لكل معرض ساعات شخصيته ونكهته، وأكبر مثال على هذا معرضا جنيف وبازل وورلد، على الرغم من أنهما يقامان في نفس البلد. لكن يبدو أن طبيعة المدن ومواقعها الجغرافية تحدد هذه الشخصية والنكهة، فبينما الأول نخبوي يركز على الشركات التي تنضوي تحت أجنحة مجموعة «ريتشموند» العالمية أكثر، فإن الثاني، المقام في مدينة بازل أكبر حجما وعددا، كما يحتضن شركات أكثر تنوعا واختلافا في أسعارها والأسواق التي تتوجه إليها. الكثير من المشاركين يشتكون من التنوع الهائل في معرض بازل، لما يسببه من تعب، لكنهم سرعان ما يعقبون أنه أيضا ممتع وديمقراطي إذا أخذنا بعين الاعتبار أن أسعار بعض ساعاته قد تقدر بـ500 دولار أميركي فقط، وهو ما لا يمكن أن يحصل في معرض جنيف. يعود السبب أن بعض بيوت الأزياء لا تزال تقدم فيه ساعاتها على شكل إكسسوارات موضة، وإن بدأت أغلبها تدير ظهرها لهذا الجانب وتركز على صناعة ساعات فاخرة في السنوات الأخيرة. لهذا، فإن تسمية أو نعت هذه الابتكارات بساعات أو إكسسوارات الموضة من شأنه أن يغضب هذه البيوت، التي تحاول جاهدة أن تمحي هذه الفكرة من الذهن، وترسخ مكانها صورة تجعلها في مصاف الشركات المتخصصة والعريقة. لتحقيق هذا الهدف، تستعين أحيانا بهذه الشركات لكي تصنع حركاتها، أو تفتتح معامل خاصة بها تحت إشراف حرفيين لهم باع طويل يصبون فيها كل ما أوتوا من خيال وطول بال. والحقيقة هم محقون في غضبهم، لأنه من الخطأ القول إن الابتكارات الأخيرة من ساعات «شانيل» أو «ديور» أو «بيربري» أو «لويس فويتون» أو «هيرميس» أو «إمبوريو أرماني» لا توازي بمعاييرها ومواصفاتها التقنية ما تطرحه شركات «مثل جيجير لوكولتر» أو «أوديمار بيغيه» و«رولكس» وغيرها من الشركات المتخصصة في صناعة الساعات. من بين الساعات التي نجحت في الاستحواذ على الاهتمام في معرض بازل وورلد الدولي للساعات، مثلا: ساعة «ديور V111 غران بال فيل دوغ» Dior VIII Grand Bal Fil d’Or المحدودة والمصنوعة من الذهب الوردي والسيراميك، والمطعمة بالماس. وكما يوحي اسمها «فيل دوغ» فقد تمّ تطريزها بخيوط من الذهب، لأنها لا تريد أن تنسى أنها تنتمي إلى دار متخصصة في الـ«هوت كوتير» والفخامة. ساعة «جي12 توربيون فولون سكوليت»، Chanel J12 Tourbillon Volant Squelette Haute Joaillerie: أبدعها قسم الساعات والجواهر الرفيعة بالدار، بعدد محدود لا يتعدى الـ12 نسخة فقط، وهي مصنوعة من الذهب الأبيض والسيراميك الأسود، وتزيّنها نجمة مرصعة بالماس. غني عن القول إنها جمعت جمال الظاهر بتعقيدات الجوهر ما يجعلها تحفة فنية بكل المقاييس. وأيضا ساعة «تامبور مونوغرام صان توربيون من لويس فويتون» Louis Vuitton Tambour Monogram Sun Tourbillon: المصنوعة من الذهب الوردي والمرصّعة بالماس. بدوره، دخل جيورجيو أرماني المنافسة السويسرية من خلال مجموعته «إمبوريو أرماني سويس مايد» التي عرضها هذا العام في جناح خاص ومستقل يليق بمستواها الرفيع. فقد أضاف إليها مجموعة من الوظائف والتعقيدات المتطورة، كما هو الأمر بالنسبة لساعات «جي إم تي» (GMT) التي تتيح لمرتديها مشاهدة منطقتين زمنيتين مختلفتين، أو ساعة «كرونوغراف» رجالية بعلبة من الذهب الوردي وميناء رمادي غامق، كلاسيكية لا يمكن ربطها بزمن معين، نظرا لعلبتها الدائرية المستوحاة من حقبتي الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي. جيورجيو أرماني لا ينكر أنه عندما أطلق ساعات «إمبوريو أرماني» لأول مرة في عام 1997، كانت متأثرة بالموضة، لكنها تغيرت مع الوقت وأصبحت أكثر تعقيدا. الحديث هنا لا بد وأن يجرنا إلى ساعة «سليم هيرميس» Slim d’Hermès، أول مجموعة تخاطب الرجل والمرأة على حد سواء بتوقيع دار «هيرميس». هي أيضا أول مجموعة تصدر تحت إشراف مديرها الدار الفني الجديد، فيليب ديلوتال، الذي قدم إليها من «باتيك فيليب». وتعتبر هذه المجموعة ثمرة استراتيجية بعيدة المدى، هدفها ترسيخ مكانة «هيرميس» في عالم الساعات الميكانيكية السويسرية الجديرة بالاحترام، بعد