يوم الثلاثاء الماضي جرت انتخابات الإعادة الإسرائيلية، بعد فشل نتائج انتخابات ٩ أبريل الماضي في تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة، حيث لم يحصل حينها أيُّ حزبٍ.. ولا حتى أيِ تجمعٍ ائتلافيٍ للأحزاب المشاركة في تلك الانتخابات على الأغلبية اللازمة في الكنيست (٦١ مقعداً من ١٢٠) اللازمة لتشكيل الحكومة، فَدُعِي إلى انتخابات يوم الثلاثاء الماضي.لم تكن نتيجة انتخابات يوم الثلاثاء الماضي، بأفضل من تلك التي سبقتها يوم التاسع من إبريل الماضي، من حيث فرص الأحزاب الكبيرة في تشكيل حكومة جديدة... ولا حتى فرصِ تشكيلِ أي ائتلافٍ حاكمٍ جديد، في أي صورة كان. على العكس: جاءت انتخابات يوم الثلاثاء الماضي بنتائج تجعل الوضع السياسي أكثر تعقيداً.. والمشكلة السياسية في إسرائيل أكثر تأزماً.كلا التكتلين الرئيسيين في الساحة الإسرائيلية، هذه الأيام، أظهرت نتائج انتخابات يوم الثلاثاء الماضي، انتكاسةً في شعبيتهما، لصالح أحزاب وائتلاف حزبية أصغر، وإن أظهرت تلك نتائج تلك الانتخابات صعوداً ملفتاً، وإن كان متشرذماً، للتيار اليميني المحافظ والمتطرف في إسرائيل.جاءت نتائج يوم الثلاثاء، التي أعلنتها لجنة الانتخابات العليا الإسرائيلية، على أن تعلن رسمياً غداً الأربعاء، مخيبة لآمال التكتلين الحزبيين الكبيرين الليكود، بزعامة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحزب أزرق أبيض بزعامة رئيس الأركان الإسرائيلي الأسبق (بيني غانيس). كلا الحزبين كانا قد حصلا في انتخابات التاسع من أبريل على ٣٥ مقعداً، لكلٍ منهما، إلا أنهما حصدا في انتخابات الثلاثاء الماضي، مقاعد أقل... وإن كانت خسارة الليكود في هذه الانتخابات الأخيرة أكثر فداحةً من حزب أزرق أبيض، بواقع: ٣١ مقعداً لليكود، مقابل: ٣٣ مقعداً لحزب أزرق أبيض.في ظل الاختلاف الأيدلوجي الحاد بين هذين التكتلين الحزبيين الكبيرين، الذي يَستبعد أي إمكانية لتشكيل ائتلاف حاكم بينهما، حتى في صيغة اقتسام رئاسة الوزارة بينهما للفترة القادمة، كما يقترح نتنياهو، أسوةً بسابقةٍ حصلت بين حزبي العمل والليكود، بزعامة إسحاق شامير وإسحاق رابين (١٩٨٤-١٩٨٨). حينها كان مثل هذا الائتلاف ممكناً، وإن في ظل اختلاف أيدلوجي بين الحزبين اللذين كانا يمثلان اليسار واليمين في إسرائيل... إلا أن تصوراً مثل هذه الشراكة، هذه الأيام، غير ممكن لدرجة الاستحالة، كون الكتلتين الرئيسيين اليوم (الليكود وأزرق وأبيض)، يتقاسمان تياراً يمينياً متطرفاً واحداً ومنقسماً بحدة، يطمع كلٌّ منهما في الاستحواذ على السلطة، بالائتلاف مع أحزاب وتكتلات حزبية يمينية ومتطرفة، مع غياب شبه كامل لليسار، في الساحة السياسية الإسرائيلية.