين، بل من الذات الواعية الراضية المؤمنة المتيقنة، وهذا ما يحتاج إليه أي إنسان في أي مرحلة من مراحل حياته. ما يصعِّب هذه الفترة هو الجهل وعدم الغوص فيها؛ لمعرفة مزاياها وما أعطانا الله من قدرات ذهنية وتصورات إبداعية في أي شيء، سواءً أكان في علاقات جميلة أم قرب من أهل ووصل، أم حب للعطاء والخير والمساعدة، أم هوايات وإبداعات لا تحدد في زمن أو عمر، أم الاختلاء قليلاً مع النفس والتعمق في سر الوجود، والبحث عن رضا الله ليس بصوره التقليدية، بل البحث عن المعنى والمغزى وماذا يصنع بكل عطايا الرحمن الذي اجتبى به الإنسان، ألا وهو العقل والقلب معاً. إذاً مرحلة النضج والحس الإنساني المفترض أن نطلقه على هذه المرحلة، وهذه حقيقة لن يشاهدها إلا من آمن بقدراته الداخلية من حب وسلام وجمال وعطاء لا ينتهي للنفس وللآخرين. ما يحبط الإنسان أنه دائم النظر للخارج، للمواقف، للنتائج، ولم يفكر أو يتأمل كيانه الإنساني ونضجه المعرفي، هذا لأن بحثه -للأسف- أصبح مادياً ملموساً فقط، وعطَّل الحس والمعنى الداخلي. وهذا هو ما يعوق الإنسان، ويخلق لديه أزمة حقيقية تشعره أن دوره انتهى أو أجلَه اقترب، ولاسيما عندما يصادف انتهاء بعض أدواره الحياتية من تربية أبناء، أو انتهاء عمل مهني وغيرها من الأمور الشائعة خلال هذه الفترة، وللأسف عدم الوعي والإدراك الحقيقي يجعله أسير هذه الإحباطات، أو المواقف والمرحلة بريئة من ذلك، هو من جنى على نفسه ولم تجنِ عليه مرحلة معينة.. إنه الفكر والنضج والوعي بأساسيات الوجود الإنساني، لماذا وجدنا؟ ركْضُ الإنسان الذي لا ينتهي يجعله ينهزم في هذه المرحلة، فلو كان واعياً بقدومها ورتب باستقبالها بحب وسلام وهيَّأ نفسه بأنه مازال يستطيع الإنتاج والعطاء والعيش متى ما رغب في ذلك، بل سيكون هو نواة للجيل الذي بعده بخبرته الطويلة وتجربته العظيمة، ألا يوجد أفضل وأجمل من هذه الخبرة الحياتية، التي صقلت الجميع بشخصيات متنوعة ومتعددة جميلة وعميقة، لكن بحسب وعيها وقوة إدراكها لمفهوم الحياة الإنسانية، فهناك دائماً اختيار، اختيار النظرة الإيجابية، أو النظرة والمفاهيم السلبية، وهي من تجعل أي مرحلة تمر على الإنسان بسلبية أو إيجابية، ونحن ندرك أن هناك تغيرات فسيولوجية، لكن ليس لها التأثير الكبير في حياة الفرد، بدليل كم شاهدنا من مبدعين وناضجين معرفياً وإنسانياً بطريقة إيجابية معطاءة في هذه المرحلة ولم يتأثر في ذلك. الخلل ليس في المرحلة، الخلل في ماذا تحوي العقول من مفاهيم مغلوطة وخاطئة للأسف بتناقلها الأفراد من دون وعي؟ هذا لا يمنع بأن يكون الإنسان واعياً ومدركاً ماذا يفعل خلال هذه المرحلة من أعمال يستطيع القيام بها من هوايات تسعده، أو تواصل مع الآخرين يبهجه. العدو الأول هو المفهوم المغلوط، والعيش بالوهم المزيف، الذي يجيد تحطيمك، ودعك المستسلمين، ولا بد من أن ندرك أن لا أحد سيعطيك هذه القوة أو السعادة إلا أنت، لذا آمن بما أعطاك الله من معجزة إنسانية عظيمة لا تنتهي إلا بموت الإنسان. لا بد من أن ندرك أن هناك قوانين للحياة ثابتة ومتغيرة، ساكنة ومتحركة، لا شيء يدوم، وأن مراحل الإنسان كبذرة يافعة ناضجة مثمرة منتجة حتى تنتهي. لذا، لماذا نعيش في الموت البطيء ونحن لم ننتهِ بعدُ؟ Haifasafouq@

مشاركة :