شكلت كلمات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في البرقية التي بعثها، لصاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل بعد ترجله من منصبه وزيرا للخارجية دلالة واضحة على ما يتمتع به سموه من مكانة مرموقة من القيادة الرشيدة، حيث قال - حفظه الله - في برقيته: «يعلم الله أن طلبكم من أصعب الأمور علينا وأقساها، إلا أننا نقدر عاليا ظروفكم، وقد عرفناكم كما عرفكم العالم أجمع على مدى أربعين عاما متنقلا بين عواصمه ومدنه شارحا سياسة وطنكم وحاملا لواءها ومنافحا عن مبادئها ومصالحها ومبادئ ومصالح أمتكم العربية والإسلامية، مضحين في سبيل ذلك بوقتكم وصحتكم، كما عرفنا فيكم الإخلاص في العمل والأمانة في الأداء والولاء للدين والوطن، وكنتم خير سفير، ولقادته خير معين». حكمة وحنكة ولقي سمو الأمير سعود الفيصل إشادات واسعة النطاق داخليا وخارجيا، حيث أعرب وزراء خارجية دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية عن تقديرهم الكبير واعتزازهم البالغ بالدور التاريخي المميز الذي قام به سموه في تأسيس مجلس التعاون ودعم مسيرته المباركة والجهود المخلصة والمتفانية التي بذلها سموه طوال العقود الأربعة الماضية لنصرة القضايا الخليجية والعربية، والدفاع عن حقوق الأمة العربية والإسلامية في المحافل الإقليمية والدولية، حيث كان صوته حاسماً ومؤثراً في إظهار الحقائق وإبرازها أمام المسؤولين والرأي العام العالمي في مختلف المواقف والقضايا.. ونوه الوزراء بالخصال المميزة والمناقب الحميدة التي تحلى بها وما عرف عن سموه من حنكة مميزة وحكمة بالغة ورؤية ثاقبة وسعة اطلاع ومعرفة بدروب العلاقات الدولية، وما تمتع به سموه من دماثة خلق ورحابة صدر وعلاقات صداقة واسعة أكسبته احترام وتقدير العديد من زعماء وقادة دول العالم. وأكدوا أنه سيبقى في ذاكرتهم ومعهم فقيهاً في السياسة، وعلماً بارزاً في السياسة الخليجية والعربية والدولية. دبلوماسية الفيصل وفي ذات الإطار قال الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة وزير خارجية مملكة البحرين إنه تأثر بدبلوماسية الأمير سعود الفيصل وبحزمه ولينه في مختلف المواقف والظروف، مؤكدا أن سموه قدم لوطنه وشعبه وأمته كل ما يملك، بكل أمانة واقتدار فقد كفى ووفى وكان نعم الأخ الأكبر. وأكد وزير خارجية اليمن رياض ياسين أن الأمير سعود الفيصل شخصية عالمية استطاع طوال عمله الدبلوماسي أن يقدم الدعم لقضايا أمته العربية والإسلامية، وأن يكون خير معين لها، لافتا إلى أن الحنكة السياسية التي يتمتع بها في كثير من القضايا شكلت قوة سياسية برغم العواصف والأزمات التي مرت بها المنطقة. شخصية لن تتكرر وأكد سفير خادم الحرمين الشريفين لدى مصر أحمد عبدالعزيز قطان، أن من يعرف سموه يعرف مدى الجهد الشاق الذي قام به في تأسيس العمل الدبلوماسي طوال أربعة عقود، مما يؤكد أنه شخصية لن تتكرر في تاريخ الحياة الدبلوماسية بعد أن خدم دينه ووطنه في كثير من القضايا والمواقف والأزمات. ويضيف السفير قطان «خلال عملي في وزارة الخارجية طوال 37 عاما التصقت بسموه خاصة في السنوات العشر الماضية، فوجدته نعم المعلم والموجه والحكيم وصاحب الرؤية الثاقبة التي تتسم بالرصانة والعقلانية». قوة دبلوماسية ويصف الدكتور سامي الصالح سفير خادم الحرمين الشريفين لدى الأردن، الأمير سعود الفيصل بأنه مدرسة في العمل السياسي الدبلوماسي، وشخصية نادرة، حيث شكّل قوة دبلوماسية سعودية