بالتبعية: لن تقود نتيجة انتخابات يوم الثلاثاء الماضي، إلى حلحلة الوضع السياسي المتأزم في إسرائيل، الذي أفرزته انتخابات أبريل الماضي وانتخابات ١٧ سبتمبر الحالي. مع استبعاد «سيناريو» حكومة الوحدة الوطنية أو الشراكة الحزبية بين تكتل الليكود وحزب أزرق أبيض، الذي تأكد عدم احتمال الأخذ به، خاصةً بعد حصول حزب أزرق أبيض على مقاعد أكثر (مقعدين)، في الكنيست الجديد، بعد أن كان نداً لليكود في انتخابات أبريل الماضي. بل إن غانيس استبعد هذا الخيار، لدرجة أنه رفض حتى سماعه من نتنياهو، وجعل عناصر أقل شأناً في حزبه يعلنون هذا الرفض.ستعود الأمور لصناع «الملوك»، إن جاز التعبير، في النظام السياسي الإسرائيلي (الأحزاب الصغيرة) التي تاريخياً دأبت على الأخذ بسياسة الابتزاز من أجْلِ الحصول على مكاسب سياسية نظير مشاركتهم في الحكم، بصورة أكبر مما يتيحه لهم وزنهم السياسي، في بيئة سياسية هشة ومعقدة تسود المجتمع الإسرائيلي. مع عدم ضمان تعاونها، في فترة مشاركتها الحكم.الفرصة الوحيدة، لكسب أيٍّ من التكتلين الكبيرين، في محاولة استمالة الأحزاب الدينية والعلمانية الصغيرة والمتطرفة التي تطالب بموارد أكبر من النظام السياسي.. وخدمة قضايا سياسية ودينية وثقافية، بل وحتى عنصرية أحياناً، لا يحتملها النظام السياسي الإسرائيلي غير المستقر.. ولا التركيبة الاجتماعية والثقافية والدينية للمجتمع الإسرائيلي غير المتسامح، في تعددية سياسية واجتماعية حادة التوجه وغير متكاملة المضمون.ويبقى اليسار في إسرائيل، بعيداً عن المشاركة في الحكم، وحتى بعيداً عن تبني معارضة مؤثرة، داخل مؤسسات الحكم.. وكذا خارج مؤسسات الدولة الرسمية. بالرغم من تحسن وضع القائمة العربية في الانتخابات الأخيرة، بحصولها على ١٣ مقعداً، بزيادة ٣ مقاعد عن انتخابات أبريل الماضي، إلا أنها لن تقبل الائتلاف في أي حكومة جديدة، يرأسها أيٌّ من الكتلتين الحزبيتين، التي تمخضت عنهما انتخابات يوم الثلاثاء الماضي. بالإضافة إلى الموقف التقليدي المتطرف لحزب الليكود ضد الفلسطينيين، إلاّ أن حزب أزرق أبيض، يهدد بإجراءات أكثر قسوة مع الفلسطينيين. يتفاخر بني غانيس بأنه أكثر شراً، من نتنياهو في ما يخص التعامل مع الفلسطينيين، بالإضافة إلى كونه «أنظف» من زعيم الليكود!إسرائيل دولة ديمقراطية، بنظام سياسي غير مستقر ويفتقر لليبرالية. عدم الاستقرار السياسي هذا، يزيد من تعقيدات المنطقة الأمنية والسياسية، ويجعلها تبتعد عن السلام، أكثر فأكثر. التركيبة الاجتماعية والثقافية للمجتمع الإسرائيلي، تجعل إسرائيل دولة تفتقر إلى السلام من داخلها.. وتَقَدُّم التيار المحافظ فيها، بجناحيه العلماني والديني مع تقهقر اليسار بنسبيةِ تسامُحِه الليبرالي، يُحَوُّلُ إِسْرَائِيلَ إلى دولةٍ فاشيةٍ داخلياً.. وأكثر عدائية وتوسعية إقليمياً.* كاتب سعوديtalalbannan@icloud.com
مشاركة :