استعرض الدكتور سالم بن محمد المالك، مدير عام المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، فى مقاله المنشور اليوم بصحيفة الأهرام، اليوم رؤيته واستراتيجية بشأن عمل المنظمة الدولية خلال السنوات القادمة، معتبرا أن المرحلة الحالية تتطلب العمل على تعزيز الهوية وترسيخ الثقافة الإسلامية، فى مواجهة التطرف والعنف والطائفية، وجاء نص المقال كالآتى:"الإيسيسكو.. انطلاقة جديدة يمر العالم الإسلامى حاليا بمرحلة صعبة تسودها التوترات والنزاعات، وتتزايد فيها حدة خطاب الكراهية والتمييز ضد المسلمين، وقد بات هذا الأمر يستدعى، أكثر من أى وقت مضى، تعزيز الهوية وترسيخ الثقافة الإسلامية وقيم العيش المشترك، فى مواجهة التطرف والعنف والطائفية، ويحتاج إلى تضافر جهود المجتمع الدولى من أجل إرساء الأسس الراسخة للسلام والأمن، وتعزيز الحوار بين الثقافات والتحالف بين الحضارات، والعمل على توفير الظروف الملائمة لضمان تكافؤ الفرص وتحقيق التنمية المستدامة.وقد استدعت هذه الظروف وضع رؤية جديدة لعمل المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) تنقلها إلى مرحلة مفصلية فى تاريخها، منذ تأسيسها قبل أكثر من 37 عاما، وتشكل نقلة نوعية تجعل منها منارة الإشعاع الدولى فى مجالات التربية والعلوم والثقافة والاتصال، وتقوم على تقديم الخبرة والمشورة الفنية والدعم المؤسسى لدول العالم الإسلامى، وطرح حلول مبتكرة وذكية ومستدامة، ذات أثر قوى على الأفراد والجماعات، وتحترم خصوصية كل بلد، وتتكيف مع الواقع التعددى لكل منها، مع مراعاة ملامح التحولات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والتكنولوجية والبيئية، على الصعيدين الإقليمى والدولى، وبناء شراكات استراتيجية مع المنظمات الدولية المماثلة والإقليمية، وكذلك مع القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدنى فى الدول الـ54 الأعضاء فى المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، خصوصا تلك التى لها خبرة وتتميز فى تعاونها وعملها مع المنظمات الدولية.وقد حددت الإيسيسكو فى خطتها الإستراتيجية متوسطة المدى (2020-2029) توجهين كبيرين شاملين يواكبان التحولات العميقة والمتسارعة التى يشهدها العالم، ويستجيبان للرهانات والتحديات التى يشهدها العالم الإسلامى، ينبع التوجه الأول من إرادة المنظمة لبناء منظومة حضارية مبتكرة وذكية، لتعزيز حضور العالم الإسلامى فى الساحة الدولية ومد إشعاعه وإقرار مبادئه وقيمه. ويعتمد نجاح هذه الرؤية التى تستشرفها الإيسيسكو على توحيد الجهود وتضافرها بين دول العالم الإسلامى، لإعادة بناء صرح حضارته وهويته الثقافية وتجديد علاقته بالمعرفة وامتلاك ناصية العلوم، كما ترتكز على تبنى الابتكار وتوظيف التكنولوجيا الذكية الجديدة، والإنتاج المشترك للمعارف، ونشرها على شكل أبحاث ودراسات وبرامج تنموية تأخذ بعدا عالميا.أما التوجه الثانى فيعكس رغبة الإيسيسكو فى العناية بالشباب والنساء والأطفال، وتمكينهم من حقوقهم التربوية والعلمية والثقافية والتكنولوجية والبيئية، إذ سنعمل على ترسيخ توجه دول العالم الإسلامى للعمل على حماية المنافع العامة، وإقرار حقوق الإنسان، والتصدى للأخطار التى تتهدد شباب العالم الإسلامى ونساءه وأطفاله، وتجعلهم عرضة للأمية والتهميش والإقصاء واللامساواة والبطالة والتطرف والاستغلال، وتحد من فرص مشاركتهم فى الحياة العامة وممارسة أدوارهم فى بناء المجتمع.وتطبيقًا لهذين التوجهين الكبيرين حددت الإيسيسكو خمسة أهداف لخطتها الإستراتيجية، تتمحور حول إرساء نماذج تنموية مسؤولة وذات أبعاد عديدة ومستدامة، والنهوض بالتربية وتنمية المهارات لدى الجميع، وتطوير البحث العلمى وتوطين التكنولوجيا الذكية والابتكار.ولم نَسْتَثْنِ قضايا الهجرة واللجوء من قائمة أهدافنا الإستراتيجية، حيث إن منظمتنا تضطلع بدور رائد فى إرساء التعاون والتضامن بين دول العالم الإسلامى، ولابد لها من تعميق الوعى الفكرى بهذه القضايا الإنسانية والاجتماعية المؤثرة فى المجتمعات الإقليمية والدولية.وستعمل الإيسيسكو بمشيئة الله تعالى بشكل كبير على تعزيز دورها تجاه صون المقدسات الإسلامية والمسيحية فى القدس الشريف، وحمايتها من محاولات التهويد والطمس والهدم المستمر، وكذلك على وضع آليات عملية للمحافظة على التراث المادى وغير المادى للدول الأعضاء. وفى إطار جهود المنظمة نحو التنمية المستدامة وحماية البيئة، يأتى انعقاد المؤتمر الثامن لوزراء البيئة فى العالم الإسلامى، يومى الثانى والثالث من أكتوبر 2019، بمقر الإيسيسكو فى الرباط، تحت شعار "دور العوامل الثقافية والدينية فى حماية البيئة والتنمية المستدامة"، والذى ينعقد تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، وبرئاسة صاحبة السمو الملكى الأميرة للاحسناء، رئيسة مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة، ليمثل نقلة جديدة فى مجال الاهتمام بالبيئة فى دول العالم الإسلامى، حيث سيناقش وزراء البيئة خلاله مشروع إنشاء شبكة العالم الإسلامى للعمل البيئى والتنمية المستدامة، ومشروع إستراتيجية تفعيل دور العوامل الثقافية والدينية فى حماية البيئة وتحقيق التنمية المستدامة فى العالم الإسلامى، ومشروع وثيقة توجيهية بشأن تعزيز دور الشباب والمجتمع المدنى فى حماية البيئة وتحقيق التنمية المستدامة.وتشجيعًا للعمل الجاد فى حماية البيئة، سيشهد حفل افتتاح المؤتمر، الذى سيحضره رؤساء المنظمات الدولية والإقليمية المهتمة بقضايا البيئة والتنمية المستدامة، توزيع الجوائز على الفائزين بجائزة المملكة العربية السعودية للإدارة البيئية فى العالم الإسلامى، التى تتولى الإيسيسكو أمانتها العامة، وعددهم 17 فائزًا من 13 دولة عضو فى الإيسيسكو موزعين على فروع الجائزة الخمسة، وهى واحدة من أهم الجوائز فى مجال البيئة بالعالم الإسلامى، حيث يبلغ مجموع ما يحصل عليه الفائزون 195 ألف دولار أمريكى، تتوزع على خمسة فروع. وستواصل الإيسيسكو دورها الرائد فى التعاون مع الدول الأعضاء لتعميق الوعى الفكرى بالقضايا الإنسانية والاجتماعية المؤثرة فى تطوير المجتمعات وبناء قدراتها، والعمل على استئصال آفة الأمية والفقر والجهل والتطرف والغلو، من خلال غرس بذور العلم والثقافة الفكرية وتعزيز الهوية الإسلامية ونبذ التعصب والتطرف والطائفية. لكن المنظمة لن تستطيع القيام بمهامها وتحقيق رؤاها وما هو مرتجى منها ما لم تحصل على مؤازرة ودعم من الدول الأعضاء على جميع الأصعدة والمستويات علميًا وفكريًا وثقافيًا واتصاليًا".
مشاركة :