في قضايا وأزمات عديدة وكبيرة، إلا أنه نجح في أن يكون للمملكة الصوت القوي في المحافل الدولية، ويمثل دوره السياسي في حرب تحرير الكويت، أحد أبرز جهوده في العمل الدبلوماسي المؤثر، إلى جانب دوره الكبير في الهيئات الدولية. نضج التجربة السعودية أما الدكتور زهير الحارثي الكاتب المتخصص في الشؤون السياسية وعضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشورى فيؤكد «كان من الطبيعي أن تنضج التجربة السعودية عبر التاريخ وتراكم خبرات رجالاتها وقاداتها لتجسد استقراراً سياسياً وأمنياً مقبولاً في ظل معطيات وتحولات في منطقة غير مستقرة، وأثبتت الأحداث رسوخ مؤسسة الحكم بدليل ترتيب البيت الداخلي وإدخال جيل الأحفاد في تولي مناصب عليا في الدولة ما يعني ضمانة لاستقرار البلاد واستمرارية السلطة»، مشيرا إلى أن طلب الأمير سعود الفيصل إعفاؤه من منصبه لظروفه الصحية، وهو الذي قاد سياسة بلاده في أصعب الأوقات كما وصفه كيري وزير الخارجية الأمريكية ليمثل مفاجأة كبيرة، ولكن القيادة رأت أن تستفيد من خبرته العريضة وحنكته السياسية كونها تثق بتجربته التي لا يمكن الاستغناء عنها، وذلك من خلال تعيينه عضوا بمجلس الوزراء ومستشارا ومبعوثا خاصا للملك ومشرفا على الشؤون الخارجية. ويضيف الحارثي: «شخصية الأمير سعود الفيصل من الشخصيات التي لها ثراء فكري وثقافي وإنساني، وهو ما انعكس على آراء وانطباعات مشتركة في عقول الناس وفي قلوبهم، حيث حظي بتكريم غير مسبوق من الشعب السعودي بعد ترجله عن وزارة الخارجية، فالرجل تاريخيا يعتبر أحد أهم المؤثرين في الدولة السعودية الحديثة منذ عقود، وساهم في بناء دولته كونه سياسيا مخضرما ودبلوماسيا خبيرا بخفايا تاريخ العالم ومستوعبا لمعادلاته الجيوسياسية ولعبة موازين القوى ومدركا لحساسية الجغرافيا وتعقيداتها، فقد كان سعود الفيصل شيخ الدبلوماسية وعميد وزراء خارجية العالم صاحب الدور الأكثر تأثيرا في المحافل الدولية، وظل على مدى أربعة عقود يدافع عن مواقف بلاده بقدرة لافتة وما انفك يحمل قضايا أمتيه العربية والإسلامية بكل اقتدار، وبالتالي لا أتصور أن هناك شخصية دبلوماسية عربية مرموقة تحظى باحترام وإعجاب الغرب، استطاعت أن تنافس مكانة وعراقة وحجم الأمير الدبلوماسي الأقدم في السعودية، حيث عاصر سموه ملوك البلاد السابقين رحمهم الله جميعا ولعب أدوارا معلنة وخفية في ملفات خارجية تنفيذا لتوجيهات الملوك الذين عمل معهم مستشارا ومبعوثا، بل وساهم في بناء بلاده والارتقاء بها لمصاف الدول المتقدمة». يواصل د. الحارثي: منذ عقود ونشاطه الدبلوماسي الدائب الحركة محط أنظار المتابعين، وكان لجهوده المميزة أثر على تقدير الزعماء والقادة في أنحاء المعمورة لدور المملكة المحوري وعمقها العربي والإسلامي، فضلا عن ثقلها الاقتصادي، ولعل نظرته الثاقبة ورؤيته المنفتحة وعقليته المتزنة من العوامل التي شكلت حضوره الطاغي في المؤتمرات والمنتديات والملتقيات.. كان معبرا عن احترافية الدبلوماسية السعودية في الساحة الدولية من أجل دعم القضية الفلسطينية ومواجهة تمدد المشروع الإيراني، وساهم في إعادة الروح للشمل الخليجي وقام بدوره في إنقاذ الموقف العربي من الانهيار بشفافية مطلقة أذهلت الأصدقاء قبل الأعداء، وظل ممسكا بمحددات سياسة بلاده التي تدعو لتعزيز الأمن والاستقرار الدوليين وترفض التدخل في شؤون الدول الأخرى، وترى أن من مصلحة دول المنطقة النزوع إلى التهدئة والحوار لا التأزيم