رغم هيمنة التقلبات السعرية على أسواق النفط العالمية منذ وقوع الهجمات الإرهابية على منشأتي النفط في المملكة، إلا أن المواقف السعودية احتوت تلك المخاطر وبثت أجواء من الثقة في السوق، ما دفع إلى تراجع درجة المخاوف والتوترات، خاصة بعد إعلان السعودية عودة الإنتاج إلى مستوياته الطبيعية بنهاية الشهر الجاري. ومالت الأسعار أمس إلى تسجيل ارتفاعات مناسبة بعدما تمكنت السعودية من التعامل مع المخاوف، وبدأت السوق تتجه إلى استعادة الاستقرار النسبي، خاصة في ضوء التكاتف الدولي من جميع المنتجين لمنع حدوث هبوط حاد في المعروض، وهو ما أكدته وكالة الطاقة الدولية بأن السوق لا تزال مزودة بشكل جيد وآمنة ولا تحتاج إلى السحب من المخزونات الطارئة. ويقول محللون نفطيون إن السعودية أذهلت الأسواق بقدرتها على التعافي السريع وإعلان جدول زمني قصير للوصول إلى التعافي الكامل، إضافة إلى استفادتها بطاقتها الفائضة ومرونة إنتاجها في سرعة التأقلم مع الأزمة، التي لم تؤثر إلا بشكل محدود في الجداول الزمنية للشحن وتعديل بعض نوعيات الخام. وذكر المحللون أنه بعد التطمينات السعودية الأخيرة صارت قضية انقطاع الإمدادات مستبعدة، ولكن تبقى المخاوف المتعلقة بالمخاطر الجيوسياسية، خاصة في ضوء احتمال وقوع أعمال عسكرية في منطقة الشرق الأوسط. في هذا الإطار، يقول لـ"الاقتصادية"، أندريه جروس، مدير شركة "إم إم إيه سي" الألمانية للطاقة، إن الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة نجح باقتدار في تهدئة مخاوف السوق، خاصة مع تأكيده عودة نحو 40 في المائة من الطاقة المعطلة في بقيق على الفور، وأن هذه المنشأة النفطية الحيوية ستعود إلى مستويات ما قبل الهجوم بنهاية الشهر الجاري، لافتا إلى أن أغلب المحللين أجمعوا على أن هذا الانتعاش السريع كان بمنزلة مفاجأة مذهلة للسوق. وأشار جروس إلى أن الأمير عبدالعزيز بن سلمان اتسم بالثقة الشديدة خلال المؤتمر الصحافي، ونجح في علاج مخاوف واسعة سابقة، وهو ما بث بيئة سوق إيجابية ودعم حالة الثقة للمستثمرين، بحسب تقديرات بنوك عالمية ومؤسسات دولية على رأسها كومرتس بنك الألماني، متوقعا أن وفاء السعودية بالجدول الزمني، الذي وضعته، يعزز الثقة بأداء قطاع النفط السعودي، خاصة مع اقتراب الطرح العام لشركة "أرامكو". من جانبه، أوضح لـ"الاقتصادية"، ديفيد لديسما، المحلل في شركة "ساوث كورت" الدولية، أن السوق النفطية قادرة على تجاوز عواقب هذا الهجوم الإرهابي، وأن فرص حدوث اختناقات في الإمدادات محدودة بسبب القدرات الاحتياطية والفائضة الواسعة في السعودية، متوقعا ألا يعدل المنتجون مستويات إنتاجهم بسبب توقع تسجيل فائض كبير في العرض العام المقبل وتباطؤ الطلب جراء الحرب التجارية. وذكر لديسما أن المخاطر الجيوسياسية تضغط بقوة على السوق، ولكن لا يمكن إنكار أساسيات السوق في المدى القصير، خاصة مع تعقد المشهد بشأن نزاعات التجارة، حيث تتسم السوق بأن العرض ينمو والطلب ضعيف، ما يستدعي الحذر في التخلي عن اتفاق خفض