حراك سياسي ودبلوماسي خليجي في منطقة تتنوع فيها الأزمات

  • 5/3/2015
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

إذا ما عدنا لتاريخ مؤتمرات القمم الخليجية سواءً الاعتيادية أو الاستثنائية، سنجد أن غالبيتها تأتي في مواعيد تكثر فيها الأزمات السياسية والأمنية وذلك لأسباب عدة منها: 1) التدخلات الدولية المتعددة من قبل الدول الكبرى في منطقة الشرق الأوسط؛ 2) وجود أنظمة سياسية ثورية كالنظام السياسي الإيراني الذي قام من يومه الأول بتبني سياسة تصدير الفوضى ودعم التطرف والإرهاب في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام وفي دول الخليج العربي بشكل خاص؛ 3) وجود الجماعات والتنظيمات المتطرفة والإرهابية مثل تنظم القاعدة وتنظيم داعش؛ 4) وجود عدد من العُملاء التابعين للدولة الإيرانية في بعض الدول العربية والذين يمارسون التطرف والإرهاب ضد شعوب الدول العربية مثل حزب الله في لبنان وجماعة الحوثي في اليمن وغيرهم من العُملاء والمرتزقة في الدول العربية الأخرى سواءً على شكل أفراد أو تنظيمات وأحزاب؛ 5) تطلع الدول الكبرى للتواجد في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام يؤدي لتصارعها على مناطق نفوذ مما يخلق أزمات سياسية وأمنية؛ 6) وجود أفكار سياسية وايديولوجيات ثورية تدعوا للانقلاب على الوضع الراهن وتغيره بشكل ثوري ومتطرف. وإذا ما كان هذا هو وضع منطقة الشرق الأوسط بشكل عام وتأثيراتها على اللقاءات السياسية الخليجية بشكل خاص، فإن هناك عددا من القضايا المهمة التي تجعل للقاء القمة الخليجي التشاوري الذي سيعقد يوم الثلاثاء 16 رجب 1436ه أهمية كبيرة على جميع المستويات الداخلية والإقليمية والدولية وينظر لما يصدر عنه من قرارات على جميع الجوانب السياسية والأمنية نظرة دقيقة من حيث القراءة أو من حيث التفسير. إذن ما هي القضايا التي تجعل لهذه القمة التشاورية أهمية كبيرة مقارنة بغيرها؟ هناك عدد من القضايا لعل أهمها: أولا: تولي الملك سلمان بن عبدالعزيز قيادة الحكم في المملكة العربية السعودية: هي القمة الخليجية الأولى التي يصبح فيها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ملكاً للدولة السعودية. وعلى الرغم من أن الملك سلمان ليس بالجديد على حضور القمم الرئاسية على جميع المستويات العربية الدولية، إلا أنها القمة الأولى التي يكون هو الرجل الأول في الدولة وحاضراً بما يتطلع له شخصياً من نهج وفكر سياسي وأمني واقتصادي. مما يعني أن فكراً جديداً ينتظر أن يخرج عن قرارات القمة. كذلك تنبع أهمية قيادة سلمان في أنه أحدث نقلة نوعية خلال الأشهر الثلاثة الماضية في طريقة إدارة الدولة السعودية سواءً من حيث إعادة بناء المؤسسات الإدارية والأمنية أو من حيث تعيين مسؤولين شباب في جميع المستويات السياسية والأمنية. هذه النقلة الكبيرة في طريقة الحكم تجعل المتابعين يتطلعون لتغيير في التقاربات السياسية والأمنية والاقتصادية على المستوى الخليجي والعربي والاسلامي بحكم قيادة وقدرات وامكانات المملكة العربية السعودية على جميع المستويات. ثانياً: "عاصفة الحزم" وبناء التحالف العربي والدولي: لعلها المرة الأولى التي يتم فيها عقد قمة