دفع ارتفاع معدلات الطلاق في مصر إلى البحث عن طرق جديدة لمعالجة المشاكل الزوجية ومحاولة تفادي الوصول إلى الانفصال. في السابق كانت العائلة ونظرة المجتمع للمرأة المطلقة من أسباب كبح الرغبة في الانفصال حتى لو كان الوضع مريعا بين الزوجين، لكن تغيرت الفكرة ولم تعد التقاليد تحول دون حرية المرأة عند الضرورة. وفي مقابل تراجع المسكنات التقليدية، ظهرت وسائل أخرى أكثر تحضرا وعقلانية في التعامل مع ظاهرة الطلاق، حيث أصبح الكثير من المصريين الذين يواجهون مشاكل مع أقرانهم يقبلون على عيادات متخصصة في العلاج السلوكي المعرفي. وأكد خبراء العلاقات الزوجية أن العلاج السلوكي يعد من الأدوات النفسية التي تنتشر في المجتمعات الغربية، وتتعلق بعلاج مختلف الظواهر السلبية، بداية من الإدمان والاكتئاب والفصام والقلق، مرورا بعلاج اضطرابات ما بعد الصدمة والأمراض العضوية المعقدة، وصولا إلى الحد من الاضطرابات الأسرية والسلوكيات الشاذة. وأوضحوا أن هذا العلاج بات نمطا أساسيا في طرق الحماية الأسرية ومواجهة الاضطرابات الاجتماعية، مثل الانفصال ومشكلات الارتباط وتداعياتها على الأسرة، لكنه لم يكن أسلوبا متعارفا عليه في مصر وأغلب الدول العربية حتى العقد الأخير. وقالت سوسن عبدالمنعم -متخصصة في العلاج السلوكي للأزواج في مصر- “على الرغم من تغير ثقافة الناس حيال فكرة الطلاق والنظرة السلبية للسيدة المطلقة، إلا أن ارتفاع معدلات الطلاق شجع الكثير على الانفصال وعدم الرغبة في استمرار الحياة الزوجية، وأصبح الشريكان يستسهلان الانفصال (ويفضلانه) على مواصلة الارتباط”. وأضافت لـ”العرب” قائلة “مواجهة الطلاق شجعت على انتشار ثقافة العلاج السلوكي القائم على المساعدة النفسية فقط، وهي مسألة معروفة ومؤثرة ولا يعرفها الكثيرون في المنطقة العربية”. وأوضحت عبدالمنعم أن علاج الزوجين يعتمد على مدرستين في التشخيص والعلاج، الأولى: استنباط البصيرة وتسليط الضوء لدى كل طرف على المشكلات التي تغضب الطرف الآخر، بينما تركز المدرسة الثانية على كيفية الإصلاح وامتلاك أدوات تساعد على الاتزان داخل الأسرة. ومن ضمن علاجات المهارات الحياتية اكتساب أدوات إدارة الغضب، وتأكيد الحقوق واحترام الآخر، وتفهم احتياجاته وتعزيز علاقة الحب والقبول غير المشروط. وأفاد الخبراء بأن العلاج السلوكي ساعد البعض على التراجع عن فكرة الانفصال، لكن المسألة لا تزال تحتاج إلى حراك مجتمعي أكبر. كما تتكاتف مؤسسات عديدة لمواجهة الأزمة الاجتماعية الجديدة، والتي يكمن جوهرها في تدخل كل طرف في اختصاص الآخر دون عمل متناغم. مواجهة الطلاق شجعت على انتشار ثقافة العلاج السلوكي القائم على المساعدة النفسية، وهي مسألة لا يعرفها الكثيرون كما نبهوا إلى أن دور العبادة، الإسلامية والمسيحية، تلعب أدوارا توعوية عبر جلسات نصح من منظور ديني. ويحاول البعض تقديم الدعم النفسي عن طريق التأكيد على المحبة والتسامح، لكن في الوقت ذاته يستخدم الدين للضغط على الشريكين لاستكمال الحياة، بالتركيز على أن الطلاق يغضب الله، ما يجعل البعض يستمر