يؤدي تزايد أعداد الشباب الذين يشكلون أغلب السكان، إلى زعزعة الوضع القائم حيث يسعى الشباب إلى إحداث تغيرات سياسية واقتصادية وزيادة الفرص المتاحة. ويبعث الحماس للرقمنة فيما بين الشباب والقادة على السواء بصيصا من الأمل. ومن الممكن أن يصبح تقديم خدمات ذات جودة وتحسين مستويات الإنتاجية في القطاع غير الرسمي محركا جديدا للنمو، وتصبح التجارة في الخدمات محركا لتحقيق الرخاء في المنطقة -شريطة أن تتكامل جهود بلدانها إقليميا وتتعزز لإقامة الأسس اللازمة لخدمات الإنترنت وأنظمة الدفع الرقمية. وثمة أمل أيضا أن تعمل بلدان مثل المغرب والجزائر ومصر على وجه الخصوص على نحو أوثق للتكامل مع جيرانها في إفريقيا جنوب الصحراء في قطاعات مثل الخدمات المصرفية، والطاقة، والصناعات الزراعية والاتصالات السلكية واللاسلكية. وتمثل الطفرة السكانية في كل من الشرق الأوسط وإفريقيا مصدرا للزيادة في حجم الطلب المكبوت ولا سيما بالنسبة للصناعات الزراعية والسلع والخدمات الأخرى التي تساعد على زيادة الإنتاج المحلي وتعزيز التكامل التجاري داخل القارة، بما في ذلك البلدان العربية الواقعة في الشطر الآسيوي، وعلى تنشيط التكامل الإقليمي فيما بين البلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ككل. ومن شأن توثيق التكامل داخل بلدان المنطقة أن يكمل عديدا من المبادرات داخل القارة الإفريقية، بما في ذلك أحدث مبادرة إلى الآن ممثلة في اتفاقية التجارة الحرة بين الدول الإفريقية. ومما لا شك فيه أن تدابير من قبيل خفض التعريفة الجمركية وحل المشكلات المتعلقة بتردي مستوى الخدمات اللوجيستية وعدم توافر أنظمة دفع عابرة للحدود ستساعد على تحقيق التكامل الإقليمي. لكن المشكلة الأساسية وراء عجز بلدان المنطقة عن التكامل داخليا وإقليميا تكمن في وجود حواجز يتعذر على الشركات التغلب عليها لدخول الأسواق المهمة أو الخروج منها، أو على حد تعبير خبراء الاقتصاد غياب البيئة التنافسية. فاقتصادات المنطقة تحابي الشركات القائمة بالفعل سواء كانت من القطاع الخاص أو مملوكة للدولة. وأدي غياب البيئة التنافسية إلى المحسوبية، وما يندرج ضمن الأنشطة الريعية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر تراخيص الاستيراد الحصرية التي تكافئ الشركات القائمة وتثبط المنافسة الداخلية والأجنبية على السواء. ولغياب البيئة التنافسية في السوق المحلية تداعيات يتردد صداها على المستوى الإقليمي. فالشركات القائمة بالفعل على المستوى المحلي تقيم في العادة حواجز أمام دخول السوق، وتجعل من الصعب غياب المنافسة المحلية وأن تتوسع هذه الشركات على الصعيد الإقليمي، ناهيك عن الصعيد الدولي. ولإطلاق العنان للتكامل المحلي والإقليمي، لا بد أن تزيل بلدان المنطقة حوائط المصالح المكتسبة فيها. ويمكن أن يعني ذلك من الناحية العملية إنشاء أجهزة رقابية لتشجيع المنافسة. ومن الممكن أن يحول إطلاق العنان للطلب الإقليمي الذي يصاحبه إصدار لوائح تنظيمية مستقلة تشجع المنافسة وتكافح الممارسات المناهضة للمنافسة دون استمرار تحكم الأقلية - تلك الكيانات الاحتكارية من أصحاب النفوذ الذين يتحكمون في الأغلب في محاولات التحرر والإصلاح، والنتيجة المؤسفة هي تشويه فكرة الإصلاح في أذهان المواطنين. وبوسع شركاء التنمية تقديم يد العون لبلدان المنطقة. ويجب عليهم أن يثيروا بشكل منسق قضايا التنافسية وما يرتبط بها من هيئات محلية مستقلة وموثوق بها من أجل تشجيع المنافسة بوصفها خطوة ضرورية إلى الأمام نحو بناء مجتمعات أكثر احتواء. ولضمان إحراز تقدم في هذا الشأن، يمكن للشركاء ربط المساعدات المقدمة باتخاذ البلدان المعنية خطوات داعمة للمنافسة، وتقديم خبرة فنية في تصميم الهيئات التنظيمية المختصة والمستقلة على الصعيدين الوطني والإقليمي. من ناحية أخرى كان لقواعد منظمة التجارة العالمية والمعايير الأوروبية بشأن الصادرات أثر محدود في هيكل اقتصادات المنطقة بسبب نطاقها الضيق. ودفعت الشروط القوية التي فرضها الاتحاد الأوروبي على البلدان الطامحة إلى الالتحاق بعضويته في شرق أوروبا وتركيا، سلطات تلك الدول إلى تبني ثقافة فاعلة للمنافسة واجتذاب الاستثمار الأجنبي المباشر. وأوروبا الآن، التي كانت ذات يوم مسرحا لحروب لا نهاية لها، هي أكبر سوق متكاملة في العالم، ويمكن أن يكون الاتحاد الأوروبي مصدرا لإلهام بلدان المنطقة. ويمكن أن تسهم دعوة مشتركة للعمل من جانب قادة المنطقة بدعم من مجتمع التنمية إسهاما كبيرا في تعزيز التجارة البينية، واجتذاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة اللازمة لجهود توفير الملايين من فرص العمل وتعزيز السلام والاستقرار الذي تحتاج إليه المنطقة. وسيشكل استمرار وجود الأطراف الفاعلة الحالية والسلوكيات الريعية التي يحفزها غياب أسواق تسودها التنافسية دائما معوقا أمام تحقيق التكامل. ولا بد أن تكفل المنطقة والمجتمع الدولي العمل على إزالة الحواجز التي تعوق دخول السوق، ومساعدة الهيئات التنظيمية المستقلة على المستويين الوطني والإقليمي على تشجيع الطلب المحلي باعتباره المحرك الرئيس للنمو المستدام الذي تعم ثماره الجميع.
مشاركة :