مشهد يدعو إلى التفاؤل، إقبال جماهيرى واسع على مركز سايتك للعلوم والتقنية التابع لجامعة الملك فهد، ليس لمتابعة برامج ترفيهية لرواد الكورنيش ، ولكن للمشاركة في فعاليات ملتقى «نرعاك الثالث» الذي نظمه مركز سايتك الاثنين الماضي، واستمر حتى يوم الأربعاء، بمشاركة نخبة من خبراء علم الاجتماع والتنمية الأسرية من دول الخليج العربي. وحظي بحضور رسمي وإقبال كثيف من الجمهور على جلسات الملتقى، حيث سعى إلى جذب كافة أفراد الأسرة ووجه رسالته إلى الصغار والكبار، الآباء والأمهات. يعني هذا المشهد أن البيوت استشعرت بوضوح قيمة النصائح والتدريب على المفاهيم التربوية في مجال تنمية العلاقات الأسرية. وأدركت دورها الكبير في حماية أمن المجتمع من خلال توفير البيئة السليمة لأبنائهم. ركز الملتقى على محاور تربوية مهمة تدور حول (بر الوالدين) و(المراهقين) و(قضايا أسرية)، وهي محاور تعني أن الرعاية حاجة ضرورية لكل أفراد الأسرة، يشارك في تقديمها كل من في البيت من زوجة أو أولاد، فــ ( كلكم راع وكلم مسئول عن رعيته ). وفي خطاب متوازن يقول النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم) للآباء : (اعدلوا بين أولادكم في النحل كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر واللطف) رواه الطبراني، وصححه الألباني . وكقول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - للذي جاء يشتكي من عقوق ابنه فطلب عمر أن يلقى ابنه، فسأل الابن عن عقوقه والده، فقال: إن أبي سماني جُعُلاً، ولم يعلمني آية واحدة؛ فقال عمر للرجل: (لقد عققت ابنك قبل أن يعقك ). إن البيوت تواجه مخاطر كبيرة تحدق بأولادها، يأتي في مقدمتها إدمان التدخين وتعاطي المخدرات ومشكلة الجنس والعنف والقيادة الطائشة للسيارات والعزوف عن الدراسة وإهدار الأوقات في غير طائل، وهذه المشكلات تكشف عن ضعف خطير في شخصية المراهق بحيث تدفعه إلى تقليد أقرانه أو الاستسلام لغرائزه الفائرة. قدم القرآن الكريم للأبوين علاجا لهذا الضعف يتكون من عنصرين، الأول: سلوكي والآخر : إدراكي، فقال تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا} (9) سورة النساء. فالعنصر الأول يصب في التعديل السلوكي، وهو التزام تقوى الله وتعني فعل ما أمر به الله من السلوك المقبول وترك السلوك السيئ، أي تقديم نموذج أو قدوة حسنة يتأسى بها الأولاد وتحفزهم على السير على منوالها دون أن تقع أعينهم على تناقضات صارخة بين الأقوال والأفعال. والعنصر الثاني يتعلق بالتعديل الإدراكي، وهو القول السديد باستخدام خطاب تربوي سليم مع الأولاد يصحح المفاهيم والتصورات التي تخامر عقولهم، ومعنى سداد القول: إصابة الهدف في تغيير الأفكار الفاسدة دون جرح مشاعر فلذات أكبادنا أو طعن كرامتهم. كثير منا تستفزهم مشكلات المراهقين فيطلقون ألسنتهم بوابل من الرصاص اللفظي مثل: أنت فاشل، متمرد، اسكت يا ..... ( أسماء حيوانات مختلفة ) والدعاء عليهم بالويل والثبور ... إلخ ؛ وهي كلمات وعبارات غير سديدة تستفز المراهق وتجلب المزيد من المشاكل والمتاعب. قد لا نملك القدرة على تغيير الآخرين، لكن نستطيع من خلال السلوك الذي نفعله والخطاب الذي نقوله أن نوفر الجو الملائم للتغيير ، وهذا ما استشفه من إشراقات تلك الآية الكريمة. ونستطيع أن نستخلص من التربية النبوية أساليب فعالة في التعامل مع مشكلات المراهقين كما في حالة الشاب المراهق الذي جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول له: ائذن لي في الزنا !!! فما زجره ولا سبه ولا عاقبه، ولكن استخدم معه ثلاثة أساليب تربوية: الأول: تقريب المسافة بينه وبين الشاب، وهذا أول ما فعله قال الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال له: ادن .. اقترب. الثاني: الحوار من خلال طرح أسئلة فقال له: أترضاه لأمك.. أترضاه لأختك.. والشاب يرد: لا، لا ، ولم يستخدم (صلى الله عليه وسلم) هنا لغة إصدار الأحكام والأوامر والتحذيرات احتراما لعقل المراهق وتقديرا لذاته. الثالث : التعاطف الوجداني، بلمسة حانية على صدر الشاب، ودعاء له بأن يطهّر الله قلبه، ويحصن فرجه، ويغفر ذنبه . رحم الله والدا أعان ولده على بره فأحسن تربيته: { وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} (24) سورة الإسراء. أستاذ مشارك بجامعة الدمام
مشاركة :