خليجية بعد عملية عسكرية بادر وقام بها طرف عربي. فعملية "عاصفة الحزم" أسست لمرحلة جديدة سياسياً وأمنياً ونقلت القرار العربي بشكل عام والخليجي بشكل خاص من مرحلة ردة الفعل إلى مرحلة الفعل. وفي ذلك رسالة واضحة للرأي العام الخليجي بأن دول مجلس التعاون عملت خلال العقود الماضية على بناء نفسها وتطوير قدراتها بما يحقق استقرارها ويعزز أمنها. لذلك عندما دعت الحاجة لاستخدام هذه القدرات والامكانات، استطاعت اتخاذ القرار وتنفيذه على أرض الواقع. لذلك تأتي هذه القمة التشاورية بعد النجاح العسكري لعملية "عاصفة الحزم" ليدلل للقوى الإقليمية والدولية بأن دول الخليج العربي تستطيع الفعل وبكل جدارة وإن استخدمت لغة هادئة ومعتدلة. ثالثاً: صدور قرار مجلس الأمن 2216: لعلها المرة الأولى في التاريخ الذي يتبنى مجلس الأمن قضية معينة ويصدر قراراً أممياً تحت الفصل السابع بعد أن بدأت العملية العسكرية بعدة أسابيع. فالمملكة العربية السعودية والدول العربية اثبتت للعالم أجمع بأنها تمارس سياسة متقدمة ودبلوماسية محترفة في سلوكها وحوارها مع الآخر مما مكنها من إقناع المجتمع الدولي بالتصويت لصالح عملية "عاصفة الحزم" لتضفي الشرعية الدولية على العملية العسكرية وتؤطرها بالقانون الدولي. لذلك تأتي القمة التشاورية بعد النجاح الكبير للسياسة والدبلوماسية السعودية والعربية مما يجعل التطلعات الاقليمية والدولية للقمة الخليجية أكثر دقة وأعمق قراءة. ففي هذا الوقت تتطلع الدول الإقليمية والدولية لما يصدر من قرارات سواءً سياسية أو أمنية بشكل خاص لأن دول مجلس التعاون أثبتت نجاحات على جميع المستويات مما يعني أن الآخرين يتوقعون رؤية سياسية وأمنية مستقبلية حول كثير من القضايا والملفات الخليجية والاقليمية والدولية. رابعاً: قرب عقد جلسة ختامية لإنهاء الملف النووي الإيراني: إن ما يفصل موعد عقد القمة التشاورية لقادة دول مجلس التعاون عن موعد الجلسة الختامية الخاصة بالملف النووي الإيراني قرابة السبعة أسابيع. فما تم عمله بين المجموعة الدولية 5+1 من جهة والدولة الإيرانية من جهة أخرى قارب على الانتهاء بحسب التصريحات الدولية وخاصة من قبل الرئيس أوباما الذي أعلن قرب توقيع اتفاق نهائي بخصوص الملف النووي الإيراني بنهاية شهر يونيو 2015م. ولعل هذا التصريح والتقدم في المفاوضات يعتبر أمراً مهماً للسياسة الخليجية وقد يكون تحدياً كبيراً لأن التوقيع النهائي يعني خروج إيران من العزلة الدولية ورفع العقوبات في الوقت الذي تستمر في امتلاكها لبرنامجه النووي وإن كان بشرط سلمية استخدامه. لذلك تأتي أهمية القمة التشاورية لتناقش الملف النووي الإيراني وتطرح الرؤى التي بناءً عليها تتخذ دول المجلس القرارات السياسية والأمنية والرسائل التي تود إيصالها لجميع الأطراف الاقليمية والدولية. فالملف النووي الإيراني يعتبر أهم الملفات في الوقت الراهن إذا ما أخذنا في الاعتبار السلوكيات الإيرانية العدوانية ضد الدول العربية وخاصة الخليجية. خامساً: تراجع النفوذ الإيراني في المنطقة: منذ أن قامت الثورة الخمينية والصوت الإيراني مرتفع وما يعززه هو النفوذ الإيراني المتصاعد من خلال عملائها في الدول العربية. هذا الوضع تغير