الحديث عن اللحمة الوطنية وتماسك النسيج المجتمعي للشعوب في إطاره النظري حديث رومانسي، يملؤه التفاؤل المبني على النتائج المفترضة والمبنية على شعارات الحب والولاء للوطن، الذي يجب أن يحتل المرتبة العليا في أولويات الانتماء لدى الفرد كمواطن. أما في الجانب العملي التطبيقي والواقعي فقد تصطدم تلك النظريات والشعارات بالواقع العام، الذي يشتمل على الانتماءات الفرعية المذهبية والقبلية والعرقية إذا ما تم إثارتها من قبل بعض المأزومين بمسألة الاختلاف والمختلف، والتي من المفترض أن تكون تلك الاختلافات والانتماءات ثانوية فرعية، تندرج تحت المظلة الواسعة للوطن، وتذوب كلها في العنوان الرئيسي للمواطنة، والتي يجب ألا تسبب أي مشكلة في التعايش بين المواطنين. نحن كشعب عريض متنوع المناطق والمذاهب والقبائل والأعراق، نتفق بشتى مكوناتنا الفرعية بأن الوطن أعلى من أي انتماء آخر، وهذا ما تؤصله بطاقة الهوية الوطنية الرسمية، التي تصدرها الدولة ممثلة في وزارة الداخلية لكل مواطن سعودي، والتي لا تحتوي على أي تصنيف طائفي أو عرقي للمواطنين، كما يحدث في بعض الدول التي تحوي تلك الاختلافات. وواقع الهوية الوطنية الرسمية لدينا في المملكة يساوي بين جميع المواطنين رسمياً في انتمائهم إلى هذا الوطن، ولا يصنف المواطنين بناء على انتماءاتهم الفرعية الأخرى. في هذا الجانب وهو المهم، لا توجد مشكلة على الصعيد الرسمي والقانوني، بل تعتبر هذه الممارسة من أعلى تجليات العدل والمساواة في أي دولة، ولكن وكما أسلفت، فإن المشكلة قد تحصل إذا ما تم إثارتها من قبل بعض المأزومين في مختلف المواقع الذين -من حيث يشعرون أو لا يشعرون- يشعلون النار في البيت الداخلي للوطن عبر بثهم للنعرات والفتن، والتي في العادة يكون الدافع من ورائها مصالح ومكاسب فردية أو فئوية، يغلبونها على حساب الصالح العام ومستقبل الأمة. هنا تقفز الحاجة إلى سن قانون واضح وملزم، يجرم كل أنواع التعديات الطائفية والعرقية والمناطقية، ويحدد العقوبات المترتبة، وهذا ما تم اقتراحه قبل عدة أشهر، من قبل بعض أعضاء مجلس الشورى، بعد حادثة الدالوة الإرهابية، وتمت إثارته من جديد في جلسة مجلس الشورى الأخيرة يوم الإثنين المنصرم، بمبادرة من عضو مجلس الشورى محمد رضا نصر الله، على خلفية الحوادث الثلاث التي تم فيها التعدي على مواطنين بناء على انتمائهم المذهبي أو العرقي، والتي بادرت القيادة بالرد على تلك التعديات بصورة فورية وحاسمة؛ لكي لا تترك المجال مفتوحاً لمن في قلبه مرض باستمراء الظلم والتعدي على المواطنين، مهما كان موقعه أو منصبه أو نسبه. على أية حال، فإن القانون وحده ليس كافياً؛ لخلق حالة مثالية، ولكنه ضابط ورادع لمن لا يريد الالتزام به، ولا بد علينا كلٌ من موقعه، أفراداً وجهات رسمية، أن نبث ثقافة المواطنة غير المشروطة في المجتمع، عبر كل الوسائل التعليمية والإعلامية. القانون يعتبر المسار المنظم للتعايش الوطني والكي الذي نستخدمة كآخر علاج إذا ما تم التعدي عليه وخرقه، خصوصاً ونحن نمر بمرحلة حساسة وتغييرات جذرية على المستويين الداخلي والخارجي، لذا فإن الحديث عن اللحمة الوطنية الآن ليس ترفاً رومانسياً يردد في المحافل الشعرية والمهرجانات فقط، اللحمة الوطنية ضرورة إستراتيجية أمنية حساسة، يجب أن تؤصل في الوعي الاجتماعي للمواطنين كضرورة تتربع على القمة في أولويات أي مواطن تحت مظلة القانون. كاتب
مشاركة :