فقد الوسط المسرحى واحدا من أهم أساتذة الدراما فى الوطن العربي، صاحب تاريخ طويل حافل بالإبداع والمقالات النقدية النزيهة، له أكثر من خمسين مرجعًا، فكان يناقش أدق التفاصيل فى مقالاته، وأحد تلاميذ الكاتب المسرحى الألمانى برتولد بريخت، وقد كان على صلة دائمة بعائلته، إنه الدكتور أحمد سخسوخ الذى رحل فى هدوء تام، فجر الأحد الماضي، عن عمر ناهز 72 عاما بعد صراع مع المرض. رثاه مجموعة من المثقفين والمسرحيين على رأسهم الدكتورة إيناس عبدالدايم وزيرة الثقافة قائلة: إن ميدان النقد المسرحى المصرى والعربى فقد أحد فرسانه، مشيرة إلى أن الراحل ترك إرثا ثمينا فى فن المسرح والدراما سيبقى خالدا فى تاريخ هذا المجال، بينما رثاه الفنان إسماعيل مختار، رئيس البيت الفنى للمسرح قائلا: إن المسرح المصرى خسر قيمة مسرحية كبيرة أثرت فى أجيال متعاقبة من المسرحيين، إلى جانب مجموعة أخرى من زملائه وتلاميذه فى معهد الفنون المسرحية بأكاديمية الفنون. قال الناقد المسرحى أحمد خميس، إن الناقد الدكتور أحمد سخسوخ واحد من أبرز نقاد المسرح فى الوطن العربي، تتلمذ على يد تلاميذ الكاتب المسرحى الألمانى برتولد بريخت، وكان على صلة مباشرة بعائلة بريخت.وأضاف خميس، لـ"البوابة نيوز"، أنه فور عودته من ألمانيا بدأ فى برنامج تدريبى لطلاب معهد الفنون المسرحية والنقد تتناول المنهجية الحقيقية للمسرح فى شكلة المتطور، والأفكار المغايرة لأرسطو، والمناهج البحثية المختلفة، نظرا لأنه كان تلميذا مباشرا للدراسات الجديدة لمارتن أسلن، ومتفتحا تماما بقدر هذا الوعي، نجح فى فى تمرير هذه المناهج لتلاميذه، وتوليد فكرة الدخول الصحيح حول تاريخ الدراما المسرحية، والعرض المسرحي، والبحث العلمي.وأوضح خميس، أن سخسوخ كان يضع طلابه دائما أمام مسئولية مباشرة، من خلال مشاركتهم فى عمل بحثى واحد، ويضع كل واحد منهم أن يعبر عن فهمه لطبيعة البحث المقدم، فكان ينمى فى طلابه فكرة الجرأة الكافية بشكل علمى صحيح لمواجهة الجمهور، مؤكدا أنه أحد أهم المنظرين للدراما فى أكاديمية الفنون، وكان واحدا من المسئولين عن الندوات الفكرية لمهرجان القاهرة الدولى للمسرح المعاصر والتجريبي، ويجمع بين النقاد والمخرجين والكتاب الأجانب والعرب حول ندوات علمية مختلفة قد تحدث جدلا حول الأطر المنهجية فى المسرح التجريبي، لديه أكثر من ٥٠ مرجعا، وقدم أكثر من عرض مسرحي، فهو بمثابة تاريخ طويل فى النقد ومعلم يناقش أدق التفاصيل فى مقالاته النقدية وكذلك مع تلاميذه. فيما أعرب المخرج المسرحى عمرو قابيل عن حزنه لرحيل الناقد الدكتور أحمد سخسوخ قائلا: لحظة الوداع عندما رحل عنا هذا المعلم والصديق أيضا، ليس المحزن والمؤلم بالنسبة لى هو رحيله فكلنا راحل، وكل من يرحل نتأثر لحظات لرحيله ثم تعود الحياة كما كانت وكأن شيئا لم يكن، ولكن المؤلم حقا هو حالة الوحدة والانزواء التى عاشها قبل رحيله، حيث رأيت فى عينيه حين قابلته صدفة منذ عام نظرة حزن عميقة تشى بالألم من الوحدة وجحود الآخرين قائلا: «كلمنى يا عمرو وعرفنى أخبارك دايمًا».وأضاف قابيل، أنه لم يشتك أبدا، وكانت عزة نفسه هى عنوان شخصيته التى منعته من ذلك، لم يشتك من الجحود ولا الوحدة ولا حتى المرض الذى كان ينهش فى جسده، ولكنى تعرفت ذلك من نظرة عينيه، فقد كان صادقا شفافا تقول عيناه الصدق دائما حتى ولو كان على خطأ، لحظة لقائى الأخير به منذ عام فى كافتيريا الهناجر، والآن فقط فهمت معناها فقد كانت لحظة الوداع.وأوضح قابيل، أن الدكتور سخسوخ كان صداميا بعض الشىء، لدرجة كانت من الممكن تجعلك لا تتقبل أسلوبه أحيانا، وتجعل الكثيرين على خلاف معه أحيانا أخرى، ولكن الكل بلا استثناء- حتى الذين اختلفوا معه- يشهدون بأنه أبدا لم يكن منافقا، بل كان يمتلك قدرا من النبل ندر فى هذا الزمان.
مشاركة :