أراد يوسف البحث عن شقة للإيجار في إحدى المناطق السكنية، فاستعرض عبر الشبكة العنكبوتية عددا هائلا من الشقق المعروضة للإيجار، ولما عثر على مبتغاه بشقة مناسبة وفق رغبته في المنطقة التي يريد، عمد إلى التواصل مع الأرقام المعروضة، ليقع من حيث لا يدري وسط شبكة «مافيا» تدير عمليات تأجير الشقق وتتحكم بأسعارها.فبعد الاتصال مع الرقم المعروض، كانت أولى عمليات التلاعب بإعطائه موعدا في الجمعية التعاونية الخاصة بالمنطقة، وليس في موقع الشقة التي لم يكن على الإعلان عنوان لها سوى اسم المنطقة، وبعد أن التقاه في الجمعية وتأكد «المؤجر» من شخصيته وجديته في الاستئجار قاده إلى الشقة المقصودة، حيث عاينها وأعجبته، لكنه اكتشف أنه يتعامل مع وسيط وليس صاحب المبنى أو مكتباً عقارياً، وهو أمر لم يرتح له، فانسحب.قصة يوسف تلك - وغيرها من القصص المشابهة - تكشف عن وجود «مافيا» يقودها أشخاص سيطروا على سوق تأجير الشقق والعقارات في مناطق السكن الخاص، واستطاعوا أن يهيمنوا على «تطبيقات» إلكترونية، ومواقع التواصل الاجتماعي المتخصصة بتأجير المنازل كاملة والشقق بعد تقسيمها، إضافة لقدرتهم على رفع القيمة السوقية للعقارات المؤجرة، ووضع حد أدنى للأسعار بالتوافق في ما بينهم. هؤلاء السماسرة تخفّوا تحت اسم شركات عقارية وهمية لا أساس لها، ومعظمهم يزاولون النشاط من دون ترخيص، وبالتالي تمكنوا خلال فترة قصيرة من إنشاء سوق سوداء مقسمة لمناطق، وكل مجموعة منهم تستولي على قطع سكنية محددة في المنطقة، بهدف منع دخول أي وسطاء لها. «الراي»، وبعد اطلاعها على قصة يوسف والقضية، تواصلت مع عدد من هؤلاء السماسرة، باحثة عن شقة للتأجير، وكان حديثهم عبر الهاتف قصيراً جداً في مدته الزمنية، ومحدداً، مستفسرين فيه عن الشقة المراد تأجيرها فقط، والجنسية، وعند طلب العنوان لمعاينة الشقة كان ردهم بالرفض القاطع، وأن اللقاء سيكون في مواقف الجمعية قبل الذهاب للمعاينة.وفي حوار مع أحد هؤلاء السماسرة في موقف جمعية سلوى، سألته «الراي» عن سبب الحرص الشديد، وعدم إرسال عنوان الشقة، ليرد قائلاً: «نحن شركة، وإن كان هناك تعاقد فلابد أن يكون عن طريقنا، لا عن طريق مالك العقار بشكل مباشر». ومع التشديد على معرفة السبب، أوضح السمسار أن «هذه المنطقة تتبع لمجموعة معينة فقط، وأي شقة تؤجر تكون عن طريقهم، ليحصلوا على العمولة من الزبون»، وهي تبلغ 50 في المئة من قيمة العين المؤجرة.وفيما طلبت «الراي» من السمسار أن يُخفض قيمة الإيجار، كما هو مدوّن في «التطبيق»، رفض فوراً، مؤكداً أن القيمة يحددها مالك العقار، ولا علاقة له بها، وهو الكلام الذي اكتشف في ما بعد أنه غير صحيح، إذ إن قيمة الإيجار يحددها السمسار، وليس المالك، حيث يقوم المالك بتحديد حد الإيجار الشهري الذي يريده، وما يزيد عليه يكون من نصيب السمسار شهرياً، نظير توفير خدمات الصيانة، وراتب الحارس وغير ذلك.وفي جولة ميدانية قامت بها «الراي» على بعض الشقق في منطقتي سلوى والرميثية، تبيّن وجود عقارات عدة حوّلها هؤلاء السماسرة إلى شقق مصغرة مخالفة للقانون تضم عوائل آسيوية، وبعضها يقطنها العزاب بالمخالفة لتوجه بلدية الكويت القاضي بإخلائهم من السكن الخاص والنموذجي، ناهيك عن احتكارهم للساحات، ومواقف المدارس، الذي نتج عنه ازدحام مروري، وتكدس للمركبات، ما أدى إلى عرقلة السير في معظم المناطق.وتعليقاً على هذا الأمر، قال أمين سر اتحاد العقاريين قيس الغانم، إن «المافيا» يقودها عدد من السماسرة من جنسية محدّدة، يتخذون من المنصات الإلكترونية والتطبيقات العقارية، وسائل للوصول إلى الزبائن.وأكد الغانم لـ«الراي» أن هؤلاء يعملون على رفع القيمة الإيجارية للعقارات لأنهم «يتفقون مع المالك على أن أي قيمة تزيد على الحد الذي يحدّده المالك سيكون من نصيبهم شهرياً مقابل خدمات محددة ومتابعة شؤون العقار». ولفت إلى أن «هؤلاء يعملون من دون أي سند قانوني أو رخصة، حيث يتهربون من العمل تحت نطاق رخصة شركة لأنها ستكلفهم رسوماً».وأوضح أن «هذه المافيا ظهرت بسبب ملاك عقار يحبون تسلم أموالهم على البارد المستريح، من دون تكلفة أنفسهم عناء البحث عن المستأجر، ومفاصلته على القيمة الإيجارية، وصيانة العقار، ودخول المحاكم في حال حدوث خلافات، ما يدفعهم للجوء إلى هؤلاء الأشخاص لتخليصهم من هذا الجهد كله».وبيّن أن هؤلاء السماسرة يعملون كفريق واحد على الرغم من اختلاف مسمياتهم على المنصات والتطبيقات، حيث إن الباحث عن أي شقة للإيجار أو منزل سيجد نفسه في نهاية المطاف يدور في حلقة مفرغة، «إذ إن هناك أفراداً يسيطرون على عملية التأجير في مناطق محددة، يتفقون على قيمة إيجارية، ونسبة تخفيض محددتين لا ينزلون عنها وبذلك سيخيّل للباحث أن معدل التأجير يدور في الفلك الذي يمليه هؤلاء».وذكر الغانم أن هؤلاء يشترون دفتر وصولات وفواتير من المكتبات وليس لديهم أي كيان قانوني يمكن محاسبتهم استناداً إليه، كما أنهم يحصلون على وكالة من صاحب العمارة أو المنزل لتمثيله في المحاكم في حال حدوث أي نزاع.وكشف الغانم أن اتحاد العقاريين بحث و»الخدمة المدنية» أخيراً توحيد عقود الإيجار وجعلها إلكترونية، وذلك بهدف الحصول على إحصائيات دقيقة.
مشاركة :