العنف واللاعنف والإيمان

  • 5/3/2015
  • 00:00
  • 45
  • 0
  • 0
news-picture

في محاضرة ألقيتها في الولايات المتحدة بدعوة من طائفة المنونايت، تحدثت عن السلام في الإسلام وكيف أن الكثيرين قد أساءوا للدين بتركيزهم على المعارك والمنازعات وما جرى من فصول العنف وتناسوا الجوانب السلمية والدعوة للمحبة والتسامح والسماحة والتعايش مع الآخرين. تحدّاني بعد المحاضرة أحد الحاضرين فقال، إن العنف مرتبط دائمًا بالأديان، وجُل الحروب الدامية في التاريخ في سائر القارات كان سببها الدين والخلافات والاختلافات الدينية والمذهبية. وأشار إلى الحرب الثلاثينية التي مزّقت أوروبا في القرون الوسطى واستمرت ثلاثين عامًا من سفك الدماء بين الكاثوليك والبروتستانت. ودخلنا على أثر ما قال في مناقشات طويلة في هذا الموضوع الشائك. ولا عجب، فطائفة المنونايت، التي دعتني لأقدم تلك المحاضرة، من الطوائف المسيحية المتشبثة بالسلام، وتعتبر أن ما جرى من منازعات دموية يعود للخروج عن تعاليم المسيح. وتدعو إلى العودة للحياة كما عرفها. وكما قلت، هذا موضوع شائك اختلف المفكرون ودعاة الأديان بشأنه، بيد أن منظمة مؤسسة بول إنترناشيونال الدولية أجرت في الآونة الأخيرة تحقيقًا ميدانيًا ضافيًا اعتمد على استبيان آراء ألف مواطن من 65 دولة. لم أجد بينها غير المملكة المغربية وبنغلاديش من عالمنا الإسلامي. استنتج التقرير أن العنف يتماشى تماشيًا طرديًا في معظم الدول مع الإيمان، يقل حيث يقل الإيمان وينتشر ويعم حيث يقوى في تفكير الناس. فالصين مثلاً يقول التقرير دولة مستقرة آمنة لا دور للعنف في حياة سكانها رغم عددهم الذي تجاوز المليار نسمة. لا يتجاوز عدد المؤمنين بالدين فيها 6 في المائة من مجموع السكان. وربما كان أكثر هؤلاء من الطائفة المسلمة التي تطالب بالاستقلال والانسلاخ من الصين. الدولة الأخرى التي تميزت بالاستقرار والسلام والحياة الآمنة هي اليابان. يقول التقرير، إن عدد المؤمنين بالدين فيها لا يتجاوز 13 في المائة من مجموع السكان. لم أجد ذكرًا لكوريا الجنوبية وبقية دول النمور التي أدهشت العالم بنموها الاقتصادي والصناعي في السنوات الأخيرة. ولربما نجد أن كوريا الجنوبية تحاذي الصين واليابان في قلة الإيمان الديني. ولكنها ترتفع في هونغ كونغ إلى 26 في المائة. تأتي بعد دول النمور دول شمال أوروبا في السير بهذا الاتجاه. ففي السويد تنحصر نسبة المؤمنين بمقدار 19 في المائة، وتبلغ هذه النسبة في جمهورية التشيك 23 في المائة، ولكنها ترتفع في هولندا إلى نسبة 26 في المائة. أما بريطانيا فتحتل المكانة السادسة في قلة الإيمان، فالمؤمنون فيها ينحصرون بنسبة 30 في المائة. ولا يذهب منهم للعبادة في المعابد غير نحو 3 في المائة فقط. وربما نجد أن أكثرهم مسلمون. وصرح نحو 53 في المائة من الجمهور بأنهم خارج الدين في حين قال 13 في المائة إنهم يعتبرون أنفسهم ملحدين. وعلى نقيض ذلك، يقول التقرير إن الإيمان بالدين يرتفع إلى 94 في المائة في تايلاند الغارقة بالعنف والاقتتال و93 في المائة في بنغلاديش. وهذه الظاهرة تثير في النفس التأمل. فسائر الأديان تقريبًا تحث على الالتزام باللاعنف والسلام والمحبة والسماحة وتنهى عن القتل والعدوان، فلِمَ وكيف تمخضت عنها نتائج مناقضة لذلك؟!

مشاركة :