الشارقة: محمدو لحبيب كل شيء في مسيرة الشاعرة شيخة المطيري الإبداعية، بدأ بالحديث إلى الجدران البيضاء، والبيضاء فقط، كانت تبثها أفكارها، مشاعرها، وتحكي لها خواطرها، كأنها تتحدث إلى صديقة حميمة، وهي تقول عن ذلك: «كنت مغرمة بالحديث مع الجدران البيضاء في منزلنا، آنذاك كان عمري في حدود الرابعة، كنت أتكور أمام الجدار، وأخبره بكل شيء، كنت أتخيل أنه صديقي، وربما كنت أنطلق من فكرة مفادها الإشفاق عليه، ذلك أني كنت أعتقد أن كل الجمادات التي حولنا هي كائنات مسكينة تستحق التعاطف والشفقة، والاحتفاء بها، ومعاملتها بحنان، حتى أنني آنذاك كنت أشفق على المُكيِف المسكين الذي يعمل ساعات من دون توقف، من هنا نشأت علاقتي بالمكان من حولي».طفولتها الحساسة تلك والتي تنشغل بالتقاط تفاصيل الحياة من حولها، لم تقتصر على الجدران، بل انعكست في أشياء أخرى، ربما بدت متماهية مع أي طفلة فيها، وهي اللعب مع الدمى، لكنها تميزت بروح الشاعرة التي تسكنها منذ ولادتها سنة 1980م.لقد صنعت مبكراً صالونها الشعري الخاص، حين حولت مفهوم اللعب مع دُماها، إلى جلسة قراءة يومية لتلك الدمى، ولأبرز القصائد التي كانت تحفظها هي، وتقول مفسرة ذلك العالم الخاص الذي ابتكرته: «كنت أنهمك في اللعب مع الدمى حتى أتجاوز فكرة اللعب نفسها، فيتحول الموضوع عندي إلى جلسة قراءات شعرية، أطلب فيها من كل دمية أن تقرأ قصيدة ما، طبعاً لن ألزمها بما لا أحفظ أنا، ففي الواقع كان الأمر يشبه مسرح الدمى التي أحركها، وأقرأ على لسانها كل ماهو متاح لي من قصائد في تلك الآونة، ربما ساعدتني مكتبة والدي الغنية بالدواوين الشعرية على تكرار اللعبة كل يوم، وأغلب القصائد التي كانت «تقرأها» الدمى، هي قصائد للشاعر شهاب غانم، ولسلطان خليفة الحبتور، وكي أضبط القراءات، وأضمن استمرارها، أخذت من المكتبة كل الدواوين وجمعتها في غرفتي».يومياتها التي امتزج فيها الشغف باللعب، مع الشغف بالحرف والقصيد، جعلت ينابيع الإحساس بالكلمة، تنفجر وتضيء وعيها بملايين الشموس، وانعكس ذلك لا في كتابتها للشعر فقط، بل حتى في قراءتها له، فالقراءة عندها تعادل البحث عن النص المفقود، أو المعنى الذي يعبر عنها، وتقول عن ذلك: «ثمة نص أردت أن أكتبه، لكني وجدته مكتوباً وهو (ذرات الحنين) لخليفة الحبتور، حين كنت أقرأه في طفولتي، كنت أراه نصي، الذي يشبهني، بطريقة ما تعلمت منه كيف أتحدث إلى القصيدة، بعد أن تحدثت لفترة إلى الجدران البيضاء».إحساسها الفائق بالكلمة يجعلها في كل مرة تلقي فيها الشعر تبدو كما لو أنها تلقي وردة لسامعيها، وجمهورها، ولعلها أرادت التعبير عن تلك الحالة في مقطع شعري لها حين قالت: ««أحاول أن أتخلص من وردة سكنتني.. تحبك.. يا ماءها لا تطيق الحياة التي لست فيها».الموسيقى عندها صنو الشعر، وتوأم روحه، وهي تقول عن تلك العلاقة الخاصة: «في البدايات لم أكن أعرف كيف أقرأ القصيدة من دون أن ألحّنها، ربما لتأثري بالأناشيد المدرسية، ربما لأنني كنت أعزف البيانو، ما أنا أشعر به حتى الآن هو أن في روحي تراكمات من اللحن والكلمة، وربما لذلك يحدث أن أتأثر جداً بمقطع موسيقي ما».في مفرداتها ترى من دون عناء لغة خاصة كأنها تستمد حياتها ووجودها من أعماق قلبها، ومهما تعددت أشكال تلك المفردات، ومهما تنوعت اللغة عندها بحسب المواقف الشعرية بالحالات الشعورية كالحزن، أو الفرح، أو الأمل، أو الانتظار، أو الارتحال خلف عوالم الدهشة، إلا أنها ستظل دوماً موسومة بذلك النفس الشعري، الذي يميزها كأنه توقيع نادر لفنانة تشكيلية ترسم بالكلمات.المتأمل في سيرة المطيري يكاد يجزم أن ولادتها الحقيقية كانت في المكتبة، ولها عندها وفي بيتها تحديداً حضور متميز، ولها معها ذكريات تتماهى مع بداياتها الشعرية، وتقول عنها: «في عمر 6 سنوات سعيت لإشباع رغبتي وحاجة عقلي للقراءة بخلاف المحفوظات والأناشيد المدرسية، وفي عمر السابعة اكتشفت مكتبة المنزل، وتعرفت إلى الدواوين الموجودة فيها، وتعلقت بإصدارات الدكتور مانع سعيد العتيبة، وكنت أحفظها، وما أن بلغت الثامنة من عمري حتى كتبت أول قصائدي ثم كتبت نصاً نثرياً، وبعد ذلك تطور الأمر معي فصرت أبيع بعض مقتنياتي الخاصة، في سبيل اقتناء الكتب والتمتع بفكرة شرائها من حر مالي». أريج القصيدة تعامل المطيري مع القصيدة هو تعاملها نفسه مع الوردة، إنها لا تبرمج مسبقاً كيف تكتبها، ولا ما الشكل الذي تحاول الوصول إليه، ولا إن كانت ستكتب تفعيلة، أو تكتبها عمودية متناظرة خليلية، إنها تترك لأريج القصيدة الذي يهب من أعماق روحها، أن ينسكب عطراً على أديم كتابتها، ثم يتشكل بسلاسة ومن دون تكلف، ثم بعد ذلك تتأمله وتسميه بحسب مسمياته النقدية المعروفة في الشعر، وهي تقول لنا عن ذلك: «لا أفكر مسبقاً كيف سأكتب القصيدة، ومقتنعة أنني إذا فكرتُ فلن أتحدث، ولن أكتب»
مشاركة :