من بين الأعمال الدرامية المشتركة التي عرضت هذا الموسم يبرز مسلسل “الكاتب” للمخرج رامي حنا، والذي تخوض فيه صاحبة النص الكاتبة السورية ريم حنا أول تجاربها مع الدراما البوليسية. ويشارك في بطولة المسلسل النجم السوري باسل خياط والنجمة اللبنانية دانيلا رحمة ومجموعة كبيرة من النجوم اللبنانين. وتدور أحداث مسلسل “الكاتب” حول كاتب روايات بوليسية شهير، وهو يونس جبران الذي يلعب دوره النجم باسل خياط. وفي المسلسل يجد الكاتب الشهير نفسه متورّطا ومتهما في جريمة قتل، الضحية هنا هي عشيقته الشابة تمارا (ريم خوري) التي تهوى التمثيل وتتقرّب منه من أجل الحصول على فرصة عمل في أحد أعماله الروائية التي يتم تحويلها إلى أفلام سينمائية. تتطور الأحداث سريعا منذ الحلقة الأولى، إذ تبدأ رحلة البحث عن القاتل الحقيقي بعد إثبات براءة يونس جبران، وتظهر على السطح شخصية أخرى مؤثّرة وهي شخصية ماجدولين (دانيلا رحمة)، التي تشارك باسل خياط بطولة المسلسل، وهي تلعب هنا دور محامية تدفعها الأقدار إلى الاقتراب من حياة بطل العمل للدفاع عنه. وتستطيع ماجدولين في النهاية إظهار براءة يونس جبران، وتتحوّل العلاقة فيما بينهما لاحقا إلى ارتباط وعشق. ويسلّط المسلسل الضوء على طبيعة العلاقات التي تحكم عالم المال والصحافة وصناعة السينما، وما ينطوي عليها أحيانا من فساد ومبادئ خادعة، إذ سرعان ما تتشابك الخيوط وتنضم إلى مجريات الأحداث شخصيات جديدة مرتبطة بعلاقات وطيدة مع عالم المال والإعلام والتمثيل ودور النشر. والنص الذي كتبته ريم حنا يرسم طوال الأحداث صورة غامضة لحياة الكاتب يونس جبران، بداية من علاقته المتوترة بزوجته وابنه الوحيد، إلى تواصله المضطرب بمن حوله. ويقترب النص كذلك من طبيعة التركيبة النفسية لشخصياته، محاولا تتبّع دوافعها، وتلمّس أسباب سلوكها المرتبط في معظم الأحيان بماضٍ مربك وعاثر. ويراوح بطل العمل هنا مثلا بين عالمه الحقيقي وعوالمه المتخيلة، إذ تخترق سياق الأحداث بين الحين والآخر شخصيات تبدو أنها من صنع خياله لتنسج لنفسها مسارا موازيا مع الواقع، حتى يهيّء إليك أنها حقيقة. وتبدو شخصية يونس جبران خلال الحلقات أشبه بشخصية مركّبة ومتناقضة إلى حد كبير، كما ساهم أداء النجم باسل خياط في إعطاء الشخصية بعدا آخر، بطريقته في الأداء وتقمّصه اللافت للدور. أداء باسل خياط هنا، وهو أداء لا يتوافق إلّا مع شخص غير سويّ، يضع الكثير من علامات الاستفهام حول شخصيته وإمكانية ارتكابه للجرائم المتتالية التي تقع خلال المسلسل، وهو الأمر الذي يساهم في إضفاء نوع من الغموض والحيرة على سياق العمل ويزيد من وقع المفاجأة التي تنتظر المشاهد في النهاية. نتعرف من خلال الأحداث على شخصية ماجدولين التي مازالت تعاني من تأثير حادث أليم تعرضت له في طفولتها حين عايشت عن قرب محاولة اغتيال والدها من قبل أشخاص مجهولين، وتظل هذه الصور التي رأتها البطلة في طفولتها عالقة في مخيلتها، حتى أنها تظهر من جديد في قصص وأوهام تنسجها خلال الأحداث، فلا نعرف هل هي حقيقة أم من وحي الخيال؟ وكل هذه التفاصيل الكثيرة والغامضة تدفع المشاهد إلى وضع سيناريوهات مختلفة للأحداث أو الجرائم، والمشاركة في البحث حول هويّة القاتل الغامض بين أبطال العمل. إلى أن تفاجئنا الأحداث في النهاية بأن ماجدولين نفسها هي ذلك القاتل الغامض، فهي قارئة مهووسة بالكاتب، وتظن أنها تحميه بأفعالها عن طريق القضاء على أعدائه. ومن هناك يتصاعد أداء الممثلين في المسلسل تدريجيا وتتحوّل شخصياتهم مع مجريات الأحداث، فالأشرار لا يظلون أشرارا حتى النهاية، وكذلك الأخيار، حيث يتلاحم الشر والخير في خضم الأحداث، حتى أننا نتعاطف في الحلقات الأخيرة مع شخصيات كنا نظن أنها شريرة إلى أن يتّضح أنها مجني عليها. النص يستلهم سياقه العام من روح الأدب العالمي وتتقاطع معالجاته مع معالجات الكثير من الروايات والأفلام البوليسية العالمية. وهذا الأمر ربما كان سببا في اتهام صنّاع العمل بالسرقة أو الاقتباس، وهو ما أشيع وتم الترويج له عند عرض الحلقات الأولى من المسلسل، فقد اتهم الكاتب السوري خلدون قتلان فريق العمل باقتباس الفكرة من أحد نصوصه السابقة، ما دفع الشركة المنتجة للعمل إلى نفي تلك المزاعم في بيان لها، معلنة أن تلك الاتهامات غير دقيقة ولا تمت للحقيقة بصلة. ووُفّق المخرج رامي حنا في مسلسل “الكاتب” عبر اختياراته الجيدة للكادرات وزوايا التصوير، كما أعطت الإضاءة بعدا آخر للصورة ساعد على تأكيد أجواء الغموض التي سادت النص. وكان لافتا خلال المسلسل كذلك التوظيف الجيّد للجماليات البصرية التي اعتمدت في المقام الأول على الألوان المحايدة والظلال الخفيفة، لكن يؤخذ عليه بطء الأحداث والإطالة المفتعلة في الحوارات. ومع ذلك، فهو بشكل عام يقدّم لنا صورة أنيقة لعمل جيّد يستحقّ المشاهدة.
مشاركة :