عن دارة الملك عبد العزيز، صدر كتاب «مذكّرات أحمد علي الكاظمي» وخرج إلى النور في سنة 1438هـ/2016م في مجلدين من 1200 صفحة أعدها للنشر د. فهد بن عبدالله السماريّ، وقدم لها وشارك في مراجعتها د. زهير بن أحمد علي الكاظمي، ويشتمل المجلدين على العديد من الوثائق وبعض النماذج من الأصول الخطية للمذكرات والصور الفوتوغرافية، وتتناول المذكرات المدة الزمنية بين عامي 1356 و1404هـ. ويضم المجلدين مخزوناً من المعلومات التي تتناول مرحلة تاريخية مهمة من مراحل توحيد المملكة العربية السعودية على يد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبد الرحمن آل سعود طيب الله ثراه، وتحتوي المذكرات على وصف للحياة اليومية للكاتب والواقع المعاش في تلك الحقبة، إضافة إلى وصفا تفصيليا للمواضع والأماكن التي زارها، وترجمة لعدد من الشخصيات، وانطباعات الكاتب وآراءه الشخصية عن كثير من الأحداث والشخصيات التي عاصرها، بالإضافة إلى الكثير من الأحداث المحلية والخارجية لتلك المرحلة الهامة من تاريخ المملكة. يعد الأستاذ والمربي أحمد علي أسد الله الكاظمي (1325-1413هـ) أحد رواد الحركة العلمية في المملكة في القرن الماضي، وأحد أبرز الشخصيات التي ساهمت في تطوير المعارف والتعليم في تلك المرحلة، حيث تنقل في سلك التعليم والمدارس، وعمل معلماً ثم مساعداً في مدرسة الأمراء التي أنشأها الملك عبدالعزيز ببعد نظره، وتقديره للعلم والمعرفة. وعرف أحمد علي الكاظمي - رحمه الله - بمشاركاته العلمية الواسعة في المجالين الثقافي والأدبي، حيث بدأ ذلك بمقالة تاريخية عن الإمامة عند العرب، كتبها وهو طالب بالمعهد العلمي السعودي ونشرها في جريدة أم القرى عام 1348هـ، ثم واصل كتاباته في مجالات عدة في معظم الجرائد المحلية مثل جريدة صوت الحجاز، وجريدة قريش، وعرفات، وجريدة البلاد السعودية، والندوة، والمدينة، وعكاظ، واليمامة (الجزيرة)، ومجلة الرائد، والمنهل، والحج، ومجلة الخليج. كما كان للكاظمي جهود كبيرة في مجال الترجمة من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية، فقد ترجم كتاب (البلاد السعودية) لكارل توتشل، وقام بنشرها في مجلة المنهل. وترجم كتباً لفيلبي منها (تجوال أربعين عاماً)، و(حاج في الجزيرة العربية)، ونشر ذلك في مجلة الحج. كما ترجم كتاب (حكام مكة) لجيرالد ديجوري، ونشر ترجمة لكتيب آخر لديجوري عن البلاد العربية السعودية نشر في صحيفة اليمامة. تحرير المذكرات وحسبما جاء في مقدمة المذكرات التي كتبها الدكتور فهد السماري، عندما توفي الكاظمي – رحمه الله - في عام 1313هـ، ظلت مذكراته محفوظة لدى أسرته في مكة المكرمة، وعندما أهديت مكتبته لجامعة ام القرى في عام 1416هـ لم تودع تلك المذكرات ضمن المكتبة. وعندما شرعت «دارة الملك عبدالعزيز» في الرصد والتوثيق لمكتبات أولئك الأفذاذ الذين عملوا مع الملك عبدالعزيز – رحمه الله – داخل المملكة العربية السعودية وخارجها بتوجيه كريم ومتابعة متواصلة من مقام خادمين الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز رئيس مجلس إدارة الدارة – يحفظه الله – كان أحمد علي الكاظمي من ضمن أولئك الرجال الذين بحثت الدارة عن مكتباتهم وأوراقهم الخاصة. وكان البحث الذي قامت به الدارة يتركز على مذكرات المؤلف لأهميتها واعتبارها مصدر من مصادر المعرفة التاريخية الوطنية، حيث نشر نادي الطائف الأدبي جزءاً يسيراً منها بعنوان (ذكريات). وبعد أن سلمت أسرة الكاظمي أصول المذكرات لمقام رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز، وجه الدارة بالعناية بها وقراءتها وإعدادها