قبل 19 عاما.. وفي 28 سبتمبر/أيلول 2000 اقتحم زعيم المعارضة اليميني المتطرف، آرئيل شارون، باحة المسجد الأقصى بحماية زهاء ألفين من الجنود وحرس الحدود الإسرائيليين وبموافقة رئيس الوزراء الإسرائيلي ـ وقتئذ ـ إيهود باراك، وشهدت باحات المسجد الأقصى مواجهات عنيفة أسفرت عن إصابة عدد من المصلين الفلسطينيين، وفي اليوم التالي وفي جريمة مبيّتة اقتحمت قوات الاحتلال المسجد الأقصى وفتحت النار على المصلين فاستشهد 9 فلسطينيين وأصيب آخرون.. وكانت هذه الواقعة بمثابة الشرارة التي ألهبت الأراضي الفلسطينية بسلسلة من المواجهات الدامية امتدت لتشمل المدن والبلدات الفلسطينية وراء الخط الأخضر ( فلسطين المحتلة 1948).. وبعد يومين من المواجهات، وفي الثلاثين من الشهر نفسه استشهد الطفل الفلسطيني «محمد الدرة» بعد أن حاصرته النيران الإسرائيلية بين يدي أبيه، فهزت صورته ضمائر البشر في كل أرجاء المعمورة وصار بذلك رمزا للانتفاضة الفلسطينية في كل مكان. انتفاضة البراق.. أول ثورة دفاعا عن الأقصى وهكذا اندلعت انتفاضة الأقصى المبارك، لتعيد للذاكرة الفلسطينية واقعة «انتفاضة البراق» في جميع أنحاء فلسطين، في شهر أغسطس/ آب من عام 1929 بعد أن قام اليهود بترديد الأناشيد أمام حائط البراق ووضع كراسي وطاولات وستائر لأداء الصلاة وأطلقوا هتافات استفزازية ضد الفلسطينيين وأعلنوا ملكيتهم لحائط البراق تحت مسمى «حائط المبكى»، واضطرت دولة الانتداب ( بريطانيا) إلى الاستعانة بقوات من الجيش البريطاني من خارج فلسطين لقمع الانتفاضة التي استشهد فيها عشرات الفلسطينيين.. ويبدو أن بريطانيا وجدت الأمر أكبر من إمكانياتها لذلك اقترحت على عصبة الأمم المتحدة تشكيل لجنة للتحقيق حول ملكية حائط البراق. وظلت اللجنة في فلسطين على مدى شهر تستمع إلى شهادات اليهود والمسلمين، وقدم المسلمون في ذلك الوقت وثائق عديدة تؤكد ملكيتهم لحائط البراق، بينما اقتصرت مطالب اليهود على السماح لهم بالصلاة عند حائط البراق دون تقديم أي وثائق تؤكد حقهم فيه أو الادعاء بذلك.. وبعد تحقيقات مكثفة مع المسلمين واليهود، قامت بها «لجنة أممية»، أصدرت عصبة الأمم المتحدة عام 1931 ، قرارا يؤكد على : «أن للمسلمين وحدهم تعود ملكية حائط البراق، ولهم وحدهم الحق العيني، لأنه يؤلف جزءا لا يتجزأ من مساحة الحرم الشريف التي هي من أملاك الوقف، وللمسلمين أيضا تعود ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط وأمام المحلة المعروفة بحائط المغاربة المقابلة للحائط لكونه موقوفا حسب أحكام الشرع الإسلامي لجهات البر والخير». ومنذ انتفاضة البراق، وحتى اللحظة الراهنة المشحونة بالاقتحامات المتتالية والانتهاكات السافرة.. فإن الوقائع تشير إلى مخطط التربص بالمسجد الأقصى. مزاعم «الهيكل» وأكذوبة «حائط المبكى» والفصول الأولى لقصة «حائط المبكى»، كانت تقريبا مع بداية الحكم العثماني لفلسطين، حين استغل اليهود تسامح المسلمين وكشفوا عن نواياهم