لم يغب عن الملك عبد العزيز، وهو يؤسس "الوطن الكبير" أن يهيئ رجالاً أجلاء وقادة عظام، قادرين على التحليق به إلى سماوات العز وفضاءات التقدم والريادة والازدهار، فكانت مدرسته هي معقل التنشئة والعلم وفنون الإدارة والسياسة والحكم، التي تربى فيها أبنائه الملوك -رحمهم الله جميعاً-، ليحملوا الراية من بعده، سائرين على دربه في رفعة الوطن وبناء الدولة الحديثة، حيث شهدت المملكة في عهودهم إنجازات حضارية وتنموية كبرى، وتضاعفت إمكاناتها في البناء والتنمية، ما جعلها قوة لها تأثيرها الديني والاقتصادي والسياسي إقليميا وعالميا.وفي خضم هذه المسيرة المباركة، ضرب التاريخ موعداً للقاء "الوطن الكبير" مع قائده الجديد، حين تمت مبايعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، ملكاً للمملكة العربية السعودية في 3 ربيع الثاني 1436 هـ الموافق 23 يناير 2015م، فأمخر -حفظه الله- بسفينة الوطن عباب البحار، وسط تحديات جسام ومخاطر مستجدة، فإلتف الشعب الوفي من حوله، ووقف خلفه، وتمسك به زعيما قويا وحازما، يفيض وفاء للوطن، وإخلاصا ومحبة لشعبه الكريم، فكان هذا اليوم هو يوم قمة "الوطن الكبير".كانت همة الملك سلمان صلبة قوية في النهوض بالمملكة عبر وثبة غير مسبوقة، تدفع بها إلى مصاف الدول العظمى، دولة عصية على الأعداء، شكيمتها حادة ونافذة على كل من يفكر بالعبث بأمنها واستقرارها ومكتسباتها التاريخية والمعاصرة، دولة تأخذ بكل مقومات العلم الحديث، عبر استراتيجية ورؤية شاملة أطلقها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع -حفظه الله- لتحقق التميز في المجالات التنموية كافة.أدرك القائد الحازم أنه لا سبيل إلى كل ما سبق إلا بإصلاح ما يجب إصلاحه داخل البيت السعودي الكبير، فكانت الإصلاحات الاجتماعية بمثابة عنوان كبير لحجم التغيير الشامل، إذ جاءت المرأة على رأس قائمة هذه الإصلاحات فأنصفتها خطوات التمكين وردت إليها الكثير من حقوقها الواجبة، لتصبح شريكا مساويا للرجل في تنمية ونهضة المجتمع، كما شملت تلك الإصلاحات بقية فئات المجتمع الأكثر ضعفا، مثل الطفل وذوي الإعاقة وكبار السن.لم تكن الإصلاحات الاقتصادية ببعيدة عن مثيلتها الاجتماعية، والتي تلخصت في استراتيجية ما بعد النفط في المملكة، وهي نظرة مستقبلية بانورامية للاقتصاد غير النفطي، الذي يجعل من الدولة وجهة العالم للاستثمار، وبوابته المشرعة لجذب وتوطين التكنولوجيا.وجاءت الإصلاحات الدينية لتعلن للعالم من جديد أن المملكة هي الحادي الفعلي والحقيقي للعالمين العربي والإسلامي، فكانت الدعوة الصادقة إلى إعادة المملكة إلى وسطية الدين الإسلامي الحنيف، والوقفة الحاسمة ضد التطرف الديني والفكري، واجتثاث منابعه وأصوله، والدعوة إلى التسامح الإنساني وقبول الأخر، فتحا جديدا لصون دماء المسلمين وكافة بني البشر من جرائم الإرهاب والعنف.وعلى الصعيد الخارجي، أيقن الملك الحازم أن التهاون مع أطماع الأخرين في محيط المملكة الخليجي والعربي، هو تهديد مباشر للأمن القومي السعودي، وأن التصدي لهذه الأطماع هو حتمية تاريخية لا فكاك منها، فكانت مسارعته في دعم الشرعية في اليمن، وإنقاذ شعبه الشقيق من براثن ميليشيات الغدر الحوثية التي باعت وطنها، خدمة لأوهام الملالي في طهران.
مشاركة :