للنشر(1). مذكرات وأحداث دون الكاظمي مذكراته ويومياته بغزارة وبصورة مستمرة، وشملت هذه اليوميات والمذكرات التي كتبها بخط اليد بقلم الحبر تأتي في 57 مجلداً من نوع المفكرات ذات الحجم العام لكل عام مجلده الخاص به، وأحياناً يخصص للعام الواحد مجلدان. وتتناول هذه المذكرات الأحداث التي تحدث في ذلك العام باليوم حسب أهمية الحدث كما رآه الكاتب، وتتضمن وصف للحياة اليومية للكاتب والواقع المعاش في تلك الحقبة، إضافة إلى وصفا تفصيليا للمواضع والأماكن التي زارها، وانطباعات الكاتب وآراءه الشخصية في كثير من الأحداث والشخصيات التي عاصرها، بالإضافة إلى الكثير من الأحداث المحلية والخارجية خصوصاً المتعلقة بأخبار الملك عبدالعزيز لتلك المرحلة الهامة من تاريخ المملكة دون إبداء رأي شخصي، ومنها المنقولة عن الإذاعة والصحف اليومية وبعض المجلات، فنجده يبدأ أحيانا شرح الأحداث بالقول (عن الإذاعة). كما تضمنت المذكرات تراجم عديدة لشخصيات عرفها المؤلف، فدون عن سماتها الشخصية وبعضا من تاريخها. وتعد تلك التراجم من العناصر المهمة؛ بسبب الوصف الخاص بها من قبل المؤلف الذي عاصر تلك الشخصيات وتعامل معها. ومن الجوانب التي تضمنتها المذكرات أيضاً نصوص نثرية أدبية، وخواطر سجل فيها المؤلف انطباعاته واحاسيسه. ومما تضمنته –أيضاَ-نصوص مترجمة لعدد من الاقتباسات من بعض الكتب والروايات التي كانت تستهويه (2). السنوات الأولى للمذكرات تعد السنوات الأولى لهذه المذكرات من أهمها وأغناها، وبخاصة في المدة (1356-1373هـ)، التي قضاها المؤلف في الرياض، وعمل حينها في مدرسة الأمراء، قبل أن ينتقل إلى مكة المكرمة ويركز على الأخبار من الصحف اليومية، وينقل منها الأحداث المحلية. وركزت المذكرات في أولها على مدرسة الأمراء، ومجالس الملك عبدالعزيز - رحمه الله -، ومدينة الرياض والأحداث التي جرت فيها، وينقل أحياناً أخبار مكة المكرمة التي تصل إليه من أسرته وأصدقائه. وبعد وفاة الملك عبدالعزيز- رحمه الله - واستقرار المؤلف في مكة المكرمة، أخذت المذكرات تبتعد عن أحداث الرياض، لتركز على أحداث وزارة المعارف، ومكة المكرمة. كما حظيت الطائف باهتمام المؤلف؛ لانتقاله المتكرر إليها في الصيف، وهو ما جعله يدون كثيراً عن أحداثها(3). مقابلة الملك يبدأ الكتاب بسرد المذكرات من عام 1356هـ، وهنا تأتي مقابلته للملك عبدالعزيز في الصفحات الخمس الأولى من الكتاب.. يقول الكاظمي: «ففي صباح ذات يوم ذهبنا مع سعادته - ويقصد مدير المعارف – لمقابلة جلالة الملك المعظم في قصره العالي بالمعابدة، وبعد انتظار قليل دخلنا عليه وقبلنا يديه الكريمتين» ويضيف: « ثم جلسنا، فألقى علينا من نصائحه وتوجيهاته في تعليم الأجيال، والشروع فيه وما يريده، والطريقة التي يريد أن نسير عليها في تعليمهم، ثم ودعنا وخرجنا من عند جلالته». ويستمر في الحديث عن الشروع في العمل بعد مقابلة الملك، وافتتاح مدرسة جديدة ويقول: «اشتهرت المسالة وشاعت، وعلم كل إنسان بها، وأما نحن فترك كل منا عمله ومدرسته، وراح يفكر في عمله الجديد وشؤونه، وتقرر ان يبتدئ العمل – أي عمل مدرسة الأمراء – في مدرستي الأولى (المدرسة المحمدية) التي تعين مديرها بعدي الشيخ أحمد زهر الليالي، وأحضرت الأدوات واللوازم التي تلزم للدراسة»، ويستمر الكاظمي في تدوين تفاصيل أخرى عن توجيهات جلالة الملك بزيادة عدد المعلمين، والتوجيه لوزارة المالية بتوفير السيارات لنقل المعلمين من محلاتهم في مكة إلى المدرسة، وغيرها من الجوانب الأخرى. سنة الأسفار ثم يأتي موعد السفر ويسمي الكاظمي هذه السنة بسنة الأسفار، ويشرح تفاصيل الاستعداد