بريطانيا تحبس أنفاسها فى انتظار كشف رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون عن خطته النهائية للخروج من الاتحاد الأوروبى فى وقت لاحق اليوم الثلاثاء، إذ لم يعد أمام لندن المزيد من الوقت، فبحلول شهر أكتوبر الحالى تكون المملكة المتحدة قد وصلت فى صراعها مع الزمن إلى نقطة حرجة، إذ لم يتبق سوى 31 يوما فقط على الموعد المحدد للخروج، ومازال ملف "البريكسيت" مفتوحا لا يبعث على الارتياح مضطربا ولا ينتهي، ما لم يتم الموافقة على الخطة المزمع طرحها لاحقا . هذا الوقت الحرج يأتى بعد أن أصر جونسون على أنه يتعين على بريطانيا مغادرة الاتحاد الأوروبي في 31 أكتوبر، وأيا كان الأمر، بعد أكثر من 3 سنوات من التصويت على ذلك في استفتاء 2016، وأعرب عن تفاؤله بأنه يمكن أن يوافق على شروط جديدة بحلول ذلك الوقت، لتحل محل الصفقة التي أبرمتها تيريزا ماي من قبله، ورفضها النواب، لكن قادة الاتحاد الأوروبي ليسوا متفائلين، إذ قال كبير المفاوضين الأوروبيين ميشيل بارنييه إن موقف لندن الحالي لا يشكل "أساسا للتوصل إلى اتفاق" للخروج .وبحسب جونسون، فإن العقبة بين لندن وبروكسل تتجلى في ملف الحدود بين مقاطعة إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا بعد بريكسيت، وجاء في بيان مشترك صدر في ختام لقاء جونسون مع رئيس الوزراء الإيرلندي ليو فارادكار في دبلن مؤخرا، أنه "تم التوصل إلى أرضية تفاهم في بعض المجالات، لكن لا تزال هناك خلافات كبرى في وجهات النظر"، فيما أشار فارادكار إلى أن لندن لم تطرح بعد أي اقتراح بديل "واقعي" لبند "شبكة الأمان" (باكستوب)، الذي يسعى جونسون لإسقاطه من الاتفاق الذي توصلت إليه رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي مع الاتحاد الأوروبي.ويهدف هذا البند لمنع عودة حدود مادية بين إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا العضو في الاتحاد الأوروبي، وهو ينص على إبقاء المملكة المتحدة بكاملها ضمن "منطقة جمركية موحدة" مع الاتحاد الأوروبي في حال عدم التوصل إلى حل في ختام فترة انتقالية، وهذا ما سيمنع لندن من اتباع سياسة تجارية مستقلة.وفي الوقت الذي يقترب فيه موعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، عقد حزب العمال البريطاني - الذي يشهد انقسامات عميقة - مؤتمرا قبل يومين لزعيمه جيريمي كوربن الذي يتعرض لضغوط شخصيات كبيرة في الحزب من أجل تبني موقف يؤيد بقاء المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي، حيث أنه يؤيد خروجها، ويعارض إعلان جونسون استعداده للانفصال عن الاتحاد الأوروبي بحلول يوم 31 أكتوبر الحالى، حتى لو في غياب التوصل إلى اتفاق مع بروكسل على شروط ملائمة للخروج .وبين موقف حزب العمال الذى يدعو إلى تأجيل موعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى لحين التوصل لاتفاق، وموقف رئيس الوزراء البريطاني المحافظ بوريس جونسون الذي يريد إنجاز بريكسيت بأي ثمن في 31 أكتوبر، يقبع الحزب الليبرالي الديمقراطي الوسطي الذي يريد البقاء بكل بساطة في الاتحاد الأوروبي من دون إجراء استفتاء جديد .لقد بات "البريكسيت" فى بريطانيا اللعنة والفزاعة التى أطاحت حتى الآن باثنين من رؤساء الوزراء، وكلمة السر فى الإخفاقات السياسية، والثغرة التى يحاول حزب العمال، أبرز الأحزاب البريطانية المعارضة، وزعيمه جيريمي كوربن الوصول عبرها لمقر الرئاسة فى 10 دونج ستريت .