جاء الارتفاع القياسي لأسعار النفط في الأسواق العالمية على خلفية الهجوم الذي تعرضت له منشآت نفطية في المملكة العربية السعودية، يوم السبت الماضي، في أسوأ وقت للاقتصاد العالمي، الذي يمر حالياً بحالة تباطؤ شديدة، قد تضطر الحكومات حول العالم لاقتفاء أثر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في السحب من مخزونات الطوارئ النفطية، إذا عجزت السعودية عن إصلاح الضرر الذي ألحقته الهجمات بقطاعها النفطي سريعاً.والسعودية أكبر مُصدر للنفط في العالم، وتسبب الهجوم على منشأتين لمعالجة النفط تابعتين لأرامكو السعودية المنتجة للخام المملوكة للدولة، في بقيق وخريص، بخفض إنتاج النفط بنحو 5.7 مليون برميل يومياً، ولم تقدم الشركة إطاراً زمنياً لاستئناف الإنتاج بالكامل، وصرح مصدران مطلعان على عمليات «أرامكو» السعودية، أمس، إن عودة الشركة بالكامل إلى إنتاج النفط بكميات طبيعية «ربما تستغرق شهورا»، وقال مصدر في قطاع النفط مطلع على التطورات إن صادرات السعودية من النفط ستستمر كالمعتاد هذا الأسبوع إذ تستخدم المملكة المخزونات من منشآتها الكبرى.صعدت أسعار النفط نحو 20% خلال تداولات جلسة أمس؛ إذ سجل خام برنت أكبر مكسب خلال الجلسة منذ حرب الخليج في عام 1991، ونزلت الأسعار من ذروتها بعد أن سمح الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، باستخدام المخزون الاستراتيجي لبلاده لضمان استقرار الإمدادات، حيث تراجع ارتفاع أسعار الخام إلى 12% فقط في وقت لاحق.وقفزت العقود الآجلة لخام القياس العالمي برنت ما يصل إلى 19.5% إلى 71.95 دولار للبرميل، مسجلاً أكبر مكسب خلال التعاملات اليومية منذ 14 يناير/ كانون الثاني 1991، قبل أن يقلص مكاسبه إلى 12.45% إلى 67.7 دولار للبرميل، وقفزت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي بما يصل إلى 15.5% إلى 63.34 دولار للبرميل، وهو أكبر مكسب بالنسبة المئوية خلال يوم منذ 22 يونيو/ حزيران 1998، ولاحقاً، قلص الخام مكاسبه إلى 12.25% إلى 61.56 دولار للبرميل. معاناة الاقتصاد العالمي وفي حين ستتحدد شدة معاناة الاقتصاد العالمي من تداعيات ارتفاع أسعار النفط، على أساس مدة استمرار الأسعار المرتفعة، فإن هذا الارتفاع سيبدد الثقة الهشة للشركات والمستهلكين بالأوضاع الاقتصادية، في ظل تداعيات الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، وتباطؤ الطلب العالمي، وفي الوقت نفسه، تراجع أداء قطاع التصنيع في مختلف أنحاء العالم، ما أثر في نمو القوى الاقتصادية العالمية الكبرى.ونقلت وكالة «بلومبيرج» للأنباء، أمس، عن روبل سوبارامان، كبير خبراء الاقتصاد الكلي في فرع شركة الاستشارات المالية «نومورا هولدنجز» في سنغافورة القول: إن «التطور السلبي الحالي في إمدادات النفط العالمية، في ظل تباطؤ الاقتصاد العالمي، هو أمر لم نكن نريده الآن».وجاء ارتفاع أسعار النفط في ظل تزايد علامات التحذير بالنسبة للاقتصاد العالمي، فقد أشارت البيانات الاقتصادية الصادرة في الصين، امس، إلى أسوأ أداء للناتج الصناعي الصيني في شهر واحد منذ 2002، وفي يوليو/ تموز الماضي خفض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي التي وصلت بالفعل إلى أقل مستوياتها منذ تفجر الأزمة المالية العالمية في خريف 2008.