يعتقد الكثيرون أن التكنولوجيا الحديثة هي ظاهرة وليدة اللحظة لم تعرفها العصور الوسطى، وهو خطأ شائع يتفشى من الحين للآخر، فإذا كنت تعتقد أن التكنولوجيا من سمات العصر الحديث، فحتمًا يجب تذكيرك بالمفهوم الحقيقي لمصطلح التكنولوجيا، فهو يتكوّن من مقطعين؛ الأوّل: تكنو، ويعني حرفة، أو مهارة، أو فن، أما الثاني: لوجيا، فيعني العلم أو الدراسة، لذا فإنّ كلمة تكنولوجيا تعني علم الأداء أو علم التّطبيق. شهدت العصور الوسطى ازدهارًا في العلوم الإسلامية، وهو ما أدى إلى ظهور التكنولوجيا في كثير من المجالات؛ منها “التصوير والطيران والساعات والطاقة وعلوم الروبوتيات”؛ حيث أسهم التقدم العلمي والتكنولوجي خلال هذا العصر في تقارب الشعوب، وأتاح للبشرية التعرف على الكثير من الثقافات العلمية المختلفة. لذلك، في هذا المقال نُلقي الضوء على أبرز الإبداعات والابتكارات التكنولوجية التي شهدتها العصور الوسطى. أول روبوت في التاريخ انتشار ظاهرة الروبوتات لم تكن حديثة العهد كما يظن البعض، فإن أول من صنع الروبوت هو العالم والمهندس والمخترع أبو العز إسماعيل سيد الرزاز؛ الملقب بـ «الجزري»؛ حيث تمكن بعبقريته الميكانيكية من صناعة أول روبوت بشري ذاتي الحركة في التاريخ، وهو عبارة عن آلة على شكل خادمة بجانب حوض لغسل اليدين، وتملأه بماء نظيف كلما فرغ. وقدم «الجزري» إنجازًا آخر عبارة عن روبوت لفتاة تُقدم الماء والشاي والمشروبات، في هذا الجهاز يكون المشروب مخزنًا؛ بحيث يقطر في وعاء وبعد بذلك بسبع دقائق يُصب في كوب لتخرج الفتاة الروبوتية بعد ذلك من باب في الجهاز لتقدم المشروبات. وفي الحقبة الذي كان يعيش فيها “الجزري” لم يكف عقله عن الابتكار؛ حيث اخترع الكثير من الآلات والوسائل الميكانيكية والهيدروليكية التي ظهر أثرها في التصميم الميكانيكي للمحرك البخاري ومحرك الاحتراق الداخلي والتحكم الآلي، والتي لا تزال آثارها ظاهرة حتى الآن. ومن أبرز تصميمات «الجزري»؛ المضخة ذات الأسطوانتين المتقابلتين وهي تقابل حاليًا المضخات الماصة والكابسة، وتصميماته لنواعير رفع الماء عن طريق الاستفادة من الطاقة المتوفرة في التيار الجاري في الأنهر. تقنية الاسطرلاب في هذه الوسيلة التكنولوجية يُمكننا تأكيد أن العامل التكنولوجي له جذور ممتدة تصل إلى آلاف الدهور، لذلك يمكننا القول إن تقنية «الاسطرلاب» كان بمثابة جهاز كمبيوتر في العصور الوسطى. وشهدت تقنية «الاسطرلاب» تطورًا كبيرًا على يد الكثير من العلماء المسلمين منذ عام 800م؛ حيث كانوا يستخدمونه في قياساتهم الفلكية ولمعرفة أوقات الصلاة. والاسطرلاب هو نموذج ثنائي الأبعاد للسماء، يُبين كيف تبدو السماء في مكان وقت محددين. تُعد تقنية الاسطرلاب أحد أنواع أجهزة الكمبيوتر التناظري، ويتم توظيفه في الاستطلاعات وحل الأمور التي تتعلق بمواقع الأجسام الكونية، مثل الشمس والنجوم وعلاقتها بالوقت، كما يُمكن من خلال هذه التقنية معرفة الوقت ليلاً أو نهارًا ومعرفة أوقات الأحداث الفلكية، مثل شروق الشمس وغروبها. ويرجع الفضل الأول في اكتشاف هذه التقنية إلى علي بن خلف الشكاز والزرقالي في طليطلة بالأندلس، بصناعة أول اسطرلاب عالمي يمكن استخدامه في أي مكان بالعالم. اختراع ساعة الفيل أسهمت التكنولوجيا في العصور الوسطى في تشكيل العقول والثقافات العلمية المختلفة؛ حيث حملت هذه الفترة الكثير من الاكتشافات والابتكارات التي يعود الفضل الأول لها للعالم والمخترع المسلم “الجزري”. ابتكر الجزري «ساعة الفيل» التي تعمل عن طريق نظام ماء متدفق في بطن فيل صُنع بطريقة رائعة، وينقسم هذا الابتكار إلى 6 أجزاء، كل جزء يحمل عناصر ثقافة معينة: «العربية، الفرعونية، الإفريقية، الإغريقية، الصينية والهندية». ونظرًا للنجاح الكبير الذي حققه هذا الابتكار، صُنعت من تلك الساعة العديد من النسخ وتم وضعها في عدة دول؛ منها متحف سويسرا المتخصص في تاريخ تطور آلات قياس الوقت، كما توجد نسخة فائقة الدقة في جامعة الملك سعود بالعاصمة السعودية الرياض، وأخرى معروضة في مجمع ابن بطوطة للتسوق في دبي بالإمارات.
مشاركة :