«أي دي أسترا»..تحفة خيال علمي برؤية فنية جديدة

  • 9/22/2019
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

دخل النجم الأميركي براد بت في حالة تخبط غريبة، بداية هذا العقد، بعد نجومية بزغت وتوهجت منذ بداية التسعينات حتى نهاية العقد الماضي. نقول مرحلة تخبط على صعيد اختيار أدوار البطولة، وليس أي شيء آخر. بت إن لم يكن بطلاً رئيساً، فهو ممثل مساعد، وإن لم يظهر في فيلم ستجد اسمه في خانة الإنتاج بأفلام صغيرة مستقلة تنافس على أرفع الجوائز وتفوز بها، لكن الصورة الماثلة أمامنا اليوم جميلة ومفاجئة ومختلفة. يعود براد بت إلى البطولة والإنتاج، مجدداً، في ملحمة فضائية رائعة لم نرَ لها مثيلاً منذ عقود. باستثناء رائعة كريستوفر نولان «إنترستيلار» 2014، فإننا نقول للقارئ: انسَ «المريخي» 2015، و«جاذبية» 2013، فرغم أنهما كانا جميلين وجيدين، فإنهما افتقدا الواقعية لصالح إسعاد الجماهير. وبالطبع انسَ الفيلم الممل المتحجر «رجل أول» العام الماضي. فيلم AD Astra «خلال الكفاح إلى النجوم» خيال علمي غريب جداً، ليس بغرابة «إنترستيلار»، التي تصيبك بالأرق من كثرة التفكير في نهايته، لكن غرابته في أنه كلما اتسعت رؤيته، انكمش بطله وانعزل في عالمه! لم نرَ براد بت في أداء دور بطولة مطلقة بهذا الجمال منذ سنوات طويلة، وحتماً هو أفضل دور له منذ أدواره المجنونة في التسعينات (سبعة، 12 قرداً، نادي القتال، مقابلة مع مصاص الدماء)، والغريبة في الألفية، مثل «بابل»، و«الحالة الغريبة لبنجامن بوتون»، و«إنغلوريوس باستردز»، وربما هذا أفضل دور له على الإطلاق. كتب الفيلم المخرج جيمس غراي (مخرج ملحمة مدينة زي المفقودة منذ عامين)، مع إيثان روس الذي شارك في كتابة مسلسل الخيال العلمي الشهير «فرينج»، وأدّى بت دور رائد فضاء في المستقبل القريب، يسمى روي مكبرايد. يتميز الرائد بقوة أعصابه وثباته تحت الضغط النفسي، كما يتمتع بتصميم وإصرار على البقاء في وظيفة كلفته زواجه من إيف (ليف تيلر في دور رمزي، من خلال المشاهد الاسترجاعية). روي هو ابن رائد الفضاء القدير كليفورد مكبرايد (تومي لي جونز)، الذي ربى ابنه على قيم العمل الشاق والتحكم في الأعصاب والعواطف، والذي تحول إلى أسطورة عندما ذاع خبر موته، بعد أن فقدت سفينته بعد 16 عاماً من انطلاق رحلته الاستكشافية في طرف النظام الشمسي، بالقرب من كوكب نيبتون. في المشهد الافتتاحي، نرى روي متعلقاً بمحطة فضائية بحجم ناطحة سحاب، يصلح جزءاً منها. فجأة تهتز المحطة بسبب موجات طاقة أو عواصف كهربائية متدفقة من مكان غامض في الفضاء، ويسقط روي سقوطاً حراُ باتجاه الأرض. يخبره رؤساؤه بشكوكهم في موت والده، وتصورهم أنه لايزال على قيد الحياة في مكان ما في أعماق الفضاء، والأهم والأخطر تصورهم أنه يقف خلف تلك الحوادث الغامضة (موجات الطاقة المتدفقة والمدمرة)، والتي يتوقعون أنها لو استمرت فإنها ستقضي على النظام الشمسي والبشرية بأكملها. ما عزز تلك الشكوك أن التحقيقات في مصدر الحوادث كشفت أنها تأتي من جهة كوكب نيبتون، وهو المكان الذي اختفى فيه مشروع ليما، الذي أشرف عليه والد روي. مهمة روي هي الذهاب إلى حيث اختفت مركبة والده، والعثور عليه ومواجهته. وبمجرد أن تنطلق الرحلة