ويتوقع صندوق النقد نمو الاقتصاد العالمي بمعدل 3.2% خلال العام الحالي، ثم بمعدل 3.5% في العام المقبل، وأن تحقيق معدل 3.3% أو أقل من ذلك، سوف يكون هو الأسوأ منذ عام 2009ويتفاوت تأثير ارتفاع أسعار النفط في دول العالم، فالاقتصادات الصاعدة التي تعاني حالياً عجزاً في الحساب الجاري والميزانية، مثل الهند، وجنوب أفريقيا، ودول أخرى، ستعاني خروجاً كبيراً لرؤوس الأموال، مع تراجع قيمة عملاتها، أما الدول المصدرة للنفط فتستفيد من زيادة إيرادات الشركات والحكومة، في الوقت الذي ستعاني الدول المستهلكة للنفط ارتفاع أسعار الوقود بما يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع معدل التضخم، وتراجع الطلب الاستهلاكي بشكل عام.وستواجه الصين مخاطر كبيرة، باعتبارها أكبر دولة مستوردة للطاقة في العالم، نتيجة ارتفاع الأسعار، كما ستتضرر الكثير من الدول الأوروبية التي تعتمد على استيراد الطاقة أيضاً، وفي حين لا يمثل تأثير أسعار النفط في التضخم هاجساً آنياً، فإن القلق الأكبر يتمثل في تراجع الطلب العالمي الضعيف بالفعل.لويس كوجيس: يحد من القدرة الشرائيةونقلت «بلومبيرج» عن لويس كوجيس، خبير الاقتصادات الآسيوية في مؤسسة «أوكسفورد إيكونوميكس» في هونج كونج، القول إن «التضخم ليس قضية في اللحظة الراهنة، لكن نقص إنتاج النفط وارتفاع الأسعار سيحدان من القدرة الشرائية، وبالتالي سيؤثران في الإنفاق في هذه اللحظة الحرجة للاقتصاد العالمي».وكان تحليل صادر عن صندوق النقد الدولي في 2017 أشار إلى أن ارتفاع أسعار النفط أكثر من 10% سنوياً سيقلص إجمالي الناتج المحلي للعالم بمقدار 0.1 نقطة مئوية لمدة عامين، في الوقت نفسه، فإن الأنباء الواردة من السعودية ستعزز فرص البنوك المركزية في العالم لتخفيف السياسة النقدية في ظل توقعات بارتفاع أسعار الطاقة، التي ستؤثر في المستهلكين.ديفيد مان: تخفيف السياسة النقدية خلال أسابيعيقول ديفيد مان، كبير خبراء الاقتصاد في بنك «ستاندرد أند شارترد» في سنغافورة، إن تطورات سوق النفط ستضيف مبررات جديدة لدى البنوك المركزية لكي تواصل السير في طريق تخفيف السياسة النقدية خلال الأسابيع القليلة المقبلة. بنيامين ديوكونو: خفض أسعار الفائدة وقال بنيامين ديوكونو، محافظ البنك المركزي الفلبيني، إن أسعار النفط المرتفعة ستكون على مائدة صناع السياسة النقدية في البنك المركزي عند اجتماعهم في الأسبوع المقبل لمراجعة السياسة النقدية، وتحديد أسعار الفائدة، كما يعقد البنك المركزي الإندونيسي اجتماعاً لمراجعة السياسة النقدية، يوم الخميس المقبل، في حين توقع معظم المحللين، ممن تم استطلاع آرائهم قبل وقوع الهجوم على منشآت النفط السعودية، خفض أسعار الفائدة الإندونيسية بواقع 25 نقطة أساس. فترة أطول قال مصدران مطلعان على عمليات أرامكو، أمس، إن عودة الشركة بالكامل إلى إنتاج النفط بكميات طبيعية «ربما تستغرق أشهراً»، وقال أحد المصدرين «ما زال (الوضع) سيئاً».وقال مصدران، أمس، إن شركة أرامكو أخطرت بعض العملاء بأنه تم استئناف تحميل السفن بعدما تعطل جراء هجمات يوم السبت، على منشآت نفطية سعودية، وقال المصدران استناداً إلى إخطار إن الشركة المملوكة للدولة قالت إن عمليات التحميل جارية.وقالت ثلاثة مصادر من شركات تكرير آسيوية كبرى، بينها أحد المصدرين اللذين اطلعا على إخطار التحميل، إن تحميل ناقلاتهم النفطية يمضي بشكل طبيعي اعتباراً من أمس.