إذا أردت أن تبدع، اجعل أحدهم يحبسك في صندوق كبير! هل سمعت أن الحاجة أمّ الاختراع؟ من أوجه صحة هذا المثل أن الإنسان كثيراً ما يكون في قمة إبداعه إذا اضطرته الحياة إلى ظروف ضيقة وألزمته بقيود، وربما قل إبداعه إذا كان مطلق الحرية مرتاح البال. بعض أعظم الإبداعات والاختراعات أتت لأن أهلها كانوا في مضائق، فالعالم اليوناني أرخميدس كلفه الملك أن يجد طريقة لفحص الذهب ويميز المغشوش منه، وأعطاه مهلة، وهذا الميقات وضغطه النفسي هو الذي دفعه ليكتشف مبدأ الإزاحة ويركض فرحاً في الشوارع صائحاً "وجدتها!". هذا المبدأ معروف في الكثير من اللغات. في اللغة البلغارية يُقال: "البؤس يعلّم". في الروسية: "الفقراء حاذقون". الإسبانية: "الحاجة أمّ العلم". الألمانية: "الحاجة تجعلك مبتكِراً". انظر إلى تويتر مثلاً. تويتر يضع قيداً على عدد الأحرف المسموح بها، 280 حرفاً (140 سابقاً)، وهذا قيد عبطي، فلماذا 280 بالذات؟ لماذا ليس 250 أو 283؟ لكن لا يهم، فقد كان هذا أكبر أسباب نجاح تويتر، وصار الثرثار بليغاً لكي لا يتجاوز الحد! هناك عمل فني هو من أعظم ما صنعه البشر، رسمات السقف في كنيسة سيستين مقر البابا في الفاتيكان. ابحث عن صورها في الإنترنت. هذه رسمها مايكل أنجلو قبل 500 سنة ولا تزال تثير الانبهار، ومن أسباب ذلك التعب الهائل الذي بذله فيها، والفضل للقيود والمشقة في الرسم بهذه الطريقة، فقد قضى شهوراً طويلة يرسم وهو ينظر للأعلى. تخيل ألم الذراعين والعينين والرقبة والظهر وغير ذلك لو استمررت على هذه الوضعية ساعة واحدة! أكثر من 1100 متر مربع رسم عليها مايكل أنجلو بصبرٍ عظيم. صمّم سقالات تُحفر في الجدران بدلاً من السقالات التقليدية. رسم حول الزوايا المثلثة والتي تشكل عائقاً مزعجاً لكن صارت شبه خفية من براعة الفكرة. وهكذا أنتج تحفته وهي أيضاً أصعب لوحة مكتملة في التاريخ. إذا ضايقتك القيود والضغوط وتمنيت الحرية لكي تنتج وتبدع.. فاحذر! قد تكون الحرية عدو إبداعك!
مشاركة :