للسفر والوداع وتجمع المودعين في داره، وانطلاق الرحلة في السيارات الثلاث (شاحنتان والثالثة صغيرة من نوع فورد القديم) بعد ان عرجوا على المسجد الحرام للطواف حوله وتوديعه، ثم يسهب في وصف المواقع والأماكن التي مروا بها ابتداءا من المحطات التي مرت بها السيارة في مكة نفسها، ثم وادي البهيتاء ثم السيل، والمرور بالعديد من آبار الماء التي انشأها الملك عبدالعزيز في الطريق لتوفير الماء للقبائل الساكنة في هذه المواقع والمسافرين، ثم الوصول إلى مفترق طريقي الطائف ونجد، ثم إلى المويه – وهي قرية بها بئر-، والدفينة، وعفيف، والدوادمي، وخف، ومرات، والعويند، والجبيلة، حتى الوصول إلى الرياض. مقابلة الملك في الرياض وبعد قدوم الكاظمي إلى الرياض، تتاح له الفرصة مع زملائه لمقابلة جلالة المؤسس الملك عبدالعزيز، ويشرح ذلك ويقول أنهم كانوا خمسة أشخاص تشرفوا بالسلام عليه والجلوس معه وهم الشيخ عبدالله خياط، والشيخ صالح خزامي، والشيخ علي حمام، والكاتب، وزكريا البخاري، وبعد الترحيب بهم قال لهم جلالته وفق تدوينات المؤلف «كل ما تحتاجونه من شأن المدرسة ولوازمها فهذا عندكم رشدي يقضي الأمر، ثم التفت إلى الشيخ عبدالله خياط وقال هذا عندكم رشدي (ملحس) يقضي الأمر... اتفقوا معه على الطريقة التي تريدون السير عليها، وأخبروه بكل ما تريدونه للمدرسة». البدء في الدراسة ثم يتحدث المؤلف عن افتتاح المدرسة بعد الانتهاء من الإصلاحات التي عملت لها، وبعد ان أمر الملك أنجاله بالحضور وافتتاحها في يوم الأربعاء 9/ 3/ 1356هـ، وأرسل جلالته الأستاذ رشدي ليخبر مدير المدرسة الشيخ عبدالله خياط بأن الدراسة ستكون مؤقتاً ثلاث حصص في النهار ابتداءً من الساعة الواحدة لغاية الساعة الرابعة حسب التوقيت المستخدم آنذاك الغروبي، لأن (العيال) الأنجال يخرجون مع جلالة والدهم إلى (الباطن) و(البديعة) وسيستمر هذا الخروج مدة الصيف، ولكن الملك سمح بالتدريس في البديعة بعد الظهر، وبأربع ساعات دراسية في الرياض من الساعة الواحدة إلى الرابعة، وفي البديعة ساعة واحدة. وصف الرياض يصف الكاتب في مذكراته- المجلد الأول- الرياض، وأسواقها ودكاكينها، وبيوتها ومساجدها، وأسماء هذه المساجد، وقصور الملك، والبلدات والاودية القريبة من الرياض مثل المعذر ووادي حنيفة وغيرها، والحياة اليومية للناس في الرياض، وسير العملية الدراسية، وخروج الملك والامراء للقنص وغيرها من التفاصيل المهمة عن الحياة اليومية والاجتماعية في تلك الفترة. ويستمر الكاتب في تدوين هذه التفاصيل بعفوية وصورة جميلة تجعل القارئ يغوص فيها بلا ملل كأنما يجد نفسه يعيش في تلك الأيام على الرغم من مرور عقود طويلة من الزمن، والاهم في ذلك كله أن هذه المذكرات تشرح كيف بدأ اهتمام الملك بالتعليم مبكراً وتأسيس مداميكه من الصفر. إدارة البر والبريد ويشرح الكاتب تطور البرق والبريد في المملكة، ويقول في 17/2/1358هـ، جلبت إدارة البرق والبريد لصاحب الجلالة عدة أجهزة للتلفزيون اللاسلكي الحديث، ونصبت ماكينة منها في قصر جلالة الملك الجديد في الشمسية، وأخرى في مكة، كما ركبت أجهزة صغيرة في سيارات (البكس) خصصت للمحادثات القريبة لمرافقة جلالته إذا خرج نهاراً إلى القنص والصيد للتواصل بالتلفون مع المخيم العام (4). ــــــــــــــــــــــــــــ هوامش: • مُذكِّرات أحمد علي بن أسد الله الكاظمي، المجلد الأول، ص17-18 • مُذكِّرات أحمد علي بن أسد الله الكاظمي، المجلد الأول، ص19 • مُذكِّرات أحمد علي بن أسد الله الكاظمي، المجلد الأول، ص18-19 • مُذكِّرات أحمد علي بن أسد الله الكاظمي، المجلد الأول، ص 273
مشاركة :