قليلاً خلال الأشهر الثلاثة الماضية. جاء هذا التغير من خلال: 1) عملية عاصفة الحزم التي جاءت لتعيد الشرعية السياسية في اليمن وتقف ضد تنامي النفوذ الإيراني ممثلاً في جماعة الحوثي في اليمن. فعملية عاصفة الحزم أعادت النفوذ الإيراني في اليمن سنوات للوراء. ففي الوقت الذي توقعت الدولة الإيرانية أنها تملك اليد الطولى في اليمن وصرحت بأن صنعاء أصبحت تابعة للدولة الإيرانية، جاءت عاصفة الحزم لتعيد النفوذ الإيراني والتطلعات الإيرانية للوراء مما يعني تراجعاً كبيراً للاستراتيجية الإيرانية القائمة على تصدير الفوضى للدول العربية؛ 2) تقدم المقاومة السورية على حساب قوات بشار الأسد مما يعني تراجعاً كبيراً في النفوذ الإيراني في الدولة السورية. فخلال الأشهر الماضية ونتيجة للتنسيق السياسي السعودي مع الدولة التركية والدولة الأردنية، استطاعت المقاومة السورية تنفيذ عمليات نوعية تمكنت من التوسع الميداني على حساب قوات بشار الأسد وتقدمت كثيراً نحو المناطق الآمنة لبشار الأسد ونظامه. لعل هذين المؤشرين يثبتان بأن نفوذ الدولة الإيرانية في تراجع خلال الأشهر الماضية وبأن النفوذ العربي في تصاعد. لذلك تأتي القمة التشاورية في وقت إيجابي للسياسة الخليجية يمكنها من اتخاذ مواقف سياسية وإصدار قرارات تجعل الدول الإقليمية والدولية تأخذها في عين الاعتبار. سادساً: قبل زيارة قادة دول مجلس التعاون الخليجي للولايات المتحدة: عقب الاتفاق المبدئي للملف النووي الإيراني، دعا الرئيس الأميركي باراك أوباما قادة دول مجلس التعاون الخليجي لزيارة الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة متقدمة جداً على جميع المستويات، إلا أن هناك الكثير من المواضيع السياسية التي يوجد فيها تباين في وجهات النظر بين دول مجلس التعاون والولايات المتحدة ومنها القضية الفلسطينية والمسألة السورية والملف النووي الإيراني وغيرها من الموضوعات. لذلك تأتي أهمية القمة التشاورية قبل توجه قادة دول مجلس التعاون للولايات المتحدة منتصف شهر مايو 2015م لتجعل التنسيق الخليجي على أعلى مستوى وفي نفس الوقت تبني موقفاً سياسياً موحداً. وفي الوقت الذي لن يكون هناك بيان ختامي، إلا أن ما يصدر من بيانات سياسية وتصريحات دبلوماسية يجعل الموقف الخليجي واضحاً للسياسة الأميركية قبل بدء الزيارة مما يعزز الموقف الجمعي لدول مجلس التعاون في المحادثات مع الولايات المتحدة. سابعاً: تواجد الرئيس الفرنسي فرنوا هولاند في القمة كضيف شرف: التقارب الكبير بين دول مجلس التعاون والدول المتقدمة صناعياً واقتصاديا كفرنسا يعطي مؤشراً إيجابياً لدول مجلس التعاون على جميع المستويات، وفي نفس الوقت رسالة سلبية للدولة الإيرانية التي تتطلع لتصدير الفوضى في منطقة الشرق الأوسط. فمن خلال وجود الرئيس الفرنسي كضيف شرف في القمة التشاورية الخليجية يعني تواجدً للقوى الغربية بشكل عام وللمجموعة الأوروبية بشكل خاص. وهذا بحد ذاته يكفل التنسيق المتقدم سياسياً وامنياً واقتصادياً وتكنولوجياً بين دول مجلس التعاون والدول المتقدمة. لذلك تأتي أهمية القمة التشاورية لتوصل رسالة للدول الإقليمية والدولية بأن دول مجلس التعاون تحظى بعلاقات سياسية ودعم