والتصعيد. الوزير الأشهر ويصف الدكتور صدقة فاضل عضو مجلس الشورى وأستاذ العلوم السياسية الأمير سعود الفيصل أنه رجل دولة من الطراز الأول، وجاء تعليمه مرتكزا في الاقتصاد والعلوم السياسية والعلاقات الدولية ليؤكد ممارسته الدبلوماسية بكل نجاح حتى أصبح أشهر وزير خارجية في العالم وأقدمهم، بل هو مدرسة كونه خريج مدرسة الملك فيصل رحمه الله، التي أنجبت أبرز مدرستين ممن يسجل لهم التاريخ قدرتهما الفائقة في السياسة الداخلية ورائدها الأمير خالد الفيصل، والسياسية الخارجية ورائدها الأمير سعود الفيصل، حيث عاصر سموه في مسيرته التي امتدت أربعة عقود العديد من الملوك، وأسهم في الإبحار بسفينة الوطن نحو بر الأمن والأمان في منطقة تعتبر أكثر مناطق العالم اضطرابا وعدم استقرار وقلاقل وفوضى في بعض الحالات، لكنه بخبرته المشهودة بالعلاقات الدولية المعاصرة والسياسة الخارجية، أصبح أستاذا لها ويستطيع تدرسيها على مستوى الجامعات، وكان مشهودا له بنجاحاته الدبلوماسية بدءا من الحرب العراقية الإيرانية ثم حرب تحرير الكويت والحرب الأمريكية على العراق، وكان سموه نجما ساطعا في تلك الحروب معبرا عن الموقف السعودي والعربي والإسلامي بالحرص على مصالح الأمة والحيلولة دون الاختراق الأجنبي لها والتأثير السلبي للاطماع الأجنبية في الأرض العربية، وكان سموه من أكثر المناوئين للعدوان الصهويني على الأمة، ولعب دورا كبيرا في كشف الأهداف الحقيقية للصهوينية وظلمها وعدوانها على الشعب الفلسطيني والمنطقة. ويستذكر الدكتور صدقة فاضل حضور الأمير سعود الفيصل لمجلس الشورى قبل فتره قصيرة قائلا: لقد استمعت لسموه ورؤيته الشاملة العميقة، وكان له العديد من النظريات العلمية في العلاقات الدولية، حيث أشار إلى أن الحرب ليس فيها كاسب، فالجميع خاسر، «ولكننا إذا أبتلينا فإنه لابد من ردة فعل». وضوح وشفافية ويعرج الدكتور محمد الأحمد أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود على براعة سموه في الرد على أسئلة الإعلاميين في المؤتمرات الصحفية وخاصة تلك التي تحاول وسائل الإعلام الغربية تمريرها، حيث تجيء ردوده واضحة وصريحة وسرعة بديهة عرف بها سموه، ومن المواقف التي أذكرها أثناء حرب التحالف في عاصفة الحزم ضد الحوثيين والمتمردين في اليمن، وجه لسموه سؤال عن الحرب هل هي ضد إيران؟ فما كان من سموه إلا أن رد بتساؤل آخر، «وهل أصبحت إيران في الجزيرة العربية؟»، إضافة إلى تواجده المؤثر والأحداث السياسية، حيث لقي الكثير من الإشادات من وزراء خارجية دول العالم والدبلوماسيين نظير قدرته ونجاحاته الكبيرة. ويطرح الدكتور الأحمد اقتراحا بإطلاق اسم الأمير سعود الفيصل على معهد الدراسات الدبلوماسية، كأقل تقدير لخدمات سموه الكبيرة للوطن. رسالة إلى الخارج وأخيرا يؤكد الدكتور فهد المليكي أستاذ الإعلام الدولي بمعهد الدراسات الدبلوماسية أن الأمير سعود الفيصل حمل رسالة المملكة إلى الخارج، حملها بكل اقتدار وتفان، حيث قدم للعالم رؤية المملكة في مختلف القضايا الإقليمية والعربية والإسلامية، ورسم بكل براعة الدور السعودي في المحافل الخارجية التي كانت تشهد ولازالت الكثير من الأزمات والصراعات، إلا أنه كان شخصية تتمتع بالذكاء الخارق والقدرة والتفوق في العمل الدبلوماسي، وهي شهادة نالها من كافة الأوساط السياسية في مختلف دول العالم، منوها بدوره الكبير في قضايا عصفت بالمنطقة، حيث كان بالفعل شخصية مؤثرة في الدوائر السياسية.
مشاركة :