وقال مصدر «لدينا عدد قليل من الشحنات... قلقون من تأثير (الهجوم) لكن حتى الآن يبلغنا عملاء الميناء بأن الأمور تمضي على ما يرام».وقال مصدر ثان «لم يتأثر تحميلنا للنفط حتى الآن... لكننا بحاجة للاطلاع على الإخطار الرسمي منهم (أرامكو)... قد يستغرق الأمر المزيد قليلاً من الوقت لمعرفة التأثير». «أوبك» تقيّم من جهة أخرى، قالت مصادر إن «أوبك» تقيم تأثير الهجمات على المنشآت النفطية السعودية في سوق الخام، مضيفة أنه من السابق لأوانه اتخاذ أي إجراء لزيادة الإنتاج، أو عقد اجتماع للمنظمة.وقال مصدر في «أوبك» إن أمين عام المنظمة محمد باركيندو، بحث تطورات سوق النفط مع رئيس وكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول، أمس بعد هجمات على منشآت نفط سعودية، وأضاف المصدر أن باركيندو وبيرول أبديا رضاهما بشأن «احتواء السلطات السعودية للوضع»، واتفقا على مواصلة مراقبة السوق والإبقاء على اتصال دوري خلال الأيام المقبلة.وقال مصدران آخران في أوبك إنه في ظل وفرة مخزونات النفط العالمية، وغياب دلائل على أي نقص في السوق حتى الآن، لا توجد حاجة لأن تبحث أوبك بشكل رسمي تحركاً في الوقت الراهن.وقال أحدهما «لا يزال مبكراً الحديث في هذا الصدد»، وقال مصدر ثالث إن نطاق أي تحرك «لأوبك» لدعم الإمدادات من دون السعودية سيكون محدوداً. وتمتلك السعودية، أكبر منتج في «أوبك»، الجزء الأكبر من طاقة الإنتاج غير المستغلة.غير أن أعضاء آخرين، مثل الإمارات والكويت والعراق، لديهم طاقة فائضة 940 ألف برميل يومياً يمكن طرحها في السوق، بحسب بيانات وكالة الطاقة الدولية، وتفيد البيانات بأن معظم تلك الكمية في الإمارات والكويت، وتبلغ 620 ألف برميل يومياً، وتملك إيران طاقة إضافية ولكن الوكالة لم تحسبها بسبب العقوبات الأمريكية التي تحجب معظم صادرات نفطها عن السوق. «باركليز» يستبعد تقلصاً كبيراً للإنتاج قال «باركليز» في مذكرة، أمس الاثنين، إنه من المستبعد أن تقلص الهجمات الصادرات النفطية للمملكة على نحو كبير، إذ إنه بحوزتها مخزون يضم كمية كبيرة من النفط الخام والمنتجات البترولية.وقال «باركليز» إنه من المتوقع أيضاً أن تتطلع الأسواق لما بعد الاضطرابات على المدى القصير، إذ من المتوقع أن يتجاوز نمو الإمدادات من الدول خارج منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وتيرة نمو الطلب مجدداً العام المقبل.لكن البنك البريطاني أضاف أن الواقعة «قد تظل تفاقم العجز على المدى القريب في الأرصدة بسوق النفط، وتقلص الأريحية في المخزونات والطاقة الفائضة التي تلعب دوراً هاماً في تشكيل الأسعار».وقال «باركليز» إن الهجوم على منشآت نفط سعودية يثير تساؤلاً حول إمكانية الوثوق بالإمدادات من بلد بحوزته أيضا أغلب الطاقة الإنتاجية الفائضة في العالم، وأضاف «سيقدم هذا، بجانب زيادة علاوة المخاطر الجيوسياسية مع تقييم المستثمرين لاحتمالية إبرام اتفاق نووي جديد مع إيران بعد إعادة التفاوض، على الأرجح دفعة أكثر استمراراً لأسعار النفط». السعودية تستعيد ضخ ثلث الإنتاج توقع خبراء أن تستعيد السعودية، أمس، ضخ على الأقل ثلث الإنتاج الذي عطلته هجمات السبت على منشآتها النفطية، في مصنع بقيق، وحقل خريص.