هل الكتابة ذكورية أم أنثوية؟حسونة المصباحيأدب المرأة العربية شعرا ونثرا يعيش ازدهارا ويتساوى في الرواية مع الرجل.المرأة الكاتبة ناضلت للتحررمُعَبّرا عن تشجيعه للكاتبات العربيات اللاتي اقتحمن عالم الرواية باقتدار، وبثقة في النفس، قال ناقد مصري معروف في ندوة بأصيلة مطلع الألفية الراهنة، إن الرواية في اللغة العربية مؤنثة. لذا هو يتوقع أن الرواية العربية ستشهد تطورا كبيرا كمّا وكيفا في المستقبل بفضل النساء الكاتبات. وقد نسى هذا الناقد أن الرواية في لغات أخرى مذكر. كما نسى أن يشير إلى مسائل أخرى سوف أحاول أن أطرح البعض منها في هذا المقال.أول شيء هو أن تاريخ آداب العالم يثبت لنا أن حضور المرأة في الكتابة النثرية والشعرية، كما في الفكر والفلسفة كان نادرا في الحضارة اليونانية، وفي الحضارة الرومانية. فنحن لا نجد مثلا امرأة واحدة كانت لها مكانة هوميروس، أو سقراط، أو أفلاطون، أو أرسطو، أو أريستوفان، أو سوفوقليس.وعند العرب سواء قبل الإسلام أم بعده، نادرات هن النساء اللاتي اقتحمن عالم الكتابة، وبرعن فيه، وحصلن على الشهرة التي كان يتمتع بها كتاب وشعراء عصرهنّ.لذا نحن لا نجد ما يحيل إلى أحوال المرأة العربية في عصور وعهود مختلفة إلاّ في كتاب “الأغاني” لأبي فرج الأصفهاني، وفي رسائل الجاحظ، وفي أشعار عمر ابن أبي ربيعة.أما في “ألف وليلة وليلة” فإن المرأة تلجأ إلى الألغاز وإلى الأحاجي والرموز للبوح بأسرار حياتها، وبمكنون صدرها تماما مثلما كانت تفعل شهرزاد.وفي عصر النهضة الأوروبية، تمكنت المرأة من أن تفرض نفسها في عالم الكتابة الشعرية بالخصوص. حصل ذلك في إيطاليا مع غاسبارا لا ستامبا (1523 - 1554) التي أمضت الشطر الأكبر من حياتها في البندقية، وفيها عاشت قصص حب مؤلمة عبرت عنها في جل قصائدها التي جاءت مفعمة باللوعة والحزن والأسى والتمرد على مجتمع رجولي يحرم المرأة من التعبير عن عواطفها، وخوالج نفسها.ويعود الفضل في ظهور فن الرواية إلى الإسباني سارفانتس، والفرنسي رابليه. وفي أعمالهما، نحن نعاين حضورا ثانويا وباهتا للمرأة.وعلينا أن ننتظر القرن الثامن عشر لتكون المرأة بطلة في عملين روائيين على شكل رسائل. الرواية الأولى هي “جولي أو هلويز الجديدة” لجان جاك روسو. وهي مستوحاة من قصة حب مأساوية عاشها بيار أبيلار (1079 - 1142) وهو فيلسوف ورجل دين، مع راهبة تدعى هلويز.أما الرواية الثانية فهي “العلاقات الخطرة” للفرنسي لاكلو. وهي أيضا على شكل رسائل متبادلة بين الماركيزة دو مارتاي، والفيكونت دو فلمون. لا نجد ما يحيل إلى أحوال المرأة العربية في عصور وعهود مختلفة إلاّ في كتاب “الأغاني” لأبي فرج الأصفهاني، وفي رسائل الجاحظ، وفي أشعار عمر ابن أبي ربيعةومن خلال رسائلها، تبوح الماركيزة بأسرار قصص الحب التي كانت تعيشها مع عشاق مختلفين، مشدّدة في كل رسالة على أنه ستكون لسان وصوت كل النساء اللاتي يعانين من قيود ومحرمات مجتمعهن التقليدي المحافظ.وعلينا أن ننتظر القرن التاسع عشر لكي تصدر روايات كان فيها حضور المرأة أكثر جلاء وقوة من ذي قبل. وهذا ما تعكسه أعمال كبار الروائيين من أمثال بالزاك، وستاندال، ودستويفسكي، وتولستوي في رائعته “أنا كاريننا”، وفلوبير في “مدام بوفاري” التي رسم فيها صورة مرعبة لمأساة المرأة في المجتمع الفرنسي التقليدي الذي يجبرها على الانتحار وعلى ارتكاب الجريمة بعد أن تكون قد تأكدت من أنه قد سحق كل عواطفها، وهشم كل أحلامها وأمانيها.وبفضل الحريات العامة والخاصة التي تحققت في أوروبا خلال القرن التاسع عشر، ظهرت كاتبات تمكن من خلال أعمال شعرية ونثرية من اكتساب مكانة بارزة في بلدانهن مثل جورج صاند في فرنسا، وجورج اليوت، وهو الاسم المستعار لماري آن ايفانز.وأما القرن العشرون فقد شهد حضورا مذهلا للمرأة في النثر، كما في الشعر، والفلسفة والفكر والفنون وغير ذلك من مجالات الإبداع والمعرفة.وصحيح أن جل الروائيات الغربيات ركزن على قضايا ومشاكل المرأة في مجتمعاتهن، لكن كانت هناك من بينهن من اهتممن بعالم الرجال وخفاياه، وأسراره ليأتين بالعجيب والمثير.وهذا كان حال فرجينيا وولف في رائعتها “أورلاندو” التي تروي فيها قصة نبيل من القرن السادس عشر تشهد حياته تحولات ومغامرات عجيبة تكاد تشبه تلك التي عاشها أبطال “ألف ليلة وليلة”.وفي روايتها البديعة “مذكرات هادريان”، تعود بنا الفرنسية مارغريت يورسنار إلى العصور الرومانية لتغوص بنا في خفايا حياة الإمبراطور هادريان الذي يقرر بعد أن شاخ وهرم أن يكتب رسالة طويلة إلى خلفه مارك أورال ليكشف له فصولا وأطوارا عن المعارك والحروب التي خاضها، وقصص الحب التي اكتوى بها، والمؤامرات والدسائس التي حاكها ضده أعداؤه وخصومه. وتعتبر رواية “مذكرات هادريان” من أروع الروايات التي أثبتت قدرة المرأة الكاتبة على معرفة عالم الرجال.وفي عالمنا العربي، نحن نعلم أن نزار قباني اكتسب شهرة واسعة بفضل القصائد التي خصصها للدفاع عن حرية المرأة، ولوصف أوجاعها وأحلامها في عالم رجولي قاس ومتصلب.وفي العديد من تصريحاته، قال صاحب “طفولة نهد” إن انتصاره لقضايا المرأة العربية جاء بعد انتحار أخته الكبرى التي حرمتها العائلة من الزواج من الشاب الذي كانت تحبه.وربما بتأثير من نزار قباني، كتبت ليلى بعلبكي روايتها الجميلة “أنا أحيا”، وغادة السمان جل قصصها التي أضاءت فيها جوانب معتمة وخفية من عالم النساء الشرقيات.والآن نحن نعيش ازدهارا لأدب المرأة العربية شعرا ونثرا. ويكاد حضورها يتساوى في الرواية مع الرجل. لكن لا يعني هذا أن هناك كتابة أنثوية وأخرى ذكورية. بل هناك كتابة بلا جنس. كتابة فقط لا غير.كاتب تونسي
مشاركة :