الإنتاج والعودة إلى ضخ الإنتاج بمستويات مرتفعة. من ناحيته، يقول لـ "الاقتصادية"، ماثيو جونسون المحلل في شركة "أوكسيرا" للاستشارات المالية، إن السعودية نجحت في قيادة السوق والحد من انفلات الأسعار ومنع تسجيل ارتفاعات مفرطة كانت متوقعة عقب الهجوم الأعنف في تاريخ الصناعة، موضحا أن الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة هبط بدرجة المخاوف مع إعلانه أن مستويات التصدير لن تتوقف، حيث تخطط البلاد لاستخدام المخزونات لتعويض نقص الإنتاج خلال الأسابيع القليلة المقبلة، ما قاد إلى تراجعات سعرية بنحو 6 في المائة عقب تلك التطمينات. وأشار جونسون إلى أنه "للموضوعية يجب أن نؤكد أن المخاوف الكاملة لم تنسحب من السوق مع ترقب دوائر مالية واقتصادية دولية لرد الفعل الأمريكي والسعودي وسط تخوف واسع لبعض احتمال وقوع أعمال عسكرية في منطقة الشرق الأوسط، ما يقفز بمستوى المخاطر الجيوسياسية ويكون له تأثيرات وانعاكسات سريعة ومباشرة على أسعار النفط". بدورها، تقول لـ"الاقتصادية"، جولميرا رازيفا، كبيرة المحللين في المركز الاستراتيجي للطاقة في أذربيجان، إن الموقف السعودي الداعم لاستقرار السوق نجح في دفع الأسعار إلى الهبوط على الفور، حيث تنفس المستهلكون الآسيويون الصعداء خوفا من ارتفاعات مفرطة في الأسعار قد تستمر بعض الوقت، وهو ما دحضته السعودية بإعلانها أنه يمكنها زيادة إنتاجها – لو أرادت – إلى 12 مليون برميل يوميا في تشرين الثاني (نوفمبر). وأشارت رازيفا إلى أهمية السوق الآسيوية للسعودية ودول "أوبك"، منوهة إلى بيانات لشركة "وود ماكنزي" الدولية تؤكد أن مستوردي النفط الآسيويين يشترون ما يصل إلى 72 في المائة من النفط السعودي بمعدل يومي يراوح بين 2.5 و2.7 مليون برميل، موضحة أنه بسبب هذا الاعتماد على نفط "أوبك" فإن كل حركة حادة في الأسعار لها تأثير فوري في الاقتصادات الآسيوية. على صعيد تعاملات الأسواق، ارتفعت أسعار النفط في المعاملات الآسيوية بعد اضطراب لأيام، لتهدأ الأسواق بفضل تعهد السعودية باستعادة الإنتاج الكامل بنهاية الشهر الجاري. وبحسب "رويترز"، زادت العقود الآجلة لخام برنت ثمانية سنات إلى 63.68 دولار للبرميل، في حين تقدم الخام الأمريكي غرب تكساس الوسيط 14 سنتا إلى 58.25 دولار للبرميل. ويأتي انحسار المخاوف، بعد قفز 14.6 في المائة في أسعار برنت الإثنين الماضي - الأكبر بالنسبة المئوية في يوم واحد لعقد الخام منذ 1988 على الأقل - عقب إعلان السعودية جدولا زمنيا للتشغيل الكامل، وقولها إنها استطاعت العودة بإمدادات العملاء إلى مستويات ما قبل الهجمات عن طريق السحب من مخزوناتها النفطية. وقال مايكل مكارثي، كبير محللي الأسواق لدى سي.إم.سي ماركتس في سيدني "الأسعار قد تكون عثرت على نقطة توازن لبعض الوقت"، مضيفا أن تعافيا سريعا في إنتاج النفط السعودي سيؤكد أن التعطل كان مؤقتا، وذكر مدير وكالة الطاقة الدولية أنه لا يرى حاجة إلى الإفراج عن مخزونات الطوارئ لأن الأسواق تتلقى إمدادات جيدة.
مشاركة :