قال المدعي العام السويسري إنه غير قادر على استخدام بيانات مسروقة من قبل أحد الموظفين السابقين في مصرف «إتش إس بي سي» لفتح تحقيق جنائي لغسل الأموال، وبهذه الطريقة برَّرَ موقفه ردا على استفسار من كارلو سوماروجا عضو مجلس النواب السويسري. وكانت العدالة في جنيف قد فتحت في شباط (فبراير) الماضي إجراءات قضائية ضد مصرف «إتش إس بي سي برايفت بانك» في سويسرا وضد مجهول بتهمة غسل أموال على نطاق واسع، بينما كان المصرف بالفعل في مرمى العدالة وتحت المجهر في عديد من البلدان الأوروبية. وتم الكشف عن الفضيحة من قبل الاتحاد الدولي لصحافة التحقيقات، الذي درس البيانات التي سرقها، هيرفي فالسياني، من المصرف، ووفقا لـ "سويس ليكس"، فإن 119 مليار دولار أمريكي مرَّت عن طريق هذا المصرف بهدف التهرب من الضرائب أو ليتم غسلها من خلال شركات وهمية. وتم فتح تحقيقات جنائية بالفعل في عديد من البلدان ضد الفرع السويسري لمصرف "إتش إس بي سي" الخاص، بما في ذلك في فرنسا وبلجيكا، وتعود التحقيقات الفرنسية، وهي أول بلد تسلمت الملفات المسروقة من، فالسياني وقامت بتسريبها للصحافة، إلى 18 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014، وفي بلجيكا، تم توجيه التهمة للمصرف بغسل أموال على نطاق واسع. وتحتوي الملفات "الأقراص المدمجة" التي سرقها هيرفي فالسياني، بين تشرين الثاني (نوفمبر) 2006 وآذار (مارس) 2007 على بيانات مصرفية تخص أكثر من 106 آلاف عميل للمصرف، ينتمون إلى نحو 200 بلد. وفتح المدعي العام السويسري تحقيقا جنائيا ضد موظف المعلوماتية فيما يتعلق بالسرقة، وركز تحقيقاته على وجود السرقة بحد ذاتها، ومصدر وطبيعة الوثائق المسروقة، دون أن يعطي أهمية كبرى لما تضمنته الوثائق من بيانات خطيرة كشفت عن عمليات غسل أموال بلغت قيمتها نحو 300 مليار دولار خلال عام ونصف فقط. وأكد المدعي العام أمام البرلمان أن وجود احتيال ضريبي مفترض في حساب أجنبي لا يسمح بتأسيس اشتباه كاف لتبرير فتح تحقيقات جنائية لجرائم أخرى مجهولة أو غير معروفة، لافتاً إلى أنه طبقاً للحكم الصادر من المحكمة الاتحادية العليا، فإن البحث عن أدلة تتعلق بسلوك يعاقب عليه القانون عشوائياً ودون قرينة كافية، إنما هو إجراء غير قانوني ولا يمكن استخدام نتائجه أمام محكمة، كما أن القانون يمنع استخدام أدلة وقرائن تم الحصول عليها بصورة غير مشروعة كعناصر إدانة في أية قضية. وأشار المدعي العام إلى أن قانون الإجراءات الجنائية لا يحظر ضمناً بل صراحةً استخدام الأدلة المقدمة من الأشخاص العاديين، ولكن وفقا للفقه القانوني للمحكمة الاتحادية العليا، فالأدلة التي تم الحصول عليها بصورة غير مشروعة من قِبل أفراد لا تكون قابلة للاستخدام إلَّا إذا كانت هيئات الملاحقة القضائية الجنائية قادرة على الحصول عليها بصورة قانونية، وبشرط أن تكون المصالح العليا للبلاد تميل إلى تحبيذ استخدامها. وأضاف المدعي العام، أن الادعاء العام في حالة مصرف «إتش إس بي سي» لم يكن بمقدوره الحصول بنفسه على بيانات دامغة كافية ضد المصرف وقت الحصول عليها بصورة غير مشروعة، ولا في وقت لاحق خلال التحقيق الجنائي، وأن القرائن الفعلية المطلوبة ينبغي أن تكون ذات طبيعة محددة. ودافع المدعي العام عن موقفه تحت قبة البرلمان بعد تعرَّضه لانتقادات داخلية وخارجية واسعة، أن القاعدة العامة تشير إلى أن المقال الصحافي لا يكفي وحده كقرينة، لكنه استدرك مؤكداً أن مكتبه أخذ في الاعتبار ما نُشِرَ في وسائل الإعلام لإجراء تقييم عام للوضع وليس في استخدامه كعنصر قانوني في القضية، وأنه لا توجد في الوقت الحاضر أية قرينة كافية لفتح إجراء قضائي في هذه القضية التي تتعلق بغسل الأموال في مصرف «إتش إس بي سي». وذكر المدعي العام أن الادعاء يدافع بقوة عن استقلاله، ولن يسمح لنفسه بأن يتأثر بالآراء والتوجهات السياسية، وسيواصل اعتماده الإجراءات القانونية فقط، وسيبقى بعيداً عن أي إجراء غير قانوني، وسيتخذ قراراته استناداً إلى التشريعات السارية في حيز النفاذ، مثلما فعل في هذه القضية. في المقابل، أوضح «إتش إس بي سي» في بيان أمس أنه لا يزال على خططه لشطب 260 فرصة عمل، ستكون 210 منها في جنيف منذ الآن وحتى عام 2017، مؤكداً عدم نيته فك الارتباط عن سويسرا، وأنه بدأ للتو في استثمار 200 مليون فرنك (215 مليون دولار) في مدينة كالفن على مشروعين، الأول إقامة مركز ضخم للمعلوماتية، والثاني تحديث مقاره الواقعة في شارع «ديه بيرج» المطل على بحيرة جنيف. وقال المصرف إنه لا يزال ملتزماً تماما بأنشطته في بسويسرا، سواء كمركز لتوطين الحسابات الرئيسة لأنشطة المصارف الخاصة، أو كسوق ذات أولوية للمجموعة، نافياً أن تكون قراراته بشأن إعادة الهيكلة لها علاقة بما تم الكشف عنه في «سويسليكس». وأكد «إتش إس بي سي»، أنه سيقوم بإجراء مشاورات مع موظفيه حتى منتصف الشهر الجاري، وأنه لن يتخذ أي إجراء نهائي قبل نهاية هذه العملية، ويوظف البنك نحو 1350 موظفا في سويسرا.
مشاركة :