وقال وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، الأحد، إن المملكة ستستخدم مخزوناتها الضخمة للتعويض جزئياً عن تراجع الإنتاج، كما سمحت الولايات المتحدة باستخدام احتياطياتها. وأفادت نشرة «معلومات الطاقة» (إينرجي إنتليجنس) نقلاً عن مصادر في قطاع النفط، إن مجموعة أرامكو السعودية العملاقة «على وشك استعادة ما يصل إلى 40%» من الإنتاج الفائت، أي نحو 2,3 مليون برميل يومياً.ونقلاً عن مصادر مطلعة، كتبت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن الأمر سيستغرق أسابيع لاستعادة كامل الطاقة الإنتاجية للمنشآت.مع ذلك، قال أحد مصادرها «يجب أن نكون قادرين على إعادة ضخ مليوني برميل يومياً (في السوق...) بحلول يوم غد (الاثنين)».كما قدرت شركة الاستشارات «إينرجي أسبيكتس» أيضاً أن السعودية ستكون قادرة على استعادة ما يقرب من نصف الإنتاج المفقود في وقت مبكر الاثنين. وقالت الرياض السبت إنها ستنشر خلال 48 ساعة من الهجمات مستجدات عن الوضع، فيما تتطلع الأنظار إلى إعلان رسمي قد يطمئن الأسواق. وقال التلفزيون السعودي الاثنين، إن أرامكو مستعدة لإعادة تشغيل منشآت خريص التي تعالج 1,5 مليون برميل في اليوم. بكين تمتلك الصين، أكبر مستورد للنفط السعودي، احتياطياً استراتيجياً كبيراً، ولكن آخر معلومات متاحة عن حجم هذا الاحتياطي ترجع إلى إبريل/ نيسان 2017.ويقدر روبرت ريان، خبير الطاقة في (بي.سي.ايه ريسيرش) المخزون الاستراتيجي للصين عند 510 ملايين برميل. برلين قالت الحكومة الألمانية، أمس، إن إمداداتها النفطية لم تتأثر بالهجمات على المصافي السعودية، وإن أي قرار بالسحب من الاحتياطيات الاستراتيجية يجب أن يكون بالاشتراك مع أعضاء وكالة الطاقة الدولية.وقالت متحدثة باسم الوزارة «إمدادات النفط في ألمانيا غير متأثرة في الوقت الحالي، بناء على ما لدينا من معلومات، المصافي ستُغلق ما يصل إلى أسبوعين، ولن يكون لهذا أثر مستمر في إمدادات النفط العالمية». نيودلهي قالت وزارة النفط الهندية، أمس، إن «أرامكو» أبلغت شركات التكرير الهندية أنه لن يكون هناك نقص في الإمدادات، وأضافت الوزارة أنها تراقب الوضع عن كثب، وأنها تجري محادثات مع شركات تكرير هندية «وأرامكو» السعودية. موسكو قال وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، أمس، إن هناك مخزونات عالمية كافية لتعويض إمدادات النفط التي فقدتها السعودية مؤقتاً، بفعل الهجمات على منشأتين نفطيتين لشركة أرامكو، ولدى سؤاله عما إذا كانت روسيا مستعدة لزيادة إنتاجها، قال «الآن، نعلم أن العالم لديه مخزون تجاري كاف لتغطية النقص، على الأجل المتوسط». سيؤول قالت كوريا الجنوبية، أمس، إنها ستدرس سحب نفط من احتياطيات الخام الاستراتيجية إذا تدهورت أوضاع واردات النفط الخام، وقالت وزارة الطاقة الكورية الجنوبية في بيان، إنها لا تتوقع تأثيراً في المدى القصير بشأن الحصول على إمدادات النفط الخام من السعودية.وقالت الوزارة «ستبذل الحكومة قصارى جهدها لحفظ استقرار وضع الطلب والعرض والأسعار، مثل دراسة السحب من احتياطيات النفط إذا ساء الوضع». بانكوك قال وزير الطاقة التايلاندي، سونتيرات سونتيجيراونج، أمس، إنه يمكن لبلاده إيجاد مصادر أخرى لوادات النفط إذا كان هناك تأثير طويل المدى للهجمات على منشآت «أرامكو» في المملكة العربية السعودية.
مشاركة :