بالاستيلاء على المقدسات الإسلامية، وبدأت تحركاتهم لخلق أكذوبة حائط المبكى ( حائط البراق )، وترجع أهمية هذا الحائط بالنسبة للمسلمين إلى أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ربط عنده «البراق» الذي أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى.. بينما يزعم اليهود أن الحائط يمثل جزءا من جبل الهيكل «معبدهم القديم»، يبكون عنده حزنا على تدمير الهيكل.. وتتعارض المزاعم الإسرائيلية بشكل لا يدع مجالا للشك مع جميع الأسانيد التاريخية والدينية والقانونية التي تؤكد أحقية المسلمين في حائط البراق، وأن فكرة حائط المبكى لم تظهر عند اليهود قبل القرن الـ 16 الميلادي، عندما طردتهم الدولة الإسبانية وسمحت لهم الدولة العثمانية بالإقامة في الأراضى التابعة لها، وبدأ تحول في سياق المزاعم اليهودية المتعلقة بالقدس الشريف عام 1520..وبعد سنوات من الفتح العثماني لفلسطين أصبح حائط البراق جزءا من التقاليد اليهودية الجديدة، وصار جزءا مقدسا منها، وقد تحول إلى حائط لبكاء اليهود عنده .. وقبل ذلك كان اليهود يتجمعون للصلاة عند جبل الزيتون وبوابات الحرم حتى أصدر السلطان «سليمان القانوني» فرمانا يسمح بوجود «مكان لليهود للصلاة فيه» عند الحائط الغربي، وكان تسامح العثمانيون مع اليهود هو السبب وراء المطامع في حائط البراق واختراع الأكذوبة المتعلقة به.. وتؤكد الموسوعة اليهودية ) وهي موسوعة نشرت في نيويورك في الفترة بين 1901 و1906، وتشكل مرجعاً هاماً عن تاريخ ومعتقدات اليهود)، أن المصادر المتعددة التي تتحدث عن اليهود خلال العصور السابقة للقرن الـ 16 الميلادي لم تذكر شيئا عن تقديس اليهود للحائط الغربي أو حائط البراق، وأن التجمع اليهودي للعبادة كان يجري في جبل الزيتون. وفي واقع الأمر فإن حلم البحث عن هيكل سليمان، كان ملازما لحلم دولتهم في فلسطين، ولم يكن اللعب على الوتر الديني اليهودي وأساطيره لتكون فلسطين وطن اليهود الموعود والمختار، لم يكن منفصلا عن عقيدة بناء الهيكل فوق أنقاض المسجد الأقصى، وبنفس المقدار وربما أشد، استجابة لمعتقدات «الفريضة المقدسة»، وأحكامها، وروادعها، لمن يتخلى عنها، لأنه ينفي حلم الوطن الموعود!! حصان «طروادة » لهدم المسجد الأقصى دون معرفة الجاني! الحقائق والمعلومات التي كشفت عنها الحفريات وعمليات التنقيب، وصلت إلى سمع الكثيرين داخل إسرائيل، ولكنها لم تصل إلى عقولهم، لأن الباحثين عن الهيكل قادرون على الغواية بلا حدود، وكان للأوهام سلطانها الغلاب على ( 120) جماعة يهودية تركز جهودها لحفر المزيد من الأنفاق والمزيد من أعمال الحفريات، وتشارك في تنفيذ مخطط التدمير المنظم للمسجد الأقصى.. وفي منتصف السبعينيات ظهرت 14 حركة متطرفة يهودية تنافست فيما بينها للمساس بالمسجد الأقصى وباقي المقدسات الإسلامية، إلا أن حركة «أمناء جبل الهيكل» كانت هي الأقوى، والتي حظيت بدعم المسئولين الإسرائيليين، وقد توسعت تلك الحركة فيما بعد