أن عانت حتى الآن من كونها الحلقة الأضعف بين منتجات الدار التي تشهد إقبالا لا مثيل له. ففي نهاية عام 2014، وعندما كشفت الدار عن ارتفاع في مبيعاتها بنسبة 11 في المائة، وتحقيقها نموًا في 13 من بين 14 قطاعا داخل الشركة، كان القطاع الـ14 والأضعف هو الساعات، لأنه كان الوحيد الذي شهد تراجعًا بنسبة 11 في المائة. السبب كما فسرت الدار، يعود إلى تباطؤ نمو السوق الصينية، بسبب الحملة الصارمة التي شنتها الحكومة الصينية ضد تقديم الهدايا ما أثر على مبيعات المنتجات المرفهة عموما والساعات خصوصا. كل هذا تنوي الدار تغييره في عام 2015، بتوفيرها كل الوسائل اللوجيستية للارتقاء بصناعة ساعاتها. ففي عام 2006، استثمرت في شراء مصنع «ناتبير» للأقراص المدرجة، والشركة المتخصصة في حركة الساعات «فوشير مانيفاكتور فلورييه»، وورشة صناعة أحزمة اليد الجلدية للساعات «إل إم إتش ليزر». ولم تنس توظيف عاملين بخبرات عالية، مثل المتخصص في صنع علب الساعات جوزيف إرارد. نتيجة هذه الاستعدادات التي بدأت في 2006، ولدت ساعة «سليم د هيرميس» البالغ قطرها 39.5 ملليمتر بالكامل تقريبًا داخل منشآت الشركة، باستثناء الإبزيم والعقارب. ولا شك أن هذا سيساعدها على بيع ساعات أكثر تعقيدًا مستقبلا، وليس مجرد ساعات موضة. يشير لوكا سولكا، رئيس قسم أبحاث المنتجات المترفة بشركة «إكسين بي إن بي ياريبا» الاستثمارية بأن قوة التنافس في مجال الساعات الفاخرة حاليا، تُحتم الاستثمار في المصداقية والثقة للحصول على نصيب من السوق والحفاظ عليه، وهو ما يشجع الكثير من الشركات وبيوت الأزياء التي دخلت هذا المجال بكل ثقلها، من امتلاك مصانع خاصة بها، أو التعامل مع شركات لها سمعة عالمية وموثوق بها. فبيوت الأزياء لها مصلحة في بناء سمعة تسمح لها ببيع منتجاتها بأسعار عالية تتناسب مع صورتها البراقة أكثر من غيرها. ويؤكد الخبراء أن العملية ليست مستحيلة، مستشهدين بدار كارتييه، التي دخلت صناعة الساعات من باب تصميم الجواهر، وحققت نجاحا منقطع النظير، يحسدها عليه الكثيرون. فهي الآن واحدة من أهم الأسماء العالمية لصناعة الساعات الفاخرة ذات التقنيات والتعقيدات العالية، وعلى ذات مستوى أسماء رفيعة مثل رولكس وأوميغا وغيرهما. وهذا ما يُطمئن ويشجع بيوت أزياء وجواهر أخرى على الاستمرار والتطوير حتى إذا لم تنجح الآن في تغيير الصورة، فحتما سيكون لها شأن في غضون 20 أو 30 عاما. المهم هو الالتزام ورسم استراتيجيات بعيدة المدى. أمر يعرفه جيدا، جان كريستوف بابان، الذي تولى منصب الرئيس التنفيذي لدار «بلغاري» عام 2013 بعد قضائه 10 سنوات في «تاغ هيوير». يشير إلى أن زبائن المنتجات الفاخرة، في عصر المعلومات، يتطلعون إلى العلامات التجارية الأصيلة التي تتمتع بإرث، عندما يريدون الحصول على قطع فريدة. ولا يتعلق الأمر بالتصميم فحسب، بل أيضا بالخبرة والأصالة والحرفية. فعندما يشتري أي أحد ساعة من باتيك فيليب، مثلا، فهو يعرف مسبقا بأنه حصل على قطعة يمكنه الاستثمار فيها. أما عندما يشتري ساعة من أي من بيوت الأزياء، فإنه يشتري الاسم والأناقة، وفي حال كان هاويا للساعات المعقدة، فإنه يتوقع أن يتوازى جمال التصميم مع الحرفية والدقة بالداخل، وهو ما يجعل التحدي أكبر بالنسبة لهذه البيوت، ويجعلها تقوم بجهود مضاعفة لكي تتألق وتتميز بين الكبار، والأهم من هذا إقناع الزبون بأنها لا تقل تعقيدا من غيرها. * حسب دراسة أجرتها شركة «ديجيتال لكجيري غروب إنتليجنس» المعنية بمراقبة اهتمامات العملاء من خلال إجراء بحوث عبر الإنترنت، فإنه في الوقت الذي يتزايد فيه الاهتمام بالأسماء التجارية رفيعة المستوى، مثل «بلغاري» و«كارتييه» و«شانيل» و«شوميه» و«شوبارد» و«ديور» و«هيرميس» و«لويس فويتون» و«رالف لوران» و«تيفاني»، بنسبة 4 في المائة ما بين عامي 2013 إلى 2014، فإن هذا الرقم أقل من الـ23 في المائة هي نسبة في زيادة الاهتمام بشركات عريقة، مثل «أوديمار بيغيه» و«فرانك مولر» و«باتيك فيليب» و«فاشرون كونستانتين».
مشاركة :