فجونسون وزير الخارجية المستقيل من حكومة تريزا ماى رئيس الوزراء السابقة، ورئيس الوزراء الحالى، يواجه منذ توليه مهام منصبه فى 24 يوليو الماضى إخفاقات سياسية وشعبية متلاحقة، نتيجة إصراره على الخروج فى الموعد المحدد حتى ولو بدون اتفاق، مشددا على أنه لن يطلب تأجيلا جديدا .بسبب إصراره على إتمام البريكسيت، تلقى جونسون صفعات متتالية على مدى أسبوع عاصف، كانت أولها حين صوت مجلس العموم على قرار يلزم الحكومة بنشر الوثائق السرية المتعلقة بتداعيات خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق، وبعدها توالت الإخفاقات، واشتعل الصراع بين البرلمان ورئيس الوزراء البريطاني على خلفية إصرار الأخير على الخروج من الاتحاد الأوروبى بحلول 31 أكتوبر بدون اتفاق، فيما تصر المعارضة على أن الخروج بدون اتفاق لن يحدث ابدا، وتطالب بتأجيل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لمدة 3 أشهر، وهو مطلب أصبح قانونا نافذا.وفى خطوة وصفت بأنها محاولة لتعطيل دور البرلمان المعادي له في مراقبة عمل حكومته، قرر جونسون بموافقة من الملكة اليزابيث الثانية تعليق عمل البرلمان حتى يوم 14 أكتوبر، ومعللا ذلك بأنه مجرد إجراء روتيني لإفساح المجال أمام حكومته الجديدة لوضع برنامج تشريعي جديد، لكن منتقديه اتهموه بمحاولة إسكات البرلمان قبل الموعد المحدد لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 31 أكتوبر وفق شروط لا تزال غير واضحة. وأثار قرار تعليق البرلمان الذى ندد به رئيسه باعتباره "فضيحة دستورية"، موجة استنكار في المملكة المتحدة حيث يشتبه المعارضون بأن بوريس جونسون اتخذ قراره لمنع النواب من مناقشة بريكسيت وإقحام البلاد في طلاق بلا اتفاق، وسارع النواب 10 سبتمبر الماضى، بعد العودة من العطلة الصيفية وقبل تعليق جلسات البرلمان، إلى إصدار قانون يهدف إلى منع الخروج بدون اتفاق مع الاتحاد الأوروبي، ويطالب القانون الذي أقره البرلمان جونسون بطلب التأجيل من قادة الاتحاد الأوروبي إذا لم يحصل على اتفاق مرض خلال قمة بروكسل المقررة في 17 أكتوبر الحالى .وأمام هذا التشريع الذى كبل يديه وهزمه فى البرلمان، أشهر جونسون سلاح الانتخابات التشريعية المبكرة، الأمر الذى تم رفض البرلمان خلال تصويتين متتاليين، حيث أحبط النواب للمرة الثانية خلال 5 أيام مذكرة قدمها جونسون طالبا دعوة الناخبين إلى صناديق الاقتراع يوم 15 أكتوبر الحالى، إذ لم يتجاوز عدد المؤيدين للاقتراح 293 نائبا، أي أقل بكثير من أغلبية الثلثين اللازمة لإجراء انتخابات عامة مبكرة .وعلى إثر ذلك اتهم جونسون رئيس حزب العمال بالتهرب من الانتخابات المبكرة خوفا من الهزيمة، لكن كوربن دافع عن نفسه بقوله إنه يريد الانتخابات لكنه يرفض "المخاطرة بكارثة" الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق. وتلقى نكسة جديدة مع استقالة أحد أركان حكومته وزيرة العمل آمبر راد، بعد استقالة شقيقه جو جونسون الذي كان يتولى منصب وزير دولة ، وذلك على خلفية قيامه بشطب عضوية عدد كبير من أعضاء حزبه بدعوى عدم دعمه فى دعوته للانتخابات المبكرة، ومؤخرا رفضت المحكمة العليا العطلة القسرية التى قررها جونسون حتى يوم 14 أكتوبر الحالى، أي قبل أسبوعين فقط من الموعد المحدد لبريكسيت .واعتبرت المحكمة قرار تعليق أعمال البرلمان فى الفترة التى تسبق البريكسيت "غير قانوني" ولاغ ولا تأثير له، ودعت النواب إلى الاجتماع "في أقرب وقت"، واعتبرت المحكمة في حكمها أن "القرار يعود إلى البرلمان، ولا سيما رئيس مجلس العموم ورئيس مجلس اللوردات، لتقرير ما يجب القيام به بعد ذلك. ما لم يكن هناك نظام برلماني لسنا على علم به، يمكنهما اتخاذ خطوات فورية لتمكين كل مجلس من الاجتماع".
مشاركة :