سؤال يلقي أيضا بظلال من الشك على نظرية ما إذا كان استهداف المنشآت النفطية السعودية قد تم بصواريخ مجنّحة. إن منظومة الدفاع الصاروخية "إس-400" لا تتمكن من صد هجمات الدرونات، فهذه المنظومة غير مصممة لذلك، وإنما مصممة لصد هجمات المقاتلات والصواريخ بأنواعها، الباليستية، والمجنحة، وغيرها، بما في ذلك الرؤوس النووية. إنها نفس المهمة التي تقوم بها منظومة الدفاع الصاروخية "إس-300"، ومنظومة الدفاع الصاروخية الأمريكية "باتريوت". إلا أن منظومة الدفاع الصاروخية الأحدث "إس-400" تفوق منظومة "إس-300" من حيث مدى الإطلاق وارتفاع تدمير الأهداف بمرتين، وتفوق نظيراتها الأمريكية "باتريوت باك 1" PAC-1، و"باتريوت باك 3" PAC-3 بـ 5-9 مرات. بمعنى أن مدى إصابة الطائرات بالنسبة لـ إس-400 يبلغ 400 كلم (ومن هنا جاءت التسمية)، أما نفس المدى بالنسبة لمنظومات "باتريوت باك 3" هو 80 كلم. ويصل ارتفاع إصابة الأهداف لـ "إس-400" 185 كلم، وتتمكن من إصابة أقمار التجسس المعادية، بينما نفس الارتفاع لـ "باتريوت باك 3" هو 20 كلم. وليست "إس-300" سلاحا أقل قدرة، بل إن النسخة المطوّرة منها قادرة على حماية الأجواء بفعالية، ولكن على مدى وارتفاعات أقل، وهو ما يجعل من تلك المنظومات موجهة بالأساس للطائرات والصواريخ ذات المدى القصير والمتوسط، بينما تستطيع منظومات "إس-400" إلى جانب ذلك المدى والارتفاعات، أن تصد تهديدات فضائية، أو من صواريخ بعيدة المدى. علاوة على ذلك، فإن "إس-400" تنسّق مع سلاح الطيران في إطار منظومة موحدة للدفاع الجوي، وعلى الرغم من محدودية قدرة "إس-300" للتكامل مع منظومة دفاعية أكبر، إلا أنها تتمتع باستقلالية وعمر افتراضي أكبر. على سبيل المثال لا يمكن استخدام منظومة الدفاع الصاروخية "إس-300" الموجودة في قاعدة حميميم الجوية بسوريا في صد هجمات الدرونات المعادية، ليس لأسباب تقنية، بقدر ما هو لأسباب اقتصادية. فإطلاق صواريخ ثقيلة، باهظة التكلفة، لإسقاط الدرونات المعادية أغلى من إطلاق سبائك من الذهب لإسقاطها. ولمجابهة الدرونات هناك وسائل أخرى داخل إطار منظومة الدفاع الجوي، معنية بحماية القبة الأقل قطرا، والمنوط بها حماية "خط الدفاع الأخير"، بما في ذلك تهديدات الدرونات، مثل منظومتي "بانتسير-إس" و"تور إم1" للدفاع الجوي، التي تحمي القواعد الروسية في سوريا، وتدمر الأهداف المعادية ومن بينها الدرونات. لقد كان على الاتحاد السوفيتي أن يبحث عن طرق فعّالة لمواجهة طيران الناتو المتفوق من حيث القدرة، لذلك كان الهدف هو رفع قدرات الدفاع الجوي الأقل تكلفة، وأكثر فعالية، عوضا عن رفع حجم سلاح الطيران لمستويات نظيره في الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها. لهذا السبب شهد تطور علوم الدفاع الجوي في روسيا منذ زمن الاتحاد السوفيتي قفزات نوعية عن نظيره في الغرب، ولذلك أصبح ما يميز الدفاع الجوي الروسي في الوقت الراهن، ليس وجود منظومات دفاع جوي تتفوق على الغرب فحسب، وإنما وجود منظومة متعددة النسق، تؤدي فيها منظومة "إس-400" مهمة مجابهة المخاطر الاستراتيجية، ومنظومة "إس-300" مهمة مجابهة المخاطر متوسطة المدى، بينما تختص منظومات "تور إم1" و"بانتسير" وغيرها من المنظومات المماثلة بالدفاع عن منظومة "إس-300"، إلى جانب صدّها لأي هجمات محتملة من أهداف منخفضة أو درونات وسائر التهديدات المشابهة. وتلك تحديدا هي منظومة الدفاع الجوي الموحدة ومتعددة النسق، التي وضعتها روسيا في سوريا، والتي يمكن أن تقترحها موسكو على المهتمين بشراء أسلحتها. أما عن الولايات المتحدة الأمريكية، فما يتضح الآن هو أنهم يبيعون للمنطقة العربية ما يشبه مصباحا كهربائيا دون سلك، أو منظومة "باتريوت"، قادرة على مجابهة بعض التهديدات المحتملة فحسب، وحتى هذه لا تفعلها بكفاءة. دعونا نذكر أن منظومات "باتريوت"، التي كانت الأحدث وقت "حرب الخليج"، لم تتمكن من صد سوى هجمات 45 صاروخا فقط من أصل 91 صاروخا قديما، أطلقها صدام حسين، بينما تكلّف ذلك إطلاق 158 صاروخا مضادا للجو. وبناء على ما تقدم، تصبح الأسئلة المطروحة على الساحة الآن: إذا كان الهجوم الذي تعرضت له المنشآت النفطية السعودية قد تم بواسطة صواريخ مجنحة، وليس درونات، ولم تتمكن منظومات الدفاع الصاروخية من صد صاروخ واحد منها، فأي فائدة ترجى من امتلاك منظومة الدفاع الصاروخي "باتريوت"؟ أم تم هذا الهجوم، في نهاية المطاف، بواسطة درونات يدوية الصنع من قبل الحوثيين، وليس بواسطة صواريخ مجنحة؟ المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفةتابعوا RT على
مشاركة :