لتضم بين صفوفها أعضاء بالكنيست الإسرائيلي، وقادة من الجيش الإسرائيلي (سابقون وحاليون)، ورموز الأحزاب السياسية في إسرائيل، وتعرف الحركة حاليا باسم «ريفافا»، وكانت أبرز نجاحات تلك الجماعة هي الحصول على حيّ سكني كامل بجوار الحرم القدسي، قام ببنائه على أنقاض البيوت العربية، «أولمارت» نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق عندما كان رئيسا لبلدية القدس، وأعلن «أولمرت» حينها في عام 2000 أن بناء ذلك الحيّ وتسليمه لجماعة أمناء جبل الهيكل ليس إلا رسالة إلى العرب لتكريس سيادة إسرائيل على مدينة القدس!! وترى جماعة «ريفافا » أن ذلك الحيّ الذي حصلوا عليه بجوار الحرم القدسي هو حصان «طروادة » الذي سيمكنهم من هدم المسجد الأقصى دون معرفة الجاني المنفذ لتلك العملية. التفجير..السيناريو الأقرب لنسف المسجد وقد بدأت جماعة «ريفافا» بعد تسلّمها تلك المساكن، في حفر شبكة جديدة من الأنفاق من داخل المنازل لتصل إلى أسفل قواعد الحرم القدسي ليمكنهم ذلك يوما ما في زرع الألغام الناسفة أسفل الحرم، وهو السيناريو الأقرب إلى الحدوث من بين السيناريوهات المختلفة للاعتداء على المسجد الأفصى.. ومن أبرز المنظمات الإرهابية الساعية لهدم الحرم القدسي : «حي في قييم »، و«جوش إيمونيوم » بقيادة الحاخام الإرهابي تسافي يهودا كوك، ومنظمة «عطيرت كوهنيم» التي تحمل على عاتقها مهمة تهويد القدس، ومنظمة «معهد بحوث الهيكل» الذي أسسها يسرائيل إربيل في منتصف الثمانينيات، وجماعة «مؤمني الهيكل وأرض إسرائيل»، وحركة «بناء الهيكل»..وترتبط تلك الحركات الإرهابية بعدة حركات مسيحية صهيونية في بروكلين بنيويورك، واستراليا ، والتي نجحت في تجنيد العديد من كبار رجال السياسة وعدد كبير من رجال الأعمال، وجمع مئات الملايين من الدولارات وضخها إلى الحركات الإرهابية على أرض فلسطين المحتلة لخدمة عملية محو الهوية العربية للقدس وإقامة الهيكل المزعوم وتمويل ما أسمته بـ «أوتسرهاقدوش» أو «صندوق الهيكل»..والبحث في خلفية تلك الحركات الإرهابية يؤكد حقيقة أن تلك الحركات ليست إلا اليد التي تنفذ وستنفذ بها الحكومة الإسرائيلية جرائمها، وأن عملها ليس مستقلا بأي حال من الأحوال !! الحفريات لم تثبت وجود أي أثر للهيكل أسفل الأقصى ولم يكن ذلك يعني شيئا آخر، غير أن الكل ـ أوغالبيتهم تحديدا ـ يريد ويتمنى ويتحرق بالرغبة واللهفة لليوم الموعود بإقامة الهيكل على أنقاض الأقصى، ورغم ما يؤكده علماء الآثار ومن بينهم يهود، «مائيير بن دوف» مثلا، بأنه لا يوجد أثرا لما يسمى بجبل الهيكل أسفل المسجد الأقصى، وأشار في دراسة أعدها في العام 2004 إلى عدم وجود أثر للهيكل في العصر الإسلامي، وأن الحفريات التي تمت خلال الـ 25 سنة الماضية لم تثبت وجود أي أثر للهيكل أسفل المسجد..