عسكري وتقني وتكنولوجي من الدول الفاعلة على المستوى الدولي مما يعزز قراراتها السياسية ومواقفها الأمنية. ثامناً: النجاحات الكبيرة في محاربة التطرف والإرهاب: بما صدر عن وزارة الداخلية السعودية من بيانات حول القبض على عدد كبير من المنتمين للجماعات والتنظيمات المتطرفة والإرهابية رسالة واضحة للدول الإقليمية والدولية بأن قوى الأمن الداخلي قادرة على تتبع المتطرفين والإرهابين ومن يدعمهم. كذلك رسالة واضحة بأن المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي تقف بحزم ضد التطرف والإرهاب. لذلك تأتي أهمية القمة التشاورية الخليجية لتعزز من الموقف السياسي السعودي الذي ينادي بمحاربة التطرف والإرهاب على جميع المستويات الدولية. كذلك يعتبر رسالة إسلامية خالدة بأن السعودية الممثلة للدين الإسلامي الوسطي تقف بحزم ضد من يشوه سمعة الإسلام والمسلمين بغض النظر عن خلفيته وانتماءاته. تاسعاً: عملية "إعادة الأمل" للشعب اليمني: بدعم الشرعية السياسية في اليمن ومحاربة الجماعات والتنظيمات المتطرفة والإرهابية، بدأ التحالف الدولي بعملية "إعادة الأمل" المتمثلة بالدعم الاقتصادي والتنموي للشعب اليمني لتحسين مستواه المعيشي بعد أن عانى خلال العقود الماضية من ديكتاتورية الرئيس علي عبدالله صالح وانتهاءً بالانقلاب المسلح الذي قامت به جماعة الحوثي العميلة للدولة الإيرانية. لذلك تأتي أهمية القمة التشاورية لتعزز عملية "إعادة الأمل" بما يتخذ من قرارات تصب في اتجاه دعم البرامج التنموية والاقتصادية والتنسيق في ذلك مع دول مجلس التعاون على جميع المستويات وفي كل المجالات. وقد تكون هناك قرارات تعزز عملية "إعادة الأمل" في المجالات السياسية والأمنية. وإذا كانت هذه القمة التشاورية تأتي في وقت مهم لدول مجلس التعاون، فإن هناك دولا أخرى ترى في عقد هذه القمة التشاورية أهمية أكبر مما نتوقعها في دول الخليج العربي. فالدولة الإيرانية تترقب ما سوف يصدر من قرارات سياسية وأمنية، والدولة التركية تتطلع للعودة من جديد لتطوير علاقاتها السياسية مع دول مجلس التعاون، والمجتمع الدولي ينظر دائماً باحترام وتقدير لهدوء واتزان الخطاب السياسي الخليجي الذي استطاع خدمة دوله واقامة علاقات متوازنة مع جميع دول العالم. ومن جهة أخرى هناك الشعب اليمني الذي يتطلع للنموذج الخليجي المستقر سياسياً وأمنيا والمتقدم اقتصاديا وتنموياً وينتظر قرارات خليجية تواصل دعمه على جميع المستويات. وكذلك هناك الشعب السوري الذي يتمنى أن تكون القمة التشاورية واللقاء الخليجي الأميركي بداية لنهاية معاناته من نظام البعث وميليشياته. ولعل هناك من يقول أين فلسطين وشعبها الأبي، فإننا نقول بأننا ننظر للقضية الفلسطينية بأنها قضية القضايا وتأتي على رأس جدول أعمال جميع القمم واللقاءات والمؤتمرات الخليجية والعربية والاسلامية. وأخيرا، فإنه بالرغم من تعدد قضايا وملفات منطقة الشرق الأوسط، إلا أننا في دول مجلس التعاون الخليجي قادرون بعون الله ثم بفضل قادة وسياسية هذه الدول من التغلب على كل التحديات والصعوبات والتقدم نحو الأمام في جميع المجالات وعلى كل المستويات. * أستاذ ورئيس قسم العلوم السياسية جامعة الملك سعود

مشاركة :