من الأرض فالقمر فالمريخ ثم نيبتون، يبدأ الفراغ العاطفي الذي كان بادياً على وجه الرجل بالاختفاء كلما زادت فرص عثوره على والده، بالإضافة إلى شكوكه في أن رؤساءه لا يطلعونه على كل الحقيقة. «أي دي أسترا» فيلم مبهر، يسبب لك حالة من الانغماس النفسي بسبب طريقة تصويره وإخراجه. يعرض الفيلم تفسيرات مختلفة للموضوعات التي طرحت سابقاً في أفلام الخيال العلمي والفضاء. لا نقول إن الفيلم أصلي بالكامل، لكن الرؤية الفنية حتماً جديدة. هناك تأثر واضح للمخرج غراي بشخصيات من أفلام أخرى لها أصداء هنا، فمثلاً قصة بحث ابن عن والده المفقود الذي يحتمل أن يكون مختطفاً أو اختفى بمحض إرادته، معروفة في هوليوود، وتكررت كثيراً في سياقات مختلفة، لكن أشهرها شخصية الكولونيل وولتر كورتز، ضابط حاز أرفع الأوسمة من القوات المسلحة الأميركية، وقرر الانشقاق عنها في كمبوديا، خلال حرب فيتنام التي شاهدناها في فيلم Apocalypse Now لفرانزس فورد كوبولا، عام 1979. شخصية كليفورد مكبرايد، في هذا الفيلم، تبدو مستنسخة من فيلم كوبولا المذكور، مع مراعاة الاختلافات في القصة. يوضع روي في موقف صعب، إذ إن عليه توجيه نداء لوالده من كوكب المريخ، وإذا لم يستجب الأخير فستصدر أوامر بتدمير مشروع ليما بالسلاح النووي. هناك، أيضاً، أصداء من فيلم ستانلي كوبريك الأشهر والأهم على الإطلاق في سينما الخيال العلمي، المعروف اختصاراً بـ«2001»، ونقول مجدداً إن غراي لا يستنسخ بقدر ما يستعير، ثم يضيف رؤيته المميزة. يحوي الفيلم مشهداً غريباً وجديداً كلياً على صنف الخيال العلمي، وهو على سطح القمر الذي تحول إلى مستعمرة بشرية، تحوي مشروعات تجارية (نعم ستشاهدون شيئاً يشبه المركز التجاري على القمر). قبل حلول روي على سطح القمر، تخبره شخصية بأن ذلك الجرم تحول إلى ما يشبه فوضى الغرب الأميركي! لن يمر وقت طويل على تلك الجملة حتى نرى مشهد مطاردة عصابة لمركبة روي على سطح القمر، كأنه مشهد من فيلم «ماد ماكس». مشهد سنتذكره كإضافة جميلة إلى أفلام الصنف. ناهيك عن مشهد آخر مرعب لهجوم قرد، ولن نكشف أكثر. يؤدي المخضرم دونالد سذرلاند دور صديق والد روي، والذي يرافقه لأسباب غامضة، إما ليوجهه أو ليراقبه. وتؤدي روث نيغا دور ضحية لها أسبابها الشخصية، لتكره والد روي، ولها أسبابها المعقدة لتساعده في مهمته. يوظف غراي صوت براد بت كأداة سرد رئيسة للفيلم، بالإضافة إلى لقطات لوجه الممثل تملأ إطار الشاشة بأكمله، ومن الواضح أن الفيلم بأكمله محمول على أكتاف نجمه. بعد نهاية الفيلم قد يشعر المشاهد بأن التجربة ككل أشبه بحلم جميل، أو كابوس مرعب! يستحق بطل الفيلم الترشح لجائزة أفضل ممثل (للعلم إنه قد يترشح في خانة أفضل ممثل مساعد عن دوره في «ذات مرة في هوليوود»)، كما يستحق «أي دي أسترا» الترشح لأفضل فيلم، ولا نستبعد ترشحه حتى في خانة أفضل مونتاج مرئي أو صوتي. هذا الفيلم تحفة خيال علمي، ويستحق المشاهدة. • الفيلم بأكمله محمول على أكتاف نجمه، وبعد نهاية الفيلم قد يشعر المشاهد بأن التجربة ككل أشبه بحلم جميل أو كابوس مرعب! للإطلاع على الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط. ShareطباعةفيسبوكتويترلينكدينPin Interestجوجل +Whats App

مشاركة :