وقال «مائير بن دوف» : إن الجماعات اليهودية المتطرفة التي تحاول اقتحام الحرم القدسي، هي جماعات لا تتبع الشريعة اليهودية التي تحرم دخول المتدينين اليهود إلى ساحات الحرم !! إلا أن هذه الدراسات اليهودية والموثقة لا تلقى قبولا داخل المجتمع الإسرائيلي، ومازالت عمليات الحفر والبحث والتنقيب تتم أسفل المسجد الأقصى بهدف هدمه لإنشاء الهيكل الثالث بعد أن فشلوا في إيجاد أي بقايا تدل على وجود أي أجزاء من الهيكل الثاني تحت الأقصى. علماء الآثار ينفون علاقة الأقصى بمزاعم الهيكل وقد تم طرد عالمة الآثار البريطانية «كاثلين كينيون» من فلسطين بعد فضحها للأساطير الإسرائيلية حول وجود آثار لهيكل سليمان أسفل الأقصى وذلك أثناء قيامها بأعمال حفريات بالقدس، واكتشفت أن ما يطلقون عليه اسم «مبنى إسطبلات سليمان» ليس له علاقة بسليمان وليس إسطبلات أصلا، بل هو نموذج معماري لقصر شائع البناء في عدة مناطق بفلسطين، ونشرت ما توصلت إليه في كتابها (آثار الأرض المقدسة).. ويؤكد عالم الآثار الفرنسي «دي سولس» في كتابه «تاريخ الفن اليهودي» أنه تولى بنفسه قياس مساحة الحرم الشريف، وبحث موضوع مكان إقامة الهيكل، وأن نتائج أبحاثه جعلته يرفض تماما ولا يوافق من يدّعون بأن المسجد قد أقيم فوق الهيكل. ليس هناك ماض ينبنى عليه حاضر ومستقبل وعلى نفس مسار نفي المزاعم اليهودية، يقول المؤرخ البريطاني «ويليام داريمبل»، في كتابه عن القدس بعنوان «المدينة المسحورة»: كان تقدير العلماء في إسرائيل، أن موقع الهيكل قريب من أسوار مسجد قبة الصخرة، وبدأت الحفريات، وإستمرت رغم إعتراضات اليونسكو(منظمة الثقافة والعلوم التابعة للأمم المتحدة )، وعثرت البعثات الإسرائيلية على بقايا معالم أعلنت عنها وهللت لها ، ثم أضطرت إلى تغطية الإكتشاف كله بستائر من الصمت، لأن البقايا التي عثر عليها لم تكن إلا آثار قصر لأحد الملوك الأمويين، وهو أمر يدحض الدعاوى اليهودية من الأساس، ويكشف أنه ليس هناك ماض ينبنى عليه حاضر ومستقبل.. وفي الأسبوع الأخير من شهر فبراير 2010 عثر علماء آثار من سلطة الآثار في دولة الاحتلال، على نقش نادر باللغة العربية يعود إلى القرن العاشر، في مدينة القدس القديمة «الشرقية»، وبالتحديد عام 910 م، ووجد على الحجر الرخامي عبارة محفورة مكتوبة بالخط العربي ـ الذي كان يستخدم في القرون الأولى بعد ظهور الإسلام ـ وتشير إلى منح الخليفة العباسي «المقتدر» قطعة أرض إلى أحد أقاربه، واكتشفت النقوش خلال حفريات كان يجريها «موشيه شارون» من جامعة القدس، في الحى اليهودي بالقدس القديمة، وتم العثور أيضا على مصابيح نقشت عليها عبارات بالعربية، وقطع نقدية، وأوان زجاجية تعود إلى الحقبة الرومانية. وكان تعليق خبيرة الآثار اليهودية الشهيرة الدكتورة «شولاميت جيفا» ـ أستاذ الدراسات اليهودية في جامعة تل أبيب ـ على حركة الحفريات والبحث عن الآثار في باطن القدس وأسفل المسجد الآقصى وباحاته .. قولها بالنص : (إن علم الآثار اليهودي أريد له تعسفا أن يكون أداة للحركة الصهيونية، تختلق بواسطته صلة بين التاريخ اليهودي القديم والدولة اليهودية المعاصرة )!!
مشاركة :