المياه والسلام.. دعوة إلى التعاون بدلاً من التنافس

  • 9/26/2019
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

كاترينا دي ألبوكيرك * 50 في المئة من سكان العالم يحصلون على المياه العذبة من أنهار مشتركة بين بلدين أو أكثر. ومع ذلك، لا يزال هناك غياب ملحوظ لأي إطار تعاوني فيما يخص أكثر من 60 في المئة من هذه المصادر المائية المشتركة.ثمة مجموعة من التساؤلات التي تتمحور حول أهمية مصادر المياه ودورها. ومن هذه التساؤلات: كيف يمكن أن تساهم المياه في تعزيز وترسيخ السلام؟ ولماذا يتم النظر إلى مصادر المياه العابرة للحدود، مثل خزانات المياه الجوفية والبحيرات والأنهار المشتركة بين دولتين أو أكثر، على أنها من مقومات الأمن القومي؟ وهل من الممكن اعتبار مصادر المياه العابرة للحدود كنقطة انطلاق لتحقيق التعاون والتوافق بدلاً من إشعال فتيل النزاعات؟ وهل يمكن أن تسهم الجهات الفاعلة الأخرى بدور في فتح أبواب الحوار أم أن ذلك محصور بقادة الدول فقط؟إذا ما أخذنا هذه التساؤلات في الاعتبار، نجد أنه من الضروري إدارة مصادر المياه العابرة للحدود عبر تبني نهج يقوم على تأمين المياه بالتوازي مع تشجيع التوافق بين مختلف الأطراف، سواءً على المستوى العالمي أو الإقليمي أو المحلي. بادئ ذي بدء، تجب الإشارة إلى أن 50 في المئة من سكان العالم يحصلون على المياه العذبة من أنهار مشتركة بين بلدين أو أكثر. ومع ذلك، لا يزال هناك غياب ملحوظ لأي إطار تعاوني فيما يخص أكثر من 60 في المئة من هذه المصادر المائية المشتركة. لذلك فإن التوزيع غير العادل لموارد المياه، والتنافس في الاستهلاك متعدد الأغراض، مثل الري الزراعي أو الاستهلاك البشري وغيرها، إلى جانب النمو السكاني وتبعات تغير المناخ، يثير الكثير من النقاش والجدل حول نشوب «حروب المياه». وإننا نثير هذه النقاط من أجل تسليط الضوء على طبيعة الصلة الوثيقة بين المياه والسلام والأمن، والتي تعتبر جزءاً من مسألة ونقاشات أمن المياه.مصطلح «أمن المياه» يعبّر على نحو متزايد عن أنّ نقص موارد المياه يمثل تهديداً وجودياً للدولة، ما يعطي المبرر للقيام بردود أفعال ذات طابع سياسي وحتى عسكري. وقد فشلت النقاشات في تسليط الضوء على دور المياه في صون السلام والأمن الدوليين. وعلى غرار مسألة الغذاء، فإننا نرى أن شحّ موارد المياه أو فقدانها لا يعتبر سبباً لتأجيج الصراعات، بل إنّ ما يتسبب في ذلك هو كيفية التحكم بالموارد المائية وإدارتها.لدينا بالفعل عدد من تجارب التعاون العابرة للحدود والتي أثبتت فعاليتها، مثل منظمة حوض نهر السنغال التي تضم دول غينيا ومالي وموريتانيا والسنغال، وكذلك منظمة حوض نهر سافا في البلقان.وتساهم هذه الكيانات التعاونية في الدفع باتجاه تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، حيث تدعو الغاية الخامسة من الهدف السادس إلى تنفيذ الإدارة المتكاملة لموارد المياه على جميع المستويات، بما في ذلك من خلال التعاون العابر للحدود حسب الاقتضاء. ويدعو الهدف 16 إلى «تشجيع وجود المجتمعات السلمية الشاملة للجميع تحقيقاً للتنمية المستدامة، وتوفير إمكانية اللجوء إلى القضاء أمام الجميع، والقيام على جميع المستويات ببناء مؤسسات فعالة خاضعة للمساءلة».ويمكننا الربط بين الهدفين السابقين إذا ما نظرنا إلى أمن المياه من منطلق تحقيق إدارة فعّالة لموارد المياه بين الدول من أجل الموازنة بين الأهداف المتمثلة في تحقيق الجودة والاستدامة والتكيف مع التغيرات المناخية.وأعتقد أن الوقت قد حان لنقل هذه المطالب إلى صنّاع القرار السياسي وغيرهم من الجهات المعنية، مثل المنظمات غير الحكومية والأوساط الأكاديمية والمؤسسات الدينية، بحيث تتضافر جهود الجميع من أجل بناء الثقة وتعزيز التعاون. وهذا ما دعانا إلى تأسيس مؤسسة «سانيتيشن آند ووتر فور أول» من أجل تفعيل القرار السياسي للتعاون بين الجهات المعنية المختلفة واتخاذ القرارات الشاملة - المبنية على البيانات - من أجل تحديد الأولويات المالية وتشجيع الابتكار في هذا القطاع.وتحقيقاً لهذه الغاية، نقوم في المؤسسة بحشد طاقات شركائنا في القطاع الحكومي، بالإضافة إلى المؤسسات المعنية الأخرى، من أجل تهيئة بيئة مواتية للمؤسسات للتعامل بفعالية مع العقبات التي تواجههم مثل إدارة المياه عبر الحدود. وفي السياق نفسه ودعماً لتعزيز الممارسات المستدامة، تقوم جائزة زايد للاستدامة سنوياً بتكريم أصحاب الحلول المستدامة المبتكرة التي تمتلك مقومات الإلهام والتأثير.في العام 2002 وبمناسبة اليوم العالمي للمياه، قال كوفي عنان الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة: «إن أزمة المياه التي تواجه العالم لا تشكل بالضرورة سبباً للتوتر والنزاعات، لأنها من الممكن أن تكون حافزاً للتعاون... ذاك أنّ التعاون والعمل المشترك يضمنان تحقيق أمن المياه واستدامتها في المستقبل».وباختصار، من المؤكد أنّ تحقيق هذا الهدف لن ينجح إلا من خلال التعاون الدولي. * عضو لجنة التحكيم لجائزة زايد للاستدامة، الرئيسة التنفيذية لمؤسسة «سانيتيشن آند ووتر فور أول»

مشاركة :