في الارتباط قانونيا والعيش داخل قفص من الانفصال العاطفي. وينعكس ذلك على تكوين الأسرة وعلى صحة الأطفال النفسية. وأشار الخبراء إلى ظهور مجموعة من التحديات تواجه العلاج السلوكي للطرفين، بينها ارتباطه بالمرض النفسي والخوف على المظهر الاجتماعي، ووجود ثقافة العيب التي تؤاخذ الشريك على خروج الأزمات الزوجية لشخص غريب، مثل الطبيب أو المعالج النفسي. وبين أحمد عبدربه -مدرس لغة إنكليزية بمدرسة خاصة- أنه يعاني من أزمات كبيرة مع زوجته، واتفقا أكثر من مرة على الانفصال، حتى سمع بعلاج الأزواج النفسي والسلوكي، ووافقا على الذهاب معا، وبدت الحياة أفضل، لكنه واجه ضغوطا اجتماعية من أسرته وأسرة زوجته، إلى درجة مطالبتهما بالانفصال، بدلا من أن يفضحا أنفسهما أمام الغرباء. ولفت لـ”العرب” إلى أن العلاج السلوكي يكون في شكل حصة أسبوعية، يحضرها هو وزوجته معا، ويختار لهما المعالج موضوعا للحديث عنه، وفي بعض الأحيان تظهر قصص محرجة مثل العلاقة الجنسية، وهنا يصبح الأمر صعبا خاصة عند وجود مشكلة. وقال مختصون إن المعالج النفسي يلعب دورا محوريا في نجاح العلاقة بين الزوجين، مع تعقد بعض المسائل التي تبدو محرجة، وتزداد الأزمة عندما يكون المعالج غير كفء في تقديم المساعدة. ونبهوا إلى أن جودة العلاج المقدم تعتبر من التحديات الواضحة في نظام اعتماد العلاج السلوكي، لأن الكثير من المعالجين غير مؤهلين للعمل بتلك الوظيفة التي تحتاج إلى دراسة خاصة لا توفرها الجامعات المحلية، ومباشرة العشرات من غير أهل الاختصاص تلك الوظيفة بعد الحصول على دورات وهمية تجعلهم يظنون أنهم قادرون على تقديم العون للأزواج بسهولة. ومن جانبه أكد محمد رأفت -استشاري الأمراض النفسية- أن دخول غير المختصين مجالَ العلاج النفسي السلوكي يزيد من أزمات الزوجين ومعاناتهما، وقد تظهر في البداية بوادر تحسن مع غير المتخصص، لأنه يقوم بدور داعم مثل صديق أو فرد من الأسرة. وأضاف لـ”العرب”، أنه سرعان ما تنقلب الصورة عند المضي في قضايا أعمق مثل مراحل الطفولة المضطربة والانتهاكات التي وقعت، وهنا يجب التعامل مع الأمر بتقنيات علمية. ورأى رأفت أن سبب المشكلة في مصر عدم وجود جهة رسمية مسؤولة عن المعالجين النفسيين، من حيث تدريبهم وتقديم رخصة لمزاولة المهنة، ما يؤدي إلى تداخل أصحاب الكفاءات من المعالجين مع المحتالين، والمتضرر الأكبر الزوجان والأسرة برمتها. ويقول خبراء في علم النفس إن الذهاب إلى المعالج النفسي، وكسر الصور النمطية يجب أن يشجعا الهيئات العلمية على التوسع في هذا المجال، ووضع طرق علمية لتأهيل العاملين. ويمثل منهج العلاج المشوري -وهو علم قائم بذاته ظهر في الولايات المتحدة نهاية السبعينات بهدف تقديم جيل من المعالجين النفسيين القادرين على تقديم الدعم للأفراد العاديين- أحد أهم المناهج التي من المفروض أن تصبح متوفرة في البلدان العربية، عبر إنشاء كليات ومعاهد متخصصة، والاعتراف الحكومي بتلك الوظيفة. وتعد تلك الخطوة في النهاية حماية للأسرة قبل أن تكون داعمة لمجال العلاج النفسي والسلوكي.
مشاركة :