فاروشا القبرصية لؤلؤة سياحية مسيّجة بالأسلاك السياسية

  • 9/23/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

منطقة فاروشا في قبرص تعيش منذ سنة 1974 مسيّجة بالأسلاك، لا يدخلها أحد بعد أن كانت مزارا سياحيا يضم نحو 50 فندقا تستقبل المشاهير والأغنياء، منذ ذلك التاريخ وأهلها الذين فرّوا من بطش الجنود الأتراك يحلمون بالعودة مجددا ليستمتعوا برائحة أرضهم وإدارة مشاريعهم. فاماغوستا (قبرص) - أسلاك شائكة فقط على شاطئ في قبرص تفصل بافلوس ياكوفو عن الفندق الذي يملكه دون أن يتمكن من زيارته منذ عقود، لكن قد يتغيّر ذلك بعد قرار مفاجئ لأنقرة بإعادة فتح مدينة فاروشا. لُقّب منتجع فاروشا السياحي في جنوب شرق الجزيرة في الماضي “لؤلؤة” قبرص بفضل مياه البحر الصافية التي يطل عليها وانتشار الملاهي الليلية. وتحوّلت المنطقة في الماضي إلى وجهة مفضّلة في المتوسط لنجوم هوليوود على غرار صوفيا لورين وبريجيت باردو، وكانت تضم نحو 50 فندقا توفر 10 آلاف سرير، لكن منذ العام 1974، أصبحت فاروشا تدريجيا مدينة أشباح مهجورة بعدما أجتاحها الجنود الأتراك، وتمّ تشييد سياج حولها، ومنْع أيّ كان من الوصول إليها. وترك القبارصة اليونانيون منازلهم في “جمهورية شمال قبرص التركية” فسيطر تدريجيا الأتراك، وتحوّل هذا المنتجع السياحي الضخم إلى مدينة أشباح لا تزال راسخة في ذاكرة سكانها السابقين. وبسبب الحظر المفروض على “جمهورية شمال قبرص التركية” المُعلنة من جانب واحد، لا يجوز أيّ تبادل تجاري خارجي معها، ولا يمكن للسفن استخدام ميناء فاماغوستا. كما لا يمكن استخدام مطار أرجان لرحلات دولية خارج تركيا. يقول أوكان داجلي، “أتذكر الأيام السعيدة في هذه المدينة، عندما بدأت الحرب كنت في سن العاشرة. لديّ الكثير من الذكريات لهذه المدينة.. كانت مليئة بالحياة، الوضع الحالي يُحزنني جدا. مدينة دون ناس، هذا غير ممكن، إنها مدينة أشباح، وهذا له آثار سلبية علينا وعلى مجتمعنا”. عائلة جورج لوردوس القبرصي اليوناني الذي فر من فاروشا، تقول إن المدينة بأكملها أصبحت رهينة السياسيين. ويقول دينوس لوردوس، “مشكلة قبرص تفاقمت بين أيدي الموظفين السياسيين. السياسيون الذين حولوا هذا إلى مهنة. بطبيعة الحال، من السهل تخويف الناس. حين يقولون لهم، إننا نفعل هذا لأنه أمر خطير، أسهل من فتح إمكانات واحتمالات التوصل إلى حل يناسب الجميع. لذلك، أعتقد أن قبرص رهينة بين السياسيين الذين لا يفكرون سوى بوظائفهم. في كل انتخابات، يأملون الفوز بمقاعد من خلال زيادة الشعارات القومية. هكذا تسير الأمور”. والآن، أعلنت تركيا و”جمهورية شمال قبرص التركية” عن إمكان إعادة فتح المنتجع. وبينما يخشى كثيرون من القبارصة اليونانيين على غرار ياكوفو وزوجته تولا هذا السيناريو، إلا أنهم يرون في الوقت ذاته أنه يتيح لهم فرصة للاقتراب من المنطقة. وقال ياكوفو الذي كان يبلغ من العمر 19 عاما عندما هرب من الفندق الذي بناه أجداده “لا أرغب بأن أكون هنا وأتفرّج على فندقي من بعيد. أريد أن أجلس على شرفته وأحتسي عصير الليمون وأنسى هذا الكابوس”. وتعهّد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في وقت سابق هذا الشهر بإعادة فتح فاروشا، بعد أسبوعين من تنظيم سلطات قبرص التركية جولة غير مسبوقة للصحافيين في المنتجع منذ الاجتياح التركي لشمال قبرص صيف العام 1974. وفي عام 1983، أعلن شطر قبرص الشمالي الاستقلال في خطوة لم تعترف بها إلا أنقرة في حين لا يزال المجتمع الدولي يعترف بالحكومة في نيقوسيا على أنها السلطة الوحيدة في الجزيرة. ودعا مجلس الأمن الدولي في عدة قرارات إلى أن تدير الأمم المتحدة فاروشا والى عودة سكانها الأصليين. وأمرت محكمة حقوق الإنسان الأوروبية تركيا بدفع تعويضات لسكان المدينة السابقين الذين انتُزعت أملاكهم. وقال خبير الاقتصاد القبرصي كوستا أبوستوليدس “في المجمل، قد تشكّل فاروشا تعويضات بقيمة أكثر من خمسة مليارات يورو”. وأضاف مشيرا، إلى اقتصاد تركيا الذي يعاني مشكلات عدة أن “هذا مبلغ كبير بالنسبة للأتراك”. ولتجنّب تقديم التعويضات، قد تعيد تركيا الممتلكات في فاروشا إلى السكان السابقين الذين لا يزالون على قيد الحياة، لكن أبوستوليدس يتوقّع أن تقوم تركيا بتسليمها لـ”جمهورية شمال قبرص التركية”، ما يسمح لها بالاحتفاظ بسيطرتها الفعلية عليها. وأوضح أبوستوليدس، أنه “إذا تحوّلت فاروشا مجدداً منتجعا جميلا على الشاطئ، فسيشكّل ذلك محرّكا اقتصاديا مهمّا بالنسبة لجمهورية شمال قبرص التركية”. وأضاف “لن تتخلّى ‘جمهورية شمال قبرص التركية’، عن فاروشا بهذه السهولة”. وسيكون ذلك بمثابة كارثة بالنسبة لياكوفو الذي تساءل، “أيّ مصرف سيمنحني قرضا للاستثمار في إعادة إعمار فندقي في منطقة محتلة؟”. وقبل التمكّن من البدء بأي عمليات إعادة إعمار، سيتعيّن توثيق الممتلكات في فاروشا، وهي عملية قد تؤدّي إلى نزاعات جديدة محتملة. وفُقد أرشيف صكوك الملكية خلال الغزو التركي، بحسب المهندس المعماري القبرصي اليوناني أندرياس لوردوس. وأضاف لوردوس الذي تملك عائلته ستة فنادق في المدينة “ستكون إعادة إعمار فاروشا عملية مرهقة”، إذ “لا مياه أو كهرباء والعديد من الجدران على وشك الانهيار”. ولفت أستاذ العلوم السياسية في جامعة شرق المتوسط في نيقوسيا أحمد سوزن إلى أنّ تركيا حرّكت هذا الملف بعد تجميده لأربعة عقود. وقال “على مدى 45 عاما، يطالب القبارصة اليونانيون بالمستحيل: إنهاء الوجود التركي في الجزيرة. تقول تركيا لهم الآن: عليكم التفاوض وإلا فسنفتح فاروشا بشروطنا”. ومع توقف محادثات السلام برعاية الأمم المتحدة، يرى سوزين أن التركيز المفاجئ على فاروشا هو بمثابة خطوة “انتقامية” من تركيا للرد على الخلاف بشأن موارد الطاقة في البحر التي تعمل نيقوسيا على تطويرها. وبموجب اقتراح من وزير خارجية قبرص التركية قدرت أوزرساي، ستجري عملية إعادة الإعمار على مراحل، انطلاقا من القسم الأقرب من فاماغوستا، وهي مدينة تضمّ ميناء وكانت فاروشا تابعة لها قبل تطويقها. يأمل أصحاب الأملاك في فاروشا من القبارصة اليونانيين بأن تتّخذ نيقوسيا، التي تطالب إمّا بإعادة فاروشا وإمّا بتسليمها للأمم المتحدة لإدارتها، موقفا صلبا. وقال لوردوس، “نحتاج من حكومة (قبرص اليونانية) إلى التخلّي عن سلبيتها وإيجاد تسوية. لا يمكننا مواصلة المقامرة وإلا فسنخسر كل شيء”. ويأمل بأن يتمّ إعادة تطوير فاروشا كمنتجع صديق للبيئة نظرا إلى أنها بقيت بعيدة عن أي نشاط بشري منذ العام 1974. وعلى بعد 14 كلم فقط جنوب فاروشا في الشطر القبرصي اليوناني، يستقبل منتجع أيا نابا الملايين من السيّاح كل عام، ما يلحق الضرر بالحياة النباتية والحيوانية هناك. وتؤكد مخرجة الأفلام الوثائقية فاسيا ماكريدس، أن “تاريخ فاروشا مأسوي، لكن قد يسمح لنا ذلك بتجنّب أخطاء العقود الماضية”. وبصفتها رئيسة “مشروع مدينة فاماغوستا البيئية” وابنة منفي من فاروشا، تضغط ماكريدس من أجل تحويل فاروشا مدينة خضراء. من جهة أخرى، يخشى بافولا وزوجته تولا من تبخّر حلم العودة بعد 45 عاما من المغادرة. وتقول تولا، “كل شيء يتمّ بشكل سريع. يطلبون منّا البيع واتّخاذ قرار لكنني أحتاج إلى الوقت. أريد أن أعود إلى منزلي وأتلمّس جدرانه وأهتف في الشوارع بأسماء جيراني